التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 29, 2024

المغامرة السعودية في اليمن: النتائج والتداعيات 

هدأت العاصفة السعودية على الشعب اليمني بعد ٢٧ يوم من حزم طائرات التحالف الدولي تجاه الأراضي اليمنية. هدوء العاصفة العسكرية ترافقت مع بداية عواصف إعلامية أطلقها مجلس الوزراء السعودي عندما اعتبر”أن الغارات الجوية لعاصفة الحزم في اليمن أزالت أي تهديد لأمن المملكة ودول الجوار” موضحاً أن الهجمات تمكنت من تدمير الأسلحة البالستية لأنصار الله والرئيس السابق علي عبدالله صالح، لا بل إن آخر الشعارات التي أطلقتها سلطات الرياض في الغارات هي إغاثة الشعب اليمني !

عندما تضع أي حرب أوزارها يبدأ الطرفان-في اليمن قوى التحالف وحدها من شنت الحرب وبالتالي لم يكن هناك طرف ثاني- بتقييم النتائج الأولية لهذه الحرب، وهل حقّقت أهدافها؟ وما هي تداعيات العملية العسكرية؟

إنه وبصرف النظر عن البعد القانوني الذي يترتب على العدوان الذي راح ضحيته آلاف الشهداء والجرحى وهل سترفع السلطات اليمنية دعوى قضائية ضد الرياض أمام المحكمة الجنائية الدولية، مع علمنا المسبق أن السعودية لن ترضح حتى لو إضطرت لزيارة اليابان-المساهم الأكبر في ميزانية المحكمة- بغية وقف الدعم المالي للمحكمة وبالتالي تعطيلها، كما سعى قبل فترة وجيزة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الدعوى التي رفعتها السلطات الفلسطينية إثر العدوان الأخير على غزة، سنحاول معاينة الترجمة العملية للشعارات التي أطلقتها السعودية، وما هي النتائج السياسية والإقتصادية والأمنية التي ستترتب عليها .

عند أول معاينة عملية لآخر شعارات عاصفة الحزم أي إغاثة الشعب اليمني يظهر الواقع مختلفا لا بل أقرب إلى النقيض، فكيف يدّعي إغاثة الشعب من شنّ حرباً ضروساً عليه طوال ٢٧ يوم مخلفاً آلاف الشهداء والجرحى بينهم مئات النساء والأطفال؟هل يعتبر ضرب الأراضي اليمنية ابتداء من المناطق السكنية مروراً بالمساجد والمستشفيات والماء والكهرباء انتهاءً بالمصانع والبنية التحتية والمواد الغذائية سبيلاً لإغاثة الشعب اليمني؟ لعلّها تقصد سلطات الرياض من هذا الشعار “المضحك المبكي” أن أفضل سبيل لإغاثة الشعب اليمني على فقره هوالقتل !

رغم كثرة النتائج السلبية للعدوان السعودي على اليمن إلاّ أنه لم يخلُ من “التجربة المفيدة”، فقد أيقنت سلطات الرياض وبالتجربة التي تعتبر خير برهان أن ما أسس على باطل فهو باطل، أي أن كافة العلاقات التي بنتها سابقاً على أساس الإحترام”غير المتبادل” وشراء الذمم مع بعض قيادات دول عربية وإقليمية لم تظهر في وقت العاصفة، فهل سيعود عقلاء المملكة إلى رشدهم لبناء علاقاتهم الدولية على أساس المصالح المشتركة والإحترام المتبادل؟

أيضاً، لعلّه من أهم التجارب التي كسبتها سلطات الرياض الجديدة أن السعودية في ذروة حربها التي ورطتها فيها أمريكا على اليمن، كانت تعتقد بان واشنطن ستقف الى جانبها بكل حزم، لكن كانت الطامة الكبرى أنه رغم سكوت أمريكا عن العدوان، هي تصريحات الرئيس الأمريكي اوباما للصحفي الأمريكي الشهير توماس فريدمان “نيويورك تايمز” بعد توقيع إتفاق الإطار مع ايران حينما قال موجهاً كلامه لدول الخليج الفارسي، وفي مقدمتها السعودية: “إنّ أمريكا ملتزمة بحماية حلفائها من أي اعتداء خارجي، ولكن عليهم إصلاح سياساتهم وأوضاعهم الداخلية أولاً”. اذاً على سلمان ومن معه أن يدركوا جيداً أن زمان “آحادية القطب” قد ولّى لذلك لا بد للسعودية أن تبني سياستها الخارجية من جديد وعلى أساس مصالح الشعب السعودية لا المصالح الأمريكية .

في المقابل وضعت السعودية نفسها موضع السوء في شنّها للحرب على الشعب اليمني وإرتكابها جريمة تخالف قواعد القانون الدولي وأحكام الشريعة الاسلامية التي ترفعها شعاراً لها، وباتت في نظر الكثيرين تتشابه مع الكيان الإسرائيلي من الناحية العدوانية، وحجّتهم “البالغة” هي عدد الشهداء والجرحى والمشاهد المروعّة والمجاز البشعة التي إرتكبتها آلة الحرب السعودية .

عندما تدّعي السعودية أن الهجمات تمكنت من تدمير الأسلحة البالستية لأنصار الله والرئيس السابق علي عبدالله صالح، فهل هي تريد تحقيق أي نصر إعلامي يحفط ماء وجهها الذي هُدر بسبب قرارات مراهقة من وزير دفاع شاب عديم الخبرة؟ ألم يكن حريٌّ بالجيش اليمني واللجان الشعبية أن تستخدم هذه الصورايخ أثناء العدوان لكفّ الأذى والدفاع عن النفس؟

إيمان وحكمة الشعب اليمني كما وصفهم الرسول الأكرم(ص)، وكما اذهلت العالم بأسره، وضعت النظام السعودي في موقف لا يحسد عليه، بل كشفت عورته عندما لم يحرّك ساكناً أثناء العاصفة، بل إكتفى بالصمود والتحذير من الخوض في أي حرب برية حقناً لدماء المسلمين .

خسرت السعودية رهانها عندما قرّرت القضاء على أنصار الله، ألم ترى أن العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزّة لم يزد حركات المقاومة إلاّ قوة وعزم؟ كذلك خسرالنظام السعودي رهانه الآخر على هادي الذي وقف ضدّ شعبه في أقوى عدوان عسكري خارجي، ولا ريب في أن سلطات الرياض فقدت العديد من حلفائها في الداخل اليمني التي كانت لجانبها قبل العدوان .

لم تكن الحسابات السعودية دقيقةً أبداً، بل كانت عبارةً عن رد فعل متسرع، للتعويض عن الفشل في الملفات العراقية والسورية والبحرانية، وبالتالي هذه الحرب ستفضي الى تراجع وإنكفاء سعودي لجهة الدور والنفوذ عربياً وإقليمياً، إنكفاء يضاف الى فشلها في الملفات الأخرى، ناهيك عن أن الفشل في “عاصفة الحزم” جاءت نتيجته عكسية وقضت على كل حظوظ محمد بن سلمان في العرش، فلم يعد باستطاعة الآلة الإعلامية للمملكة الترويج له كبطل وطني في أول حرب خارجية تقودها السعودية بصورة مباشرة .

إن أي نظام سينشأ في اليمن سيكون اكثر عداءاً وتطرفاً للسعودية التي محت من ذاكرة الشعب اليمني مقولة “الشقيقة الكبرى” عبر قتل وتدمير أطفال ونساء اليمن، وباتت مشكلتهم مع الجيل الحالي في الأرواح، بعد أن كانت مشكلتهم مع الجيل الأول تتمثل باحتلال الأرض (ثلاث مناطق يمنية:عسير-جيزان ونجران)، وما بين هذا وذاك بالتدخل الناعم عبر دعم القاعدة وإثارة النعرات الطائفية .

بانتظار ظهور الأسباب الحقيقة للتراجع الأولي للرياض في عدوانها على اليمن وإنتقال عمليتها العسكرية من “عاصفة الحزم” إلى “إعادة الأمل” وتأكيد المتحدث باسم عاصفة الحزم “أن العملية بدأت بناء على طلب الرئيس هادي” وما تحمل هذه العبارة من دلالات للتراجع، فهل سبب التراجع الأولي هو إدارك السعودية ان الضربات الجوية لن تكفي في حين أنها لن تستطيع الدخول في حرب برية باهظة التكلفة خاصةً بعد تركها وحيدةً في الميدان من قبل تركيا وباكستان ومصر، أم أنها إستبقت مشروع موسكو حول اليمن في مجلس الأمن الذي ينسجم مع المبادرة الإيرانية، بعد التحذير الذي وجّهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز من أن استمرار الحرب على اليمن ستكون له عواقب وخيمة على الرياض؟ بصرف النظر دعونا نقف وقفة رجل واحد بجانب الشعب اليمني المنتصر الذي يأبى العيش إلاّ عزيزاً والموت إلا كريما .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق