كيف يسعي أردوغان لتكريس حكم الشخص الواحد؟
يحاول رجب أردوغان تكريس حكم الشخص الواحد، هكذا يمكن باختصار وصف ما يسعى إليه الرجل. ولا شك أن ذلك يتزامن مع مضيّه بتغيير هوية تركيا، فيما تتجه أنظاره إلى الإنتخابات البرلمانية المقبلة التي يسعى فيها جاهداً ليصبح دستورياً زعيماً أوحد للبلاد. فقد شهدت الساحة السياسية في العام ٢٠١٤ صراعات داخلية وخارجية أثّرت على أمن البلاد واستقرارها. ولعل الصراعات بين المعارضة وحزب “العدالة والتنمية” هي ما اتسم به العام الماضي، قبل أن تشهد تركيا للمرّة الأولى انتخاب رئيس للجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، أوصل رجب طيب أردوغان إلى كرسي الرئاسة. لكن الرجل، لم يأبه لأي شيءٍ حتى أنه لم يستمع لردّ فعل الاتحاد الأوروبي المعترض على ممارساته، داعياً إياه إلى الاهتمام بشؤونه. فما هي طموحات الرئيس التركي؟ وكيف يسعى لإرسائها؟
أولاً: أحداث يجب استذكارها، يمكن أن توضح ما يسعى له الرئيس التركي
يسعى أردوغان إلى نظامٍ رئاسي يعزّز صلاحيات موقعه، عبر دستورٍ جديد لا يمكن إرساؤه إلا بعد الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في صيف هذا العام. فتعديل النظام لا يتحقق إلا بحصول حزب العدالة والتنمية على ثلثي أصوات البرلمان التركي. لكن أردوغان قام بالعديد من الأمور في العام الماضي، والتي ساعدته في الاستئثار بالسلطة، ويمكن تلخيصها بالتالي :
– أبعد أردوغان الرئيس التركي السابق عبدالله غول من درب منافسته، وعقد شراكة مع أحمد داوود أوغلو، الذي قبِل أن يكون كمن يمكن وصفه برئيس ظلّ في الحكومة والحزب أيضاً .
– وظّف أعدادا كبيرة من المستشارين في قصر الرئاسة ليتولّوا الإشراف على المؤسسات الحكومية والتي تعد من اختصاص الوزراء .
– إتهم أردوغان خصمه، حليف الأمس، فتح الله غولن، بالانقلاب عليه. فقام بوضع يده على مدارس حركة الخدمة التابعة لغولن ووسائل إعلامها، ونفذ حملات اعتقالات دورية ضد موظفي دولة وإعلاميين متهمين بمناصرة غولن، متهماً إياهم بالتغلغل في مفاصل القضاء والشرطة وبالسعي إلى قلب الحكم .
– أقرّ إصلاحات في الشرطة، ومرّر مشروع قانون “إصلاح القضاء في تركيا”، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً، واعتبر تعدياً على الديموقراطية ومسّاً باستقلالية القضاء حينها .
ثانياً: تحليل الواقع التركي، وأسلوب أردوغان القديم الجديد
يبدو أن الساحة التركية ستبقى عرضة للاهتزازت الأمنية والسياسية والتطورات المتأرجحة مع استمرار الأزمات الإقليمية، فضلاً عن الأزمات الداخلية التركية التي تعصف بالبلاد، دون أن تلوح في الأفق بوادر حلحلة مرتقبة. لقد ظهر الوجه الآخر للنظام التركي من خلال تعامل أردوغان مع الاحتجاجات الشعبية التركية، إذ إن تصريحاته أثناء تلك الفترة أكدت أنه لا يحترم آراء معارضيه، رغم أنه يواصل في الوقت ذاته إظهار نفسه كمرشد للأمة. وهنا يجب الالتفات الى التالي :
– إن حملة الاعتقالات السابقة والتي طالت ٣٠ مسؤولاً مقرباً من أردوغان، على خلفية قضايا تتعلق بالفساد، هي تأكيد على الانقسامات داخل حزب “العدالة والتنمية”، كما أنها دليلٌ على أن الصراع على السلطة يهدد تركيا. وبالتالي فإن تركيا تعيش حالة من التخبط السياسي جديرة بالبحث والدراسة، كونها نتيجة لعدة أسباب تراكمت عبر السنوات العشر الماضية، انطلاقاً من الانقسام الداخلي والملف الكردي، امتدادا إلى مساهمتها في الحرب على سوريا، وصولاً إلى سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، والحكم على الجماعة باعتبارها إرهابية .
– تتميز تركيا بتعدد التناقضات البنيوية وبحدة الانقسامات السياسية الداخلية التي انسحبت بآثارها على العلاقة بين جميع اللاعبين السياسيين في البلاد. فالتحالف السابق بين حزب “العدالة والتنمية”، وحركة فتح الله غولن عمّق هذه الانقسامات خصوصاً لجهة خلافهم مع الجيش. ولم تتوقف الانقسامات عند هذه العلاقة، بل امتدت أيضاً لتتكرس بشكل أكثر حدة مع الأحزاب التركية المعارضة، وذلك بسبب فشل أردوغان في معالجة ملف الأكراد والدور السلبي في إدارة ملفات المنطقة، ولاسيما الحرب على سوريا .
– إن لجوء أردوغان إلى نظرية خلق العدو واتهام الدول الأجنبية الحليفة بتنفيذ مؤامرة، جاء كمحاولة من أردوغان لاستعادة زمام المبادرة من أجل توحيد الداخل والحصول على شرعية تحرره من القيود والضوابط بسبب وجود خطر خارجي. قد يفسر هذا الأمر الخلاف القائم بين أنقرة وواشنطن حول كيفية إدارة عدة ملفات في المنطقة، حيث كثرت التكهنات في الآونة الأخيرة التي تفيد عن رغبة أمريكا بإحداث تغيير في تركيا، ينسجم مع التغيير الحاصل في إستراتيجية واشنطن في المنطقة. وهو ما يدل على أن أمريكا تسعى إلى تحقيق أهدافها في المنطقة بمعزل عن مصالح حلفائها. في المقابل، حلف محور المقاومة وروسيا والصين، حيث يشترك جميع الأطراف في أخذ القرار بناءاً علي الشراكة القائمة على أسس واضحة .
إذاً إن الدور التركي في تمويل الإرهاب ودعم الحرب على سوريا وتمويل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، جاء وفقاً لأجندة واضحة وتنفيذا للأهداف الأمريكية القائمة على تقسيم المنطقة وتأجيج الصراع الطائفي والمذهبي. لقد كان لفشل هذا المشروع نتائج مباشرة على قوة تأثير تركيا في الأحداث السياسية في الشرق الأوسط وهو ما يتحمل أردوغان مسؤوليته. فدعم أردوغان للجماعات الإرهابية والتدخل في سوريا أدى الى فقدانه المصداقية أمام شعبه. لذلك فإن ترابط العوامل الداخلية والخارجية جعل من تركيا دولة مريضة وأفقدها حضورها السياسي في المنطقة، فخسرت خلال سنتين أهم ما كانت قد حققته في السنوات العشر الماضية، من اقتصاد قوي ونموذجية سياسية. وبالنتيجة يمكن القول إن تعنت أردوغان في إدارته الأزمة أدخل البلاد في نفق مظلم. وبالتالي فإن تراكم الاضطرابات السياسية الداخلية والخارجية جعل أردوغان يجنح نحو الديكتاتورية العمياء، في حين أصبح تحقيقه لأهدافه أمراً مستحيلاً، لاسيما بعد فشل المشروع التقسيمي في سوريا وخروج مصر من مستنقع الإخوان المسلمين، وتراجع نفوذ الدول الخليجة، وتراجع هيبة اللاعب الأمريكي .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق