كيف تسعي أمريكا والسعودية، جعل أفغانستان سوقاً جديدة للإرهاب؟
إن انتشار الإرهاب في المنطقة ليس صدفةً. كما أن الأحداث التي حلت في الآونة الأخيرة، أشارت الى الأطراف المسؤولة عن هذا الموضوع. فأمريكا ومن خلال سياستها، والتي تعتبر السعودية عمودها الفقري في المنطقة، قامت بصنع الإرهاب لتغذية الخلافات السياسية، وهذا ما يشار إليه بالفوضى الخلاقة. وبعدها تأتي واشنطن، لتقدم نفسها على أنها حلالة المشاكل وعرابة السياسات الوقائية. لكن تسارع الأحداث في المنطقة لا سيما سوريا والعراق، وسقوط رهانات الدول الخليجية التابعة لأمريكا، جعل الأمور تتكشف. فالأزمة اليمنية اليوم والتي تمثلت بالعدوان السعودي الخليجي على اليمن، أظهرت حجم الابتزاز السياسي الذي تستخدمه أمريكا والسعودية بحق العديد من الدول. ويأخذ هذا الابتزاز في بعض الدول شكلاً سياسياً، ليأخذ شكلاً اقتصادياً وأمنياً في أماكن أخرى. وهنا يأتي الحديث عن التفجيرات الإرهابية في أفغانستان، والتي تبنى تنظيم داعش الإرهابي، مسؤوليته عنها. ولأن هذا الحدث يعتبر بحسب المراقبين تطوراً خطيراً على الساحة الأفغانية، يجري الحديث اليوم عن التوقيت والمنفذ. فماذا في التفجير الإرهابي؟ وكيف يمكن تفسيره وقراءته؟
أولاً: التفجير الإرهابي
قتل أكثر من ثلاثين شخصاً وجرح أكثر من مئة آخرين في هجوم انتحاري وقع أمام مصرف في مدينة جلال آباد الواقعة شرق أفغانستان يوم السبت الفائت. وفي الوقت الذي نفت فيه حركة طالبان مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري، قال الرئيس الأفغاني حينها، إن تنظيم داعش الإرهابي يقف وراء هذا الهجوم. وكان رئيس مستشفى ننغرهار قد صرح بأن ٣٣ شخصاً قتلوا وجرح مئة آخرون في الهجوم. وأعلن قائد الشرطة فاضل أحمد شيرزاد أن “مهاجماً يستقلّ دراجة نارية فجّر نفسه بينما كان عسكريون ومدنيون يصطفون للحصول على رواتبهم من المصرف”. ونفت حركة “طالبان” مسؤوليتها عن الهجوم على الرغم من أنها سبق وأعلنت مسؤوليتها عن أعمال قتل سابقة في موجة هجمات تزامنت مع انسحاب قوات أجنبية. وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد لوكالة “رويترز” إنه “عمل شرير وندينه بشدة “.
ثانياً: قراءة تفسيرية للحادث
يرتبط اسم أفغانستان في التاريخ الحديث بأمرين يتصلان بالإرهاب وبشكل مباشر. وهما حركة طالبان وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لكن ما نجهله عن هذا البلد هو في الحقيقة أهم بكثير مما جرى الترويج له في العقد الأخير من القرن الواحد والعشرين، أي منذ أحداث ١١ أيلول ٢٠٠١، والذي تتحمل مسؤوليته الإدارة الأمريكية تحديداً. فأفغانستان بلاد جميلة، من حيث طبيعتها، ومن حيث تنوّعها الثقافي والعرقي. صحيحٌ أنها ليست غنية بالنفط والموارد الطبيعية، لكن موقع أفغانستان الجغرافي المتميز، جعل البلاد في حالة حرب دائمة. فهي تقع على “طريق الحرير” وهو مصطلح يستخدم لوصف الطريق التي تصل أوروبا بالهند. على حدودها الجنوبية تقع باكستان، وتصلها بالصين حدود ضيقة تسمى “منقار البطة”، أما غرباً فتحدها إيران، وفي الشمال تحيط بها ثلاث دول من آسيا الوسطى هي طاجيكستان، أوزباكستان وتركمانستان. لكن السؤال الأهم، كيف دخلت أفغانستان اللعبة الكبرى؟ وكيف أرادت أمريكا إقصاءها؟
وبعدما ألقت الحرب الباردة أوزارها وانهار الاتحاد السوفياتي، تحوّل الحكم عام ١٩٩٤ في أفغانستان إلى طالبان. لكن وبعد أحداث ١١ أيلول، جرى احتلالها عام ٢٠٠٢ على يد أمريكا. فمع تغيّر اللاعبين، تغيّرت موازين القوى في العالم. تدخلت واشنطن في أفغانستان عسكرياً، وفرضت سيطرتها على البلاد. لم تقض على حركة طالبان نهائياً لأسبابٍ أصبحت معروفة، وأهمها أنها دائماً تستفيد من الواقع الموجود. لكنها فرضت على باكستان عدم دعم الحركة وهددت باحتلالها عسكرياً. بدأت أفغانستان تتحوّل إلى دولة ديموقراطية تدريجياً، وفي ٢٩ أيلول من هذا العام انتُخب أشرف غني رئيساً للبلاد بعد حميد قرضاي .
لكن المؤامرة الأمريكية والتي طالما كان للسعودية دورٌ كبير فيها، لم تنته. لذلك كانت أمريكا دائماً ومن خلال خلق النزاعات ونشر الإرهاب، تضغط على الدول وتحكمها. لكن يبدو أن ما تغير اليوم هو موازين القوى من جديد. فالصين أصبحت الدولة الأقوى اقتصادياً في العالم، وتعمل ضد المعسكر الأمريكي. كما أن روسيا أعادت لنفسها الاعتبار، وساعدها على ذلك وجود الطرف الإيراني المعادي لأمريكا والذي دخل اللعبة الدولية وبقوة. فإيران كانت دائماً تعمل لإرساء استقرار الداخل الأفغاني، وتعمل على تحسين الوضع الاقتصادي فيها. لكن أمريكا ما تزال تضع نصب عينيها السيطرة على أفغانستان ذات الموقع الإستراتيجي ساعية إلى خلق فضاء خاص لها فيها. ومن خلال ذلك يمكن لأمريكا الضغط على الجميع وبالتحديد تهديد أوراسيا .
إذاً أفغانستان البلاد الجميلة، لا تستحق الإرهاب. لكن يبدو أن الطرف الأمريكي المفلس وأدواته من الدول الخليجية، يبحثون عن سوقٍ جديدة لنشر الإرهاب. لكن ما يجهله الكثيرون هو أن أفغانستان ستكون أقوى من الجميع، وستثبت أنها ليست أرضاً للإرهاب الأمريكي الخليجي .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق