ما هي قضية رواتب موظفي غزة؟ ولماذا استعصت علي الحل؟
وقد غادر الوفد الوزاري لحكومة التوافق الفلسطيني قطاع غزة بشكل مفاجئ مساء الاثنين بعد إعلان فشل الزيارة التي بدأت الأحد، وفق ما أعلن مسؤول في الحكومة ومتحدث باسم حماس.
وقد حمل كل من الحكومة الفلسطينية وحماس الطرف الآخر مسؤولية فشل الحوار، وقال مسؤول في الحكومة لوكالة فرانس برس: “بناء على تعليمات رئيس الحكومة رامي الحمدالله غادر الوفد الوزاري غزة بعد الفشل في تحقيق اي تقدم في كافة الملفات خصوصاً ملف موظفي حكومة حماس السابقة بعد ان كان تم التوافق امس لحل هذه المشكلة”.
واكد ان “استمرار الخلافات مع حركة حماس بشأن القضايا وعدم تمكين الوفد الوزاري من القيام بمهامه في غزة هو ما أدى الى إفشال الزيارة”.
من جهته قال سامي ابو زهري المتحدث باسم حماس لفرانس برس ان “حماس تعبر عن اسفها لان تكون زيارة الحكومة مرتبطة فقط بقضية المستنكفين” (موظفو القطاع العام في قطاع غزة التابعون للسلطة الفلسطينية) داعيا حكومة التوافق الى “تحمل مسؤولياتها تجاه جميع الموظفين (بما فيهم نحو اربعين الف موظف من حكومة حماس) دون تمييز وان تمارس دورها لإنهاء معاناة اهل غزة”.
وأشار ابو زهري الى ان وزراء الحكومة “أبلغونا ان مغادرتهم غزة جاءت بناء على تعليمات الحمد الله بعد فشل عملية تسجيل الموظفين المستنكفين وبانهم غير مخولين التوصل الى اي توافقات”.
ويعد ملف رواتب الموظفين أبرز العقبات التي تواجه حكومة التوافق التي تشكلت في ٢ يونيو الماضي بموجب تفاهمات بين حركتي فتح وحماس، لكنها لم تمارس مهامها في القطاع بعد متهمة حركة المقاومة الاسلامية حماس بتشكيل “حكومة ظل” تدير شؤون القطاع وهو ما تنفيه الحركة.
وتواجه الحكومة انتقادات مستمرة من حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تتهمها بالتقصير تجاه قطاع غزة وحل ملفاته خاصة فيما يتعلق بصرف رواتب موظفي حكومتها المقالة السابقة في قطاع غزة البالغ عددهم زهاء ٤٥ ألف موظف وموازنات تشغيلية للوزارات فيه.
ما قصة رواتب موظفي غزة؟
بعد أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة في صيف ٢٠٠٧، قامت الحركة بتعيين نحو ٤٥ ألف موظف في القطاعات المختلفة، فيما استنكف موظفو حكومة السلطة الفلسطينية، ويبلغ عددهم حوالي ٧٠ ألف، عن متابعة وظائفهم في القطاع بأمر من السلطة الفلسطينية، وأُطلق عليهم تسمية “المستنكفين”، وهؤلاء كانت السلطة الفلسطينية تدفع رواتبهم طوال فترة حكم حماس في غزة.
وبعد تشكيل حكومة الوفاق الفلسطيني في يونيو ٢٠١٤ تقرر تسجيل موظفي السلطة الفلسطينية في وزاراتهم والمؤسسات الحكومية في قطاع غزة تمهيداً لعودتهم الى العمل. كما تقرر تشكيل لجنة لدراسة أوضاع موظفي حكومة حماس السابقة، والبت في مصيرهم، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع ولم تنفذ أياً من مهامها.
وهنا بدأت قضية رواتب موظفي حكومة حماس السابقة تطفو إلى السطح، فلا صوت يعلو فوق صوت الراتب، فكيف يمكن لمن لا يملك قوت يومه أن ينتظر ما سيصل إليه المفاوضون، حيث أصر هؤلاء أن من حقهم استلام رواتبهم بحجة ان هناك الان حكومة واحدة لكل الفلسطينيين وهي مسؤولة عن كل موظفي الحكومة السابقة. فيما أكد نائب رئيس وزراء حكومة الوفاق الفلسطينية ووزير الاقتصاد، محمد مصطفى، أن من توظفوا في قطاع غزة بعد منتصف عام ٢٠٠٧ “ليسوا موظفين في الحكومة الفلسطينية الشرعية، ولهم وضع خاص”، وأنه يجري البحث لصرف سلف مالية لهؤلاء الموظفين الذين لم يتلقوا رواتبهم لشهور طويلة.
ونتيجة لهذا التأخير في دفع الرواتب، نظم موظفوا حكومة حماس السابقة عدة فعاليات احتجاجية في عدة مناسبات، وتطورت الأمور للحد الذي طالب فيه رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية رامي الحمد الله، بدعم دولي لحل هذه القضية العالقة.
وجاء الوضع الاقتصادي الصعب التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية لتفاقم من المسألة العالقة، حيث أشار الحمد الله إلى أن حكومته تعاني من واقع مالي صعب نتيجة استمرار الكيان الاسرائيلي باحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية. حيث تنص اتفاقيات أوسلو ١٩٩٣ بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، أن يقوم الكيان بجمع ضرائب الفلسطينيين وتحويلها بعد ذلك إلى وزارة المالية الفلسطينية والتي تقدّر بأكثر من مليار دولار سنويا.
وكان الكيان الإسرائيلي قد أوقف تحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية منذ مطلع العام الجاري رداً على توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وثائق الانضمام إلى ٢٠ منظمة دولية أبرزها محكمة الجنايات الدولية.
وعقب حجز الكيان الإسرائيلي أموال عائدات الضرائب استدانت الحكومة الفلسطينية رواتب موظفيها من البنوك ولم تستطع صرف سوى ٦٠ بالمائة منها لكل موظف عن كل شهر منذ بداية العام الجاري.
أفق الحل لقضية رواتب موظفي غزة
من المؤكد أن الانقسام الفلسطيني لا يرتكز حول مشكلة عدم صرف رواتب موظفي غزة، وذلك لأن عشرة أشهر على توقيع اتفاقية المصالحة في مخيم الشاطئ، كانت كفيلة بأن تحل هذه المعضلة، فيما لو صدقت النوايا، لكن المشكلة الأساسية هي عدم وجود الإرادة الحقيقية لدى بعض القوى الفلسطينية لإنهاء حالة الانقسام والوقوف على الأسباب الأساسية لهذا الانقسام، ألا وهو الاحتلال، والأيادي الخفية والمعلنة للكيان الاسرائيلي الغاصب.
فالكيان الاسرائيلي هو المستفيد الأكبر من حالة الانقسام الفلسطيني، وهو صاحب أكبر مصلحة في استمرار هذه الحالة، ولا ينبغي أن تستخدم لقمة العيش كأداة للضغط في الصراعات السياسية، فكل الشعب الفلسطيني يستحق الحياة الكريمة، بما لا يشغله عن الهدف الأصل في تحرير أرضه ومقدساته من الاحتلال الاسرائيلي الغاشم. كما ينبغي وضع حد لحالة الترديد الذي يعتري بعض القوى الفلسطينية والتي تحول دون انتزاع القرار السياسي.
فلابد من التعالي على الجراح، ووضع حد للأثمان الباهظة التي دفعها ومازال يدفعها الشعب الفلسطيني نتيجة حالة الانقسام التي يعيشها، وهي حالة أدت إلي استنزاف جهوده، وتراجع الاهتمام العربي والاسلامي والدولي بقضيته.