التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

ماذا تريد الولايات المتّحدة من اليابان… 

تقوم أمريكا في الوقت الحالي بإعادة انتشار شامل على الصّعيد العالمي، وذلك بلحاظات عديدة أبرزها واقع القوى العالميّة وبالنظر الى ثلاثي القوّة الطاغوتي القرآني “قارون وفرعون وهامان” أي القوّة الاقتصادية والقوة السياسية والقوة العسكرية .

يعتبر الأمريكيّون الآن أن الخطر المافوق استراتيجي والداهم ينبعث من الشرق وتحديدا من المارد الاقتصادي والعسكري الصيني ولذلك أصبحت أمريكا تحسب للصين ألف حساب خصوصا في يتعلّق بالخلافات الدولية ومجلس الأمن. اليابان جارة الصين والقوة الصناعية العالمية الهائلة تعيش اليوم صراعا داخليا بسبب الهيمنة الأمريكية السياسية والعسكرية الممتدة خصوصا وأن ضحايا القنابل النووية لا زالو شاهدين على الفرعنة الأمريكية الممتدّة في التاريخ، وبسبب الشعور بابتعاد اليابان عن الهويّة الآسيويّة وانسلاخها عن جغرافيّتها وتاريخها وحضارتها .

المشهد الياباني

في المشهد الميداني يبلغ عدد افراد الجيش الأمريكي الذين يعملون في اليابان حوالي ٥٠ ألف جندي أكثر من ٢٠ ألف منهم في أرخبيل أوكيناوا الذي يشكل القاعدة الأمريكية الأمثل لأنه يطل على المحيط الهادئ باتجاه تايوان، مما يجعله حصناً حيوياً للاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين المهتمين باحتواء الصين. لكنّ سكان أوكيناوا، الذين يبلغ عددهم نحو مليون ونصف مليون نسمة، دأبوا منذ زمن طويل علي معارضة التواجد العسكري الأمريكي في بلادهم، وطالب سكان أوكيناوا بالإزالة الكاملة للقواعد العسكريّة الأمريكية، التي تحتل ١٨ في المئة من أرضهم، واليوم هناك اتفاقية أمريكية يابانية منذ ٢٠ عاماً تقضي بنقل قاعدة عسكرية أمريكية داخل الأرخبيل ولكن المعارضة الشعبية لغاية الآن هي التي تمنع تنفيذ الاتفاقية. أما اسباب معارضة الوجود الأمريكي على الصعيد المحلي في أوكيناوا فهي كثيرة وفيما يلي نماذج منها من الواقع الذي يعيشه سكّان أوكيناوا :

–        حالات تحرّش بالنساء اليابانيات وصلت الى ٦٠٠٠ حالة اغتصاب كاملة، ليس أبرزها الحادثة المشهورة عندما تداور ٣ جنود أمريكيين على اغتصاب فتاة يابانية في الثانية عشرة من عمرها .

–        الطائرات المقاتلة تولد ضوضاء تصم الآذان وتطير إلى القواعد الأمريكية الموجودة في مناطق مزدحمة بالسكان، ناهيك عن الهلع الناشئ من جرائها بل وأحيانا سقوط الطائرة وتحطّمها في حوادث من هذا القبيل .

–        التدهور البيئي الناجم عن بناء قواعد عسكرية، فيؤكد على سبيل المثال السكان المحليون ونشطاء حماية البيئة، أن مهبط طائرات الهليكوبتر يهدد الشعاب المرجانية بالانقراض .

–        الفساد الاجتماعي الناشئ من التزاوج الأمريكي الياباني الذي عادة ما ينتهي بترك أسرة من دون أب أو معيل عند انتهاء خدمة الجندي الأمريكي في أوكيناوا .

–        الجرائم العاديّة الأخرى والفساد الأخلاقي للجنود الأمريكيين في أوكيناوا، والضعف في المتابعة القانونية نتيجة بعض الامتيازات القانونية التي يتمتّع بها الجنود الأمريكيون في اليابان .

عوامل السخط الياباني الشعبي على الغطرسة الأمريكية لا تتلخّص في قضية أوكيناوا بل تتعدّاها الى أمور اخرى :

–        الشعور بالمهانة نتيجة التبعيّة السياسية لأمريكا، ونتيجة السيطرة الامريكية على اليابان .

–        تنامي الشّعور القومي الياباني والذي يحاول إعادة اليابان الى بيئتها الثقافيّة والحضاريّة الطبيعيّة، خصوصا وأنه بالسّمات الحضارية فإن اليابان والصين هما حضارة واحدة وتاريخ وجغرافيا واحدة، وتريد أمريكا أن تصوّر الصين بأنّها عدوة لليابان . 

–        وجود تيّارات داخل اليابان تقول بضرورة عودة اليابان لليابانيين وإعادة صناعة القوّة والعزّة اليابانيّة والمشاركة الفعليّة في إدارة شؤون العالم .

–        الحنق التاريخي على أمريكا وخصوصا بسبب القنبلتين النوويتين التي لم تقدّم الاعتذار الكامل بعد بسببها، وما أفضت اليه الحرب العالميّة الثانية من حرمان اليابان من كثير من الامتيازات ليس أبرزها القوة العسكرية . 

أمريكا والصين

وتتواجد أمريكا في عدّة نقاط جيواستراتيجيّة عالميّة وجيوسياسيّة مهمّة ومن أهم هذه النقاط بالنسبة لأمريكا هي منطقة شرق الصّين، المكان الذي تتواجد فيه أمريكا بكثافة وسبق أن تدخّلت عسكريّا فيه أيضا، فحرب فييتنام حصلت على الحدود الصينية جنوبا، وتايوان جزيرة كبيرة توالي أمريكا وهي مقابل السواحل الصينية، وتقوم تايوان بمنافسة ثقافيّة واقتصاديّة وكذلك عسكريّة للصين، أيضا تتواجد أمريكا على حدود الصين الشمالية في كوريا الجنوبية وسبق أن تنازل الأمريكيّون والصّينيّون في حرب عالميّة منسيّة في الكوريّتين (الحرب الكوريّة) انتهت بتثبيت تقسيم الكوريّيتين. كل ذلك بهدف ضمان تحركات الصين والتجهّز للسيطرة عليها في تحسّب لحرب محتملة في المستقبل .

الاستراتيجيّة الأمريكيّة هي الغطرسة في أي زمان وأي مكان ممكنين، ولها أيد وأذرع بلبوسات مختلفة في بقاع الأرض، عاثت أمريكا فسادا في الشّرق الأوسط، في الوقت الذي يدور في الشّرق الأقصى فساد آخر في إطار المساعي والجهود التي تبذلها أمريكا لاستقرار هيمنتها هناك ومنع الصّين وشعبها الذي يمثل خمس سكّان الأرض من أن تضطلع بدور يليق بها وبحجمها، ولهذا تحتل اليابان بقواعد وحشد عسكري كبير بهدف ان تبقي التحركات الصينية تحت أنظارها وتحت سيطرتها .

أخيرا

لقد ضاق اليابانيّون ذرعا من الوجود الأمريكي في بلادهم والذي أرخى بظلاله سياسيّا وعسكريّا وحتّى اجتماعيّا واقتصاديّا، لذلك يقوم اليابانيّون بتحركات شعبية كبيرة للاعتراض على الوجود الأمريكي، فيما الموقف الرّسمي الياباني خجل من أمريكا ومتخجّل من نفسه ومخجل أمام شعب وحضارة وأمبراطوريّة يابانيّة تاريخيّة. كيف ستخرج اليابان من هذه الأزمة وهل ستعود الى صداقاتها الآسيويّة ام ستبقى رهينة أمريكا هذا السؤال جوابه قد يكون في مستقبل العلاقات/ النزاعات الأمريكيّة الصينيّة .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق