التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

الاقتصاد والسياسة في فرنسا، أين فرنسا وأين الرئيس الفرنسي 

 تمرّ اليوم فرنسا بظروف صعبة على الصعيد الاقتصادي، وتعاني كالكثير من الدّول الأوروبيّة من تعثّرات مالية واقتصادية وتشهد المدن الفرنسية احتجاجات واسعة تطال فئات مختلفة وقطاعات من العمّال والموظّفين، مما جعل شعبية الرئيس فرانسوا هولاند تهتز وتتراجع. في الوقت نفسه توجد علامات استفهام عديدة على السياسة الخارجية الفرنسية أيضا والمغامرات السياسية والعسكرية التي أقحم هولاند فرنسا فيها. فلماذا تتراجع شعبية الرئيس الفرنسي؟ وأين اصبحت فرنسا شارل ديغول الحرّة والسيّدة والقويّة في المجتمع الدولي؟ وكيف تسعى للتقليل من عواقب الأزمة الاقتصادية؟ وماذا عن السياسة الخارجية والتدخلات في شؤون الدول الأخرى؟ وهل يستطيع هولاند إخراج فرنسا من بين أخطار الداخل ومآزق الخارج؟

الواقع الاقتصادي المهترئ

في الأيام الماضية شهدت فرنسا مظاهرات شارك فيها الآلاف في احتجاجات تقودها اتحادات عمالية ضد سياسة التخفيضات في الإنفاق العام. وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل إعلان الحكومة أنها لا تزال تتوقع نموا اقتصاديا بمعدل ١٪ فقط هذا العام مما يؤكد هشاشة الانتعاش وشارك في الاحتجاجات المراقبون الجويون وشبكة الإذاعة العامة في فرنسا، موظفو المستشفيات والبحوث وقطاع النقل وحتى موظفو برج إيفل!!، كذلك أضرب المعلمون العاملون في الدولة. من جهة أخرى تشير الأرقام الى أن معدل البطالة وصل إلى أكثر من عشرة بالمئة مسجلا ثلاثة ملايين و ٤٨٨ ألفا و٣٠٠ عاطل عن العمل، واعتبر بنك برينبيغ الألماني أن “الاقتصاد الفرنسي يحتل المركز الـ ١٣ من بين ١٧ دولة أوروبية، وفي هذا المركز هو بين الاقتصادين الايطالي والاسباني المنهارين .

وقال تقرير إن “الاقتصاد الفرنسي الذي كان يعتبر ثاني أفضل اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، من المتوقع أن تضربه أزمة الدين نفسها التي ضربت كلًا من البرتغال وأيرلندا وإيطاليا واليونان وإسبانيا”. وقالت رئيسة البنك الألماني الذي أصدر التقرير “إن ناقوس الخطر بدأ يرن في فرنسا الآن .”

وقد قامت فرنسا سابقا بعدّة محاولات بائسة للحصول على رؤوس أموال تساعد اقتصادها المتهالك، منها محاولات بيع طائرة حربية بحيث تريد بيع أكثر من ١٥٠ مقاتلة رافال لمصر والهند وكندا وقطر والإمارات والكويت، وقد فشلت سابقا محاولات فرنسا لبيع الطائرة إلى البرازيل، وكذلك لسنغافورة وسويسرا وليبيا، وتنوعت الأسباب التي أضعفت موقف الطائرة الفرنسية بين ارتفاع كلفتها التشغيلية وغلاء ثمنها مقارنة بمقاتلات أخرى متوفرة على الساحة الدولية، الأمر الذي لو تمّ فقد تحصل فرنسا على ٢٥ مليار يورو أو حوالي ٣٠ مليار دولار .

كذلك حصلت صفقات مع السعودية منها الهبة العسكرية من السعودية للجيش اللبناني (سلاح فرنسي بالقيمة ضمنا) بقيمة ٣ مليارات دولار.

وذهب يتوسّل الأمريكيين العام الفائت للمساعدة في نشل الاقتصاد الفرنسي وليطلب من شركات “فيدكس” و”يو بي أس” و”ماستركارد” و”سيتي غروب” و”بيبسي” وغيرها من الشركات الأمريكية المساهمة والمشاركة في فرنسا في حين ذكر تقرير سابق أن “١٣ في المئة فقط من الشركات الأمريكية المستثمرة في فرنسا كان لها انطباعات إيجابية “.

النشاط السياسي البركاني

تقحم فرنسا نفسها في الكثير من المستنقعات السياسية والعسكرية فمن كلام لوزير الخارجية الفرنسي “إننا معنيون بالنزاعات الدامية في غزة، والعراق، وسوريا، وأوكرانيا، وليبيا، ومنطقة الساحل، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والقائمة تطول، باعتبار أنها تحدث في بقاع من العالم درجت فرنسا على النشاط فيها”. وكانت فرنسا قد دعت دول العالم الى التدخّل في ليبيا العام الفائت، كذلك قامت وزارة الدفاع الفرنسية بالإعلان عن مشاركتها العسكرية في مالي وبالفعل أرسلت فرنسا قوات قوامها ١٧٠٠ جندي وحثّت دول الخليج الفارسي على دعم التدخل العسكري في هذا البلد، وقامت القوات الفرنسية بعمليات في الأراضي العراقيّة، وكان قد أسف الرئيس الفرنسي لعدم القيام بإجراءات حاسمة في سوريا. هذه التدخّلات لم تثمر ثمرا طيّبا في فرنسا فأقر رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان بأن فرنسا بنت تدخلها في شؤون الدول الاخرى تحت مسميات منها الربيع العربي على “مقاربة كارثية للوضع في تلك الدول داعيا الحكومة الفرنسية إلى أن تتعظ من دروس الماضي وتتوقف عن التدخل في شؤون الدول الاخرى “.

من جانب آخر سعت فرنسا في العامين السابقين الى فرض عقوبات على العديد من الدول منها مصر وروسيا وإيران وسوريا، ثم عادت لتقول اليوم إنها تريد رفع بعض هذه العقوبات عن هذه البلدان .

الارهاب

وقد تبنّت فرنسا سياسة دعم الحركات المتطرفة في سوريا وليبيا وتونس وهي اليوم تعاني نتائج هذه السياسة اذ ارتد الارهاب عليها وبات الارهابيون يهددون بتكرار مأساة شارلي ايبدو في فرنسا وباقي الدول الاوروبية .

في هذا السياق أكد دو فيلبان أن التصدي للإرهاب المتمثل بتنظيم داعش في سوريا والعراق يكمن بمنع إنشاء “أراض جهادية” تقدم ملجأ لجميع الإرهابيين الأمر الذي يعني أن السياسة الفرنسية التي تقضي بإسقاط بعض الأنظمة تعني إيجاد ملاجئ للإرهاب .

جمهورية فرنسا الأمريكية

كل هذا الحراك في السياسة الخارجيّة الفرنسيّة لا يصب الا في خانة التبعيّة للسياسة الخارجيّة الأمريكيّة ففي الوقت الذي ترك ساركوزي في القصر الرئاسي الفرنسي كان الفرنسيّون يتطلّعون الى الرئيس الذي سيحفظ سيادة وعزّة واستقلال فرنسا الرسالة ويمثّل شارل ديغول ويأخذ بزمام الأمور الى فضاء فرنسي بامتياز، ولكن الذي حدث فعلا هو أن فرنسا اندفعت في نفس الاتجاه، فمثلا لقد تشدّد الموقف الفرنسي أكثر من سوريا، وواصل وزير الخارجية لوران فابيوس السير على طريق سلفه آلان جوبيه الذي كان أول مسؤول غربي يقول بسقوط شرعية نظام الأسد، كلّ ذلك إرضاءا لأمريكا وحفاظا على العلاقة الماليّة الحسنة بالسعودية .

اليوم فرنسا دولة أوروبيّة متهالكة اقتصادياً شأنها شأن اليونان وباقي دول أوروبا، وفي السياسة الخارجيّة لا توجد قرارات فرنسية إنما القرار دائما أمريكي، والمغامرات الأمنية والسياسية والعسكرية بدأ حصادها من شارلي إيبدو وغير شارلي إيبدو، والجنود الفرنسيّون يقاتلون لحماية المصالح الأمريكيّة في بقاع العالم، فإذا كانت شعبيّة هولاند متدنية في بلاده فقد يجد بعض الشعبية في سوريا او العراق او مالي لا مشكلة، وإذا لم يجد فبالتأكيد هناك احتفاء به في القصر الملكي السعودي أو في البيت الأبيض !!!

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق