أمریکا تنفق مئات الملایین من الدولارات علی الإعلام
هل سمعتم من قبل باصطلاح الإمبريالية الثقافية؟ علامَ يدلل هذا الاصطلاح؟ وما علاقته بالإعلام؟ لماذا تحاول أمريكا دائماً السيطرة على وسائل الإعلام؟ وما هو حجم الميزانية التي خصصتها أمريكا من أجل التحكم بالرأي العام العالمي في العام ٢٠١٦م؟ هي أسئلة سنقدم لها أجوبة شافية في مقالنا هذا .
يعتقد البروفسور هربرت شيلر الأستاذ في جامعة كاليفورنيا وأحد أهم المنظرين للإمبريالية الثقافية أن العلم الوحيد الذي يعد أمريكياً ويعود أصله إلى أمريكا هو علم الاتصالات والإعلام. دائماً ما كان الإعلام محصوراً في أمريكا وهذا ليس وليد الصدفة، إنما يعود لإدراك أمريكا أهمية الإعلام ومكانته الأمر الذي دفعها إلى تصنيف الإعلام في مقدمة أصول الإمبريالية الخمس (الاقتصاد والسياسة والإعلام والثقافة والقدرة العسكرية ).
ويضيف شيلر في أحد كتاباته موضحاً معنى الإمبريالية الثقافية: “كلمة الإمبريالية الثقافية تدل على النفوذ الاجتماعي والذي من خلاله يقوم بلد ما بتحميل تصوراته، قيمه، معلوماته، قواعده السلوكية وأسلوبه في الحياة على بلدان أخرى. وتعد وسائل الاتصالات والإعلام أهم الوسائل للقيام بهذا العمل ولذلك يجب أن تبقى وسائل الاتصال في يد القوى الباحثة عن التسلط والسيطرة “.
ولهذا السبب نرى سعي أمريكا لخلق امبراطورية إعلامية ضخمة يمكنها من خلالها توجيه آراء العامة على مستوى العالم، وبذلك تتمكن من السيطرة على عقول الناس مما يجنبها ويلات الحروب فيما إذا أرادت بسط هذه السيطرة من خلال الحديد والنار .
وهنا تطالعنا وثيقة صادرة عن مجلس الإعلام الأمريكي لعام ٢٠١٤م تتحدث عن برنامج دقيق ومفصل يهدف للتأثير على المخاطبين في الدول المنافسة وعلى الأفكار العمومية فيها، ولهذا الهدف تم اقتراح موازنة خاصة من أجل إنتاج المحتوى الإعلامي في هذه الدول .
وعلى سبيل المثال في عام ٢٠١٦م تم اقتراح ميزانية تفوق ١٥.٤ مليون دولار أمريكي من أجل تطوير البرامج المنتجة باللغة الروسية في التلفاز أو في شبكات التواصل الاجتماعي، والأمر اللافت للانتباه أن هذه الميزانية تفوق بكثير الميزانية المخصصة لمواجهة التنظيمات الإرهابية كداعش وبوكوحرام والبالغة ٦.١ مليون دولار .
والأمر الآخر الذي يبعث على التأمل في هذا التقرير أنه على خلاف التصور السائد حول تمتع شبكات التواصل الاجتماعي بحرية التعبير، تم اقتراح ميزانية مخصصة لإدراة المحتويات الإعلامية في هذه الشبكات الاجتماعية، الأمر الذي يدلل على الإدارة والتنظيم الكامنين وراء كواليس هذه الشبكات الافتراضية .
إدارة وسائل الإعلام الأمريكية اقترحت في تقرير لها ميزانية الإعلام لعام ٢٠١٦م. هذا التقرير الذي قام بإعداده اثنان من مذيعي الإذاعة الأمريكية الرسمية وتم خلاله الاستعانة بآراء ٣٠ متخصص في الدبلوماسية والسياسة الخارجية، اقترح ميزانية فاقت ٧٥١.١ مليون دولار من أجل تحقيق الأهداف المنشودة التالية :
١- زيادة قدرة التأثير في العالم .
٢- التحرك النشط والسلس باتجاه التلفزيون ووسائل الإعلام الرقمية .
٣- دعم ومساندة المخاطبين ذوي الأولوية الأكبر .
وکما نلاحظ أن هذه الأهداف تركِّز على ثلاثة مجالات هي التأثير ووكالات الإعلام والمخاطبين، وتم التأكيد ضمنها على البعد العالمي للتأثير ووسائل الإعلام الرقمية، كما قامت بتقسيم المخاطبين المختلفين إلى عدة أقسام. وفي هذا التقرير تم الاهتمام ببعض الدول مثل إيران وروسيا أكثر من بقية دول العالم وتم في هذا التقرير أیضاً اقتراح ميزانية خاصة لمواجهة هذه الدول .
برنامج إدراة وسائل الإعلام الأمريكية فيما يتعلق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في عام ٢٠١٦م :
في هذا التقرير تم الاهتمام بإيران بشكل خاص وتم تخصيص برامج خاصة لمواجهتها يمكن تلخيص هذه البرامج بالتالي :
– توفير معلومات كاملة ولحظة بلحظة عن المفاوضات النووية الجارية حالياً وإعداد هذه المعلومات من أجل تقديمها للمخاطبين العاديين ويقصد بهم عموم الشعب الإيراني .
– الترکيز على تطوير بنى تحتية قوية وآمنة من أجل الحصول على المعلومات من داخل بعض الدول أمثال إيران، كوبا والصين و… والعمل على منع انكشاف هذه البنى التحتية من قبل حكومات هذه الدول .
– العمل على توفير إطار قوي ومتناسق يهدف إلى تنسيق المعلومات والمواد الإعلامية المنتجة من قبل مختلف الأقسام وبمختلف اللغات وذلك بهدف تحقيق الانسجام والفاعلية الأكبر .
– اقتراح تخصيص ٢.٨ مليون دولار على الأقل من أجل تطوير وتحديث أدوات نقل المعلومات إلى الدول المستهدفة كإيران .
– الترکيز على بعض المواضيع مثل دعم الديمقراطية ومحاربة التطرف في بعض البلدان مثل إيران والصومال وميانمار وكوريا الشمالية .
– مواجهة التشويش وحجب الإنترنت في البلدان المستهدفة كإيران بهدف استقبال ترددات القنوات الأمريكية بأفضل طريقة ممكنة. ولتحقيق هذا الأمر يجب العمل على ممارسة الضغط على الحكومة الإيرانية ومنع بث القنوات الإيرانية الدولية كقناة PressTV الناطقة بالانكليزية على كثير من الأقمار الصناعية في العالم .
في الوقت الذي تدعي فيه أمريكا حرصها على حرية التعبير والديمقراطية نراها تحاول جاهدة منع أصوات المعارضين لها من الوصول إلى آذان العالم، وفي الوقت الذي توجه فيه أمريكا الانتقاد للدول المناوئة لها كإيران وروسيا وكوريا الشمالية فيما يتعلق بالديمقراطية وحرية التعبير نراها مستمرة في تشريع القوانين التي من شأنها ممارسة الضغوط على مخالفيها ومنعهم من إيصال أفكارهم وتوضيح وجهات نظرهم للرأي العام العالمي .
فأمريكا بتاريخها المليء بالحروب والدماء، وهي التي بنت حضارتها على دماء الهنود الحمر الأبرياء أصحاب الأرض الأصلية، ما تزال تطمح لوضع يدها على العالم كله ولتتوج نفسها سيدة على هذا العالم. ولتصل إلى هذا الهدف نراها لا تتورع عن ممارسة أي شيء مهما بلغت قذارته وفظاعته، وإنه لمن قمة الوقاحة أن نراها تتشدق بالحرية والديمقراطية وفي نفس الوقت تنتهك سيادة بلدان وتجوع أناساً وتشرد آخرين وتدعم قتل المظلومين وتشد على أيدي الطواغيت بينما تتوجه بالانتقاد واللوم لكل من خالفها رأياً أو هدفاً .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق