كيف شن السعوديون وحلفائهم الحرب علي الشعب اليمني؟
في مقال له في جريدة الاخبار اللبنانية يذكر الكاتب ايلي شلهوب وقائع لقاءات ومحادثات سرية بين الرياض وممثلي القوى المتصارعة في اليمن حيث يقول الكاتب ان اليمن كان حاضراً في كل استحقاق للسعودية ضلع فيه؛ من المصالحة مع قطر، الى صراعها مع إيران، وكان عنصراً رئيسياً في علاقتها بالقاهرة. كذلك حضر اليمن في مناقشة السعودية مطلب الادارة الامريكية استيعاب الإخوان المسلمين في إطار مشروعها لإعادة تمكينهم من المنطقة .
ويضيف الكاتب ان النظام السعودي خسر جميع أوراق القوة في اليمن ونافس قطر بقوة، ورفض أي نفوذ للإخوان المسلمين الذين ما إن تلقّوا، ومعهم آل الأحمر، صفعة كبرى على أيدي جماعة أنصارالله، حتى سارعت الرياض، ومعها الضغط الأمريكي، لإعادة الدوحة إلى بيت الطاعة. ومن ثم عملت المملكة، وبمباركة أمريكية، على تشكيل جبهة داخلية أرادتها سداً منيعاً أمام تمدّد أنصارالله من دون أن تنجح وكان هؤلاء يكسبون كل يوم المزيد من الساحات، إلى أن دخلوا صنعاء وبعدها دخل الجميع في مفاوضات تجمّدت لحظة رحيل الملك عبدالله، فنفذ الملك الجديد سلمان انقلابه واستقال عبد ربه منصور هادي في اليوم نفسه، فعادت الأمور إلى النقطة الصفر، وبدأ التفكير في العدوان .
العامل القطري
يقول الكاتب ايلي شلهوب نقلا عن مصادر خليجية متابعة لملف اليمن إن قطر حاولت، خلال ما عرف بالربيع العربي، أن ترث دور السعودية في اليمن بالكامل فالجميع بمن فيهم القبائل والإخوان وآل الأحمر، انخرطوا في الصراع إلى جانب قطر بحيث لم يبق للسعودية في اليمن من حليف إلا علي عبدالله صالح وحينما تمكن أنصار الله من القضاء على نفوذ الإخوان وآل الآحمر، اعتبر ذلك مكسباً للسعودية في اليمن، لأنه مثل ضربة قاصمة لنفوذ قطر وبعدها فقط تحرك مشروع المصالحة القطرية السعودية .
وفي شباط ٢٠١٤ وصل مندوب سعودي وجال على جميع مشايخ القبائل والوجهاء المرتبطين مالياً بالرياض، موحياً لهم بأن الرياض لا ترغب في دعم هذه المجاميع في مواجهتها مع الحوثيين .
جاء ذلك في أعقاب إعلان هادي مشروعه لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، والذي يحرم الحوثيين من منفذ على البحر كما يحرمهم من أي تأثير في المناطق الغنية بالنفط في محافظة الجوف، وذلك بدعم داخلي قوي من حزب الإصلاح (الإخوان) وتسليم من آل الأحمر، ورعاية خارجية قطرية بالأساس وغضّ طرف سعودي .
وتضيف المصادر الخليجية أن “واشنطن كانت تضغط على السعودية من أجل مصالحتها مع الإخوان ومع راعيهم القطري، لكن هذه المصالحة كانت تصطدم دائما بعقدتين: إخوان اليمن ومصر عبد الفتاح السيسي”. من هنا، تتابع المصادر، أبلغت الرياض الوسيط الكويتي بينها وبين الدوحة أن على قطر “التخلي عن ورقة اليمن وتعيد تسليمها للمملكة، وأن تسير خلف السعودية في المصالحة مع القاهرة” التي زارها رئيس الديوان الملكي السعودي آنذاك خالد التويجري والشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مبعوثاً لأمير قطر في ٢١ كانون الأول .٢٠١٤
المصادر الخليجية تؤكد أن السعوديين في ذلك الوقت، وعلى وجه التحديد الملك عبدالله ومحمد بن نايف، كانوا يعتقدون أن الطريقة الأمثل في التعامل مع الحوثيين بتشكيل جبهة داخلية تقف في وجههم وأن الأمريكيين أيضاً كانوا يريدون جبهة كهذه تكون قادرة على صد الحوثيين من دون توريط الجيش اليمني واعتقدت واشنطن ان دخول الجيش سيجعل الحوثيين أكثر تمسكاً بسلاحهم، مع ما يعنيه ذلك من استحالة التوصل إلى حل سياسي لنزع هذا السلاح وفق مخرجات الحوار الوطني .
وما إن غادر هادي الرياض، حتى بعث السعوديون بوفد إلى صنعاء مؤلف من ثلاثة أشخاص برئاسة السفير السعودي السابق لدى اليمن، علي بن محمد الحمدان، الذي يتولى رئاسة اللجنة الخاصة المعنية بالملف اليمني وكان أول لقاءاتهم مع علي صالح وأبلغوه أن الرياض تريد وقف تمدد الحوثيين، وأنه لهذا السبب تريد منه أن يتصالح مع حزب الإصلاح ومع آل الأحمر ليشكلوا معاً سداً منيعاً يحول دون سيطرة أنصار الله على البلد وكان جواب الرئيس السابق منقسماً إلى شقين. قال “أولاً، إذا كان لا بد من مصالحة فلتكن مصالحة وطنية شاملة أما مصالحة ضد طرف فهذا يعني إدخال البلد في حرب أهلية”. وأضاف “ثانياً، أي منطق هذا الذي يجعلني أتحالف مع حركة أنتم صنفتموها بأنها إرهابية (في إشارة إلى الإخوان المسلمين) وهي جماعة نفذت انقلاباً في البلد (أطاح صالح (واستهدفوني مباشرة”، في إشارة إلى تفجير مسجد الرئاسة الذي كاد يودي بحياته .
سيطرة انصارالله على صنعاء
عندما دخل أنصار الله الى صنعاء في أيلول عام ٢٠١٤، شنّ السعوديون هجمة غير مسبوقة على صالح الذي رأوا أنه خان العهد معهم، وحده الملك عبدالله كان يدافع عن الرئيس اليمني السابق. كان الملك يرى، بحسب المصادر الخليجية، أن لصالح ديناً في رقبته. في النهاية هو الذي وافق على ترسيم الحدود مع المملكة، وبالتالي شرعنها، في خطوة فشل في تحقيقها جميع ملوك السعودية السابقين .
بعدها بدأ السعوديون يشجعون هادي على التلكّؤ والمماطلة في استيعاب أنصار الله في مؤسسات الحكم واستيعاب عناصرهم في المؤسسة العسكرية، وفق ما ينص عليه اتفاق السلم والشراكة، ما تسبب في حالة تشنّج لدى أنصار الله، ودفع إلى التسارع نحو التصعيد المتبادل ميدانياً، وفق مصادر يمنية متطابقة. ومع تصاعد حدة التوتر في اليمن، نصح صالح السعوديين، الذين أعادوا تحريك ورقة التحالف اليمني ضد أنصار الله، بفتح خط على الحوثيين. قال لهم: إذا كنتم تقولون إنهم يتبعون لإيران، فعليكم أن تقطعوا هذا الخط وتتعاملوا معهم كأمر واقع .
كان أنصار الله قد حاولوا مرات عديدة فتح قنوات مع الرياض، لكنها كانت تجابه دائماً بالصد (باستثناء مرة يتيمة في ٢٠١٣). لكن هذه المرة وجدت نصيحة صالح استجابة، فتوجه وفد من الحوثيين برئاسة المتحدث الرسمي باسمهم محمد عبد السلام إلى الرياض قبل ثلاثة أيام من وفاة عبدالله. والتقى الوفد محمد بن نايف ورئيس الاستخبارات السابق خالد بن بندر. وقد تم وضع جميع المخاوف المتبادلة على الطاولة، وجرى البحث في التطمينات المطلوبة من كل طرف، وكل ذلك بمتابعة لصيقة ومباركة من عبدالله والديوان الملكي .
كان الوفد لا يزال موجوداً في الرياض حين توفي عبدالله. كانت المفاوضات بلغت حدّ التقدم بلائحة أسماء لمناصب يطلبها أنصار الله في صنعاء. لكن المفاجأة جاءت من مكان آخر، وفي اليوم نفسه. نفذ الملك الجديد سلمان انقلابه على كل عدة سلفه قبل أن يوارى الثرى، بالتزامن مع إعلان عبد ربه منصور هادي استقالته متذرّعاً بمطالب أنصار الله، علماً بأن استقالة هادي جاءت بنصيحة قطرية تركية لوضع العصي في عجلة المصالحة اليمنية التي كانت ستقطع الطريق على عودة مشروع تمكين الإخوان في اليمن برضى ورعاية أمريكيين .
أنصار الله ومصر
ويضيف ايلي شلهوب: حفّز مناخ ثورة ٣٠ يونيو المصرية أنصار الله الذين أدركوا أهمية التواصل مع القيادة المصرية الجديدة. كان ذلك في بداية عام ٢٠١٤. واللافت أن مصر – السيسي كانت بدورها حريصة، بالقدر نفسه، على سبر أغوار أنصار الله» وتوجهاتهم وطموحاتهم واستبيان ما إذا كانوا يمثلون فرصة أو تهديداً لمصالحها في اليمن ولأمنها القومي. حصل في ذلك العام تواصل، أكثر من مرة، وعلى مستوى مؤسسة الرئاسة المصرية .
مع دخول صنعاء، حاولت الأطراف المعنية أن تلعب على وتر تهديد باب المندب وإثارة مخاوف مصر من نيات الحوثيين، وما إذا كان يمكن أن يقدموا على خطوة تهدد سلامة الملاحة فيه، سواء بحسابات خاصة بأنصار الله أو ربطاً بعلاقتهم بإيران. عاد التواصل مجدداً وقدمت تطمينات مباشرة كبيرة جداً لمؤسسة الرئاسة المصرية. وبحسب مصادر مصرية ويمنية متطابقة، فإن ردّ القاهرة جاء على شكل أن تصريحات إيجابية بحق أنصار الله صدرت عن الخارجية المصرية بعد غياب دام سنوات لم تكن فيه مصر تعبّر عن موقفها في الشؤون اليمنية بهذا الشكل، وذلك بناءً على توجيهات من الرئاسة المصرية .
ماذا جرى في قمّتي سلمان مع أوباما والسيسي؟
تفيد معلومات مصرية المصدر بأن القمة التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الملك السعودي سلمان في الرياض شملت قضايا أربعاً. تقول إن سلمان قال لضيفه المصري “سأطلب منك طلبين وأعطيك في مقابلهما أمرين”. أما المطلبان فكانا “استيعاب الإخوان المسلمين في المشهد السياسي” عبر تغيير طريقة التعامل معهم وصولاً إلى إبرام مصالحة تسمح لهم بالمشاركة في السلطة، و”السير خلفي في الموضوع اليمني”. مقابل ذلك، تعهد سلمان بـ”دعم مفتوح لمصر” وبمصالحة القاهرة مع كل من تركيا وقطر .
مصادر سياسية خليجية وثيقة الاطلاع تفيد بأن مطلبي سلمان لم يكونا فقط من بنات أفكاره، بل جاءا منسجمين مع مطالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما منه خلال زيارته للرياض في أواخر كانون الثاني الماضي للتعزية بعبدالله. وقتها طرح أوباما على سلمان ثلاثة مطالب .
-الأول تصدّرته إيران التي رأى الرئيس الأمريكي أنها أمر واقع يجب التعامل معه، مبلغاً المضيف السعودي أنه عازم على المضي الى اتفاق معها. اتفاق أكد أنه “لن يؤثر في علاقات أمريكا بالسعودية”، كما أنه لن يوقّعه في حال كان هناك أي بند من بنوده لا توافق عليه دول الخليج التي تعهد بالحفاظ على مصالحها. وكان لافتاً في حديث أوباما لسلمان إشارته الى أنه نبّه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من المزايدة على بنيامين نتنياهو في رفض الاتفاق، مشدداً على أنه هو (أي الرئيس الأمريكي) من يضمن أمن الكيان الإسرائيلي وليس نتنياهو المستعد لتدمير الكيان العبري من أجل مصالحه السياسية الخاصة. كذلك كانت لافتة زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي للسعودية قبلها بأيام، ناقلاً رسالة مشابهة بدت وكأنها تمهيد أجواء لزيارة أوباما .
– الثاني تتعلق بالضغط على السعودية لعدم وضع الإسلام السياسي في سلّة واحدة. رأى أوباما أن محاربة الاسلام المعتدل، ممثّلاً على وجه الخصوص بجماعة الإخوان المسلمين، يجب أن تتوقف فوراً. رأى أوباما أن إقصاء هؤلاء وتهميشهم سيدفع بهم الى التطرف .
– الثالث كان مصرياً بامتياز، إذ حثّ أوباما سلمان على ربط دعمه للسيسي ونظامه بإجراء حوار مصري – مصري يؤدي بداية إلى وقف الملاحقات والمطاردات بحق الإخوان تمهيداً لمصالحة تؤدي إلى إخراجهم من السجون وعودتهم الى الحلبة السياسية .
يبدو أن القاهرة لم تستسغ الزيارة، فأوفدت وزير الخارجية سامح شكري ومدير الاستخبارات اللواء خالد فوزي إلى الرياض في زيارة سرّية لاستطلاع الوضع .كانت الإجابة السعودية على تساؤلاتهما مواربة. أكد مستقبلاهما، وزير الدفاع محمد بن سلمان وولي العهد مقرن، أن موقف الرياض كما هو لم يتغير من الدعم المصري .
لكن الواقع كان غير ذلك. ضغط سلمان على السيسي تحقيقاً لمطالب أوباما، سواء لناحية الإخوان المسلمين مباشرة، أو لتحقيق مصالحة مع داعميهم، أمير قطر تميم بن حمد ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان. كانت محاولات السيسي التملص واضحة، وقد ظهرت جلياً في أحكام الإعدام التي توالت على قادة الجماعة، بل تم تنفيذ أحدها .
وهكذا يربط الكاتب اللبناني ايلي شلهوب هذه المعلومات التي أتى على ذكرها ليقول كيف تدير السعودية وحلفائها المؤامرة على الشعب اليمني وثورته وكيف يريد هؤلاء الإمساك بمصير الشعب اليمني ويشنون الحرب عليه لمنعه من تحقيق اهدافه الوطنية .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق