العدوان السعودي على اليمن و”الجاهلية الجديدة”
جمال كامل /
الحرب الظالمة التي فرضتها السعودية على الشعب اليمني ، لا تشبه اي حرب من الحروب التي شهدتها المنطقة من قبل ، لوجود عناصر في هذه الحرب ميزتها عن باقي تلك الحروب ، منها التعصب الطائفي بأقبح وجوهه ، والحرب النفسية بأقذر ادواتها ، والتعتيم الاعلامي بأفضح صوره ، والتناقض الفاحش بالعدة والعتاد بأخر مظاهره اثارة للخجل والخيبة ، وقبل كل هذا وذاك الروح الجاهلية التي بعثتها السعودية في نفوس بعض العرب ، بعد ان نجحت في تهميش روح الاسلام في هذه النفوس ، بوهابيتها الكارثية ، وبدولاراتها الوسخة.
رغم ان بالامكان كتابة صفحات طويلة وعديدة عن الحرب النفسية التي يشنها الاعلام الخليجي والاعلام العربي المسعدن ، والقائم كليا على الكذب والتدليس ، على الشعب اليمني ، كما يمكن تناول اللغة الطائفية التي تجاوزت كل الحدود لهذا الاعلام ، او تناول التعتيم الاعلامي الذي يمارسه هذا الاعلام ، والذي يشبه الى حد بعيد ممارسة الاعلام الصهيوني خلال تغطيته العدوان الصهيوني على لبنان وغزة ، الا ان “الروح الجاهلية” التي ميزت هذا الحلف ، ولو كانت صورية، هي التي يجب الوقوف عندها ، لما تمثله من كارثة قد تفتت الدول العربية وتمزق مجتمعاتها.
من يشاهد التحشيد والتجييش الخليجي والعربي لنصرة السعودية ، ضد الشعب اليمني ، تقفز الى ذهنه مقولة “انصر اخاك ظالما او مظلوما” ، تلك المقولة الجاهلية التي حاول الاسلام طمسها والقضاء عليها منذ اكثر 1400 عام ، الا ان السعودية ، ومن خلال “حلفها الجاهلي ” الجديد ضد الشعب اليمني ، أعادت الحياة الى هذه المقولة ، وهو مايؤكد ان الجاهلية مازالت تعشعش في نفوس البعض.
الملفت ان “الجاهلية الجديدة” التي تتزعمها السعودية اليوم ، هي اسوء بكثير من الجاهلية الاولى” ، وهذا السوء والانحدار الاخلاقي للسعودية و “حلفها الجاهلي الجديد” ، يتمثل في فقدان هذا الحلف للمروءة والشهامة التي كانت تطبع بعض خصال “الجاهلية الاولى” ، فقد كان الغدر و قتل القوي للضعيف لا يعد فروسية بل جبنا ونذالة ، بينما تطبع الخسة والدناءة ، “التحالف الجاهلي السعودي” ، حيث لم تخجل السعودية ولا الجيوش والطائرات الخليجية ، ولا تلك الجيوش والطائرات العربية ، من الاعلان وبفخر عن مشاركتها في هذا “الحلف الجاهلي” ، لقتل شعب عربي مسلم اعزل فقير ، يعاني ومنذ عقود من الفقر والحرمان بسبب ظلم هذا “الحلف الجاهلي”.
بلغت خسة ونذالة هذا الحلف ، ان اساطيل الدول المشاركة فيه ، تعلن وبزهو المنتصر ، انها تمنع وصول المساعدات الانسانية من غذاء ودواء لاطفال اليمن الذين يتضورون جوعا ، ويؤكدون انهم سيواصلون هذه السياسة الى ان يستسلم الشعب اليمني ويرفع الراية البيضاء، ويقبل ان يكون تابعا ذليلا للسعودية زعيمة هذا “الحلف الجالي”.
لا يمكن قياس الجاهلية السعودية” ، ب”الجاهلية الاولى ” فالاولى كانت اكثر مروءة منها، فالتاريخ يذكر ان بعض المشركين لم يتحملوا ما نزل من اذى على بني هاشم عندما حوصروا في شعب ابي طالب ، فثارت حميتهم ومزقوا الوثيقة التي وقعها عتاة قريش لمعاقبة بني هاشم ، بعد ان رفضوا ان يعيش اطفالهم ونساءهم في دعة ، بينما يعاني اطفال ونساء بني هاشم من الجوع والعطش ، ولكن في “الجاهلية السعودية” يتسابق الخليجيون والعرب على تجويع اخوة لهم في العروبة والدين ، بل ويتفننوا في تجويعهم ، دون ان تتحرك في عروقهم حمية “الجاهلية الاولى”.
كما حكم التاريخ على كل الظلمة والمجرمين والمستبدين ، رغم انه كُتب بيد المنتصرين ، وجلهم من الظلمة ، الا ان للحق قوة ، وهذه القوة تمنح البقاء للحق وتجعله عصيا على الاندثار ، فمن المؤكد ونحن نعيش عصر ثورة المعلومات والقرية الصغيرة، فان التاريخ سيحكم على “الجاهلية الجديدة” كما حكم على الاولى ، بل سيكون حكمه اكثر وضوحا وعدلا ، وسيمنح الاجيال القادمة القدرة على الحكم على السعودية و”حلفها الجاهلي” ، لما ارتكبوه من قتل وتجويع وترهيب وتدمير وتشريد ، ضد شعب عربي مسلم مظلوم ، جريرته الوحيدة ، انه قال للسعودية “كفى”.