التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

لا عصف ولا حزمٌ 

لم يخرج عن حدود التوقع ذهاب المملكة العربية السعودية إلى تضخيم «المنجزات» في عدوانها على اليمن.

كما لم يكن مستغرباً، بعد هذا العدوان، أن تعمد المملكة إلى الإيهام أنها باتت، على الخريطة الإقليمية، في مرحلة الانتقال من الضعيف المنفعل الى موقع القوي الفاعل، وذلك انسجاماً مع الأهداف المحددة سلفاً لـ «عاصفة الحزم»، التي لم يكن مطلوب منها سوى إخراج الدور السعودي في المنطقة من حالة انعدام الوزن، على طريقة «أنا أضرب إذاً أنا موجود».

لكن أن يتحول الأمر الى تقمّص كامل للدور والانقلاب من التظاهر بالقوة إلى الاعتقاد بامتلاكها، وصولاً إلى القول بأن المملكة قد دخلت مرحلة التغوّل الإقليمي، فذلك لا يمكن إدراجه، من الناحية العسكرية، إلا في خانة الضعف المركّب على قاعدة عدم إدراك الضعيف لمكامن ضعفه، إلى جانب ما يعنيه، في السياسة، من جهل مركّب على غرار جهل الجاهل بما لديه من جهل.

من هنا، فإن إخراج أهداف «عاصفة الحزم» من المدى القريب والمنظور، وربطها بأبعاد تأسيسية بعيدة المدى، ليس سوى تعمية والتفاف على الفشل في الوصول الى الأهداف الميدانية والسياسية المباشرة. فالكلام عن كون هذه «العاصفة» مدخلاً لإعادة بناء الدولة المعاصرة في الخليج (الفارسي)، ودليلاً على تفوق الجيوش الخليجية في المنطقة، ومنعطفاً على طريق الإصلاح في الفكر الديني لقطع الطريق على الحراك التكفيري المتشدّد..

الكلام هذا لا يمكن حصره في خانة الترويج لبطولات وهمية يحتاج اليها الخائضون في غمار العدوان، بل هو في العمق تعبير عن ثقافة جاهلية كامنة، وعقلية مختلة في التقييم، بدءاً من طغيان التضخم في تقييم الذات، وصولاً إلى اختزالية في النظر إلى الآخرين.

الواضح أن المبالغة في تعويم «المنجز» السعودي في اليمن مؤشر على تهافته وضعفه. المبالغة تلك تبدو مكشوفة أمام شفافية المشهد. معظم المراقبين المحايدين، يؤكدون أن عدوان «عاصفة الحزم» ليس سوى حركة استعراضية يُراد منها اصطناع جائزة ترضية للمملكة، تتيح لها الجلوس، لاحقاً، الى طاولة المفاوضات من دون أن تكون صفر اليدين.

العدوان هذا لا يمكن تصنيفه في خانة الكسب العسكري والميداني، لاقتصاره أولاً على قصف جوي لم يحدث أي تحول في مجريات الأرض، ولم يمنع الحوثيين من استكمال زحفهم، ولاقتصاره ثانياً على العدوان الجوي الذي لم ينجح إلا في استهداف المواطنين الأبرياء والمنشآت المدنية. أما أصل اتخاذ القرار بالعدوان، فكان بالإمكان وضعه في خانة الجرأة والإقدام، لولا رهان الرياض على عاقلية الخصوم وعدم انجرارهم الى مواجهة مفتوحة، ورهانها أيضاً على محددات إقليمية ودولية تضمن مسبقاً اقتصار رد هؤلاء على صد العدوان، وعدم مبادلة الهجوم بالهجوم.

ومهما يكن، فإن الأصل في المنجز العسكري هو الدخول البري. وهذا ما كان واضحاً منذ البداية أن الرياض عاجزة عنه، حيث جاء قرار مجلس الأمن 2216 ليخرج الموقف السعودي من الدوران في حلقة مفرغة، ويمهّد الأرضية للانخراط في تسوية سلمية للأزمة.

«عاصفة الحزم» تسمية تعبر عن حرص القائمين بها على التشبه بأقصى ما يفتقدون إليه: العصف والحزم!

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق