التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

تعرّف علي لغز “الطائفية” في سياسة السعودية 

 تزامناً مع بدء العدوان السعودي على اليمن، طرحت الرياض العديد من الشعارات “العاطفية” لتحقيق أهداف “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم، التي رافقتها عواصف طائفية، تارةً عبر الدعوة للجهاد من قبل أعلى سلطة دينية في المملكة، وأخرى عبر حضور الدعاة أنفسهم إلى ساحات “الجهاد”. الشعارات الجديدة تلخصت بخمسة عناوين هي كالتالي:  “حرب العرب”، “حرب سنية-شيعية”،”الدفاع عن الحرمين”، “الدفاع عن الشعب اليمني”، “الدفاع عن الشرعية “.

بما أن العنوان الطائفي هو الأبرز حالياً منذ بدء الربيع العربي، وبروز التيارات التكفيرية بشكل واسع على الساحتين العربية والإسلامية، سوف نتطرق في هذا المقال إلى العنوان الثاني من شعارات السعودية في حربها على اليمن،  فما صحّة الحديث عن حرب سنية-شيعية في اليمن؟ وما الذي ترمي إليه الرياض من هذا الشعار؟

للإجابة على هذه الأسئلة لا بد لنا من التطرق إلى الدور السعودي في المنطقة، بدءً من المؤسس عبد العزيز آل سعود، مروراً بسوريا والعراق وصولاً إلى اليمن حالياً .

لغز “الطائفية “!

سار مؤسس الدولة السعودية الثالثة عبدالعزيز بن سعود في العشرينات من القرن العشرين، على خطى سلفه الأول محمد بن سعود(مؤسس الدولة الأولى) الذي توافق مع محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الحركة الوهابية) على توزيع غنائم الغزوات وإدارة شؤون المملكة، وتطور بعدها الاتفاق حتى غدت السلطة السياسية لآل سعود والسلطة الدينية لآل الشيخ أي أبناء وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولازال هذا التحالف قائماً حتى يومنا هذا .

التحالف القائم بين الجانبين إضافةً إلى عوامل جيوسياسية من قبيل ظروف نجد الصحراوية القاسية، ومصادر الرزق شبه المعدومة(سابقاً)، وتشدّد الوهابية وطموح آل سعود في بسط سيطرتهم، كلها أسباب ساهمت في بروز هذا التحالف بشكل جدّي مع مرور الزمن واستخدام السلطة السياسية لسلطة آل الشيخ عندما تقتضي الحاجة .

بعيداً عن صفحات التاريخ المتوسط، فلو نظرنا إلى الماضي القريب نرى وبالدليل أن سياسة آل سعود وبعكس آل الشيخ بنيت على المصالح وليس الطابع المذهبي، فعندما تتطابق المصالح مع الطائفية يتم إعطاء الموضوع صبغة مذهبية، وفي حين يتعارض تنكفئ السعودية عن ذلك. عندما نطالع حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي نرى أن السعودية(السنية) وقفت مع الإمام البدر(الزيدي) وحليف شاه ايران (الشيعي)، في وجه المشير السلال (السني) المتحالف مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر(السني). لماذا لم يتم التطرق إلى الطابع الطائفي؟

كذلك، عندما نطالع المشهدين العراقي والسوري، نرى ان السعودية عمدت على النفخ في نار الطائفية، لأن المصلحة السياسية للرياض كانت تقتضي حينها شدّ عصب القبائل السنية في العراق، والجماعات التكفيرية في سوريا لتوسيع سلطتها على المنطقتين، لكن ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق والشام قصم ظهر ما بنته الرياض عبر تنكيله بالمسلمين قبل المسيحيين، وبالسنة قبل غيرهم .

أين اليمن من الطائفية؟

بالعودة إلى اليمن، ومع بدء العملية العسكرية ضد الشعب هناك، تصاعد خطاب الكراهية والتكفير والتطرف الديني، وأصوات المتشددين داخل المملكة، من على منابر الجمعة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، بهدف تحويل المواجهة إلى مواجهة داخلية بين زيدي وشافعي، أو في المعنى الأوسع بين سني وشيعي، ولم تنفك مشايخ البلاط التي تسبح بحمد سلمان، عن ترديد عبارات الرافضة..عباد القبور..أهل الأوثان ..العملاء.. المجوس.. الصفويون..هذه المفردات وغيرها، على مسامع الناس، مصحوبة بالتهليل والتسبيح بحمد الملوك .

لو صرفنا النظر عن التناقض السعودي في هذا المضمار(الطائفي) بين عامي ١٩٦٢و٢٠١٥، وعندما نطالع احداث “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم وما قبلها نتيقن وبالدليل القاطع أن المصلحة السياسية هي التي تحدّد وجهة الحرب، ونكتفي بالأسباب التالية :

أولاً: بعد فشل السعودية في إقناع باكستان بالمشاركة في عدوانها العسكري، أرسلت الرياض وزير الشؤون الدينية دون غيره إلى إسلام آباد، لماذا لم يرسل سعود الفيصل أو أياً من المسؤولين السعوديين ذوي الاختصاص، كالداخلية أو الدفاع، أو حتى أحد قادة الجيش؟ ألا تعني هذه الخطوة أن السعودية تحاول اللعب على وتر الدين، هل تحاول سلطات الرياض أن تصدر عدوانها تحت عنوان “جهاد مقدس”(كما فعلت في سوريا ومن ثم توعدتهم بالقصاص) ضد الشعب اليمني من منطلق طائفي .

ثانياً: سعت الرياض بادئ ذي بدء أن تحدّ من التحديات الطائفية على المستوى الداخلي خدمةً لمصالح سياسية لا أكثر، لكن الفشل السعودي في إقناع باكستان وكذلك جرّ مصر إلى تدخل بري دفع بأبواقها الدينية من أحفاد عبد الوهاب للدعوة إلى الجهاد، والحضور الشخصي على الجبهات.

ثالثاً: عندما تطرح مقولة “الدفاع عن الحرمين” وتتم الدعوة في بعض البلدان العربية والاسلامية للجهاد تحته ومن أجله، لا بد لنا أن نستذكر التاريخ حتى ندرك زيف هذه الادعاءات، ففي العام ١٩٢٦، قامت الوهابية حليفة آل سعود، انطلاقاً من ثقافتهم ومن فكرهم، بتهديم كل الآثار الدينية والتاريخية لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باستثناء القبر، فمن الذي يهدد الحرمين الشريفين؟ الشعب اليمني؟ أو الجيش اليمني؟

السعودية ومن خلال هذا الادعاء بالتحديد تسير على خطى محمد بن عبد الوهاب عندما يقول: “الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف”، وربما أصاب لأنه كلما ازداد الإنسان ثقافة نفر من العقيدة الوهابية وكشف حقيقة آل سعود. هل تريد السعودية أن ننسى أن داعش هو الذي قال قبل أشهر، بعدما أعلن دولة الخلافة في الموصل، أنه سوف يأتي إلى الجزيرة العربية ويهدم الكعبة، لأن الكعبة، في ادعاء داعش وفي فكره، هي مجموعة أحجار صمّاء سوداء يُطاف بها وتُعبد من دون الله، وتتنافى مع التوحيد الخالص، وكلنا يعرف هذا الفكر الداعشي من أين منشأه.

رابعاً: عدد الشهداء والجرحى ووقائع الميدان خاصةً في ظل الطبيعة القبلية للشعب اليمني تؤكد أن أي حديث عن الطائفية لا أساس له من الصحة، كما أن تصريحات المتحدث باسم عملية “الدمع المرتعد” أو ما يسمي بعاصفة الحزم العميد “أحمد العسيري” بالامس حول ضرب كافة القبائل التي تتعاون مع “انصار الله” ترسّخ المقولة السابقة. هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الحرب هي بالأساس من أجل تقسيم اليمن بعد أن خرج طائر صنعاء من السرب السعودي، وفشلت الرياض في تمرير مشروعها التقسيمي(الأقاليم الـ٦) عبر عبد ربه منصور؟

ختاماً، ورغم أن الخطاب الممول بات اليوم في مختلف المنابر الرسمية والإعلامية، يترجم تصفيقاً لجرائم آلة الحرب، ورقصاً على أشلاء شعب اليمن ودمائه، وباسم الطائفية، إلا أن وقائع الميدان كما التاريخ تؤكد أن المواجهة الحالية هي بين الحق والباطل، بين شعب أعزل ودولة معتدية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق