ترکیا و”الکیان الإسرائیلی“ .. توتر فی العلن وعلاقات قویة فی السر
کشف تقریر أعدته هیئة تنظیم سوق الطاقة في ترکیا وأوردت وکالة “جیهان ” الترکیة مقتطفات منه، أن “الکیان الإسرائيلي” یأتي في المرتبة الثانیة في قائمة أکثر المصدرين للدیزل إلى ترکیا.
ونقلا عن صحیفة ” تشرین” السوریة فإن هیئة الطاقة الترکیة قالت: إن واردات ترکیا من وقود الدیزل “الإسرائیلي” خلال العام الماضي الذي شهد العدوان على قطاع غزة، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة ٧١% وبلغت ٢.٢ ملیون طن، بینما کانت تسجل العام الذي سبقه ١.٢ ملیون طن، لافتة إلى أن الأمر المثیر للدهشة هو أن “الکیان الإسرائيلي” جاء الثاني في القائمة على الرغم من التوتر الظاهري للعلاقة بین الجانبین، ولکون الکیان لا یعدّ منتجاً للبترول من الدرجة الأولى.
وبحسب المعلومات الواردة في التقریر، فإن واردات ترکیا من المواد البترولیة التي تضم ( البترول الخام ، والدیزل ، والبنزین ، والسولار ) بلغت خلال الفترة نفسها ٣٢ ملیوناً و٥٥٥ ألف طن.
والسؤال المطروح الآن: هل العلاقات بين تركيا و”الکیان الإسرائيلي“ متوترة فعلاً أم إنها تخضع للتوازنات والمنافع السياسية؟! للاجابة عن هذا التساؤل نقول:
على مدى عقود كانت تركيا أوثق حلفاء الکیان الإسرائيلي في المنطقة، حيث استندت العلاقة بين الجانبين إلى ما سمي بمبدأ “حلف الأطراف”، الذي أرسى قواعده رئيس وزراء الکیان الإسرائيلي الاسبق ديفيد بن غوريون. وقد استغل الکیان الإسرائيلي التوتر في العلاقة بين تركيا وبعض دول المنطقة لاسيما سوريا وفي بعض الاحيان ايران ونجح في بناء علاقات مع تل أبيب ذات طابع إستراتيجي، عوّض الاخيرة عن العزلة الناجمة بشكل أساسي عن حالة الصراع الدائر مع المسلمين بسبب احتلاله الظالم لفلسطين. وهناك ما يدلل على أنه منذ البداية قبلت تركيا بالدونية في العلاقة مع الکیان الإسرائيلي وكانت “تل أبيب” تحديداً هي التي حظيت بنصيب الأسد من العوائد الإستراتيجية لهذه العلاقة.
وقد انطلقت النخب العلمانية التي توالت على حكم تركيا، سواءً العسكرية أو المدنية من افتراض مفاده أن تعزيز العلاقة مع الغرب وتحديداً مع أمريكا يستدعي ابتداءً توثيق العلاقة مع الکیان الإسرائيلي. وبسبب هذه العلاقة، تعاظم التعاون الاستخباري والأمني بين الجانبين، وظلت تركيا أكبر مستورد للمنتجات العسكرية الإسرائيلية؛ حيث بلغ متوسط حجم ما تستورده أنقرة من السلاح مليار دولار سنوياً، في حين تحولت أجواء تركيا ومياهها الإقليمية إلى ساحات تدريب لسلاحي الجو والبحرية الإسرائيلية ، ووصل الأمر إلى حد أن تركيا كانت على استعداد لبيع المياه للکیان الإسرائيلي. وحتى عندما وصل أردوغان للحكم، فإنه حرص على الحفاظ على العلاقة مع هذا الکیان وقام بزيارته، كما وقعت حكومته معه العديد من الصفقات في المجال الأمني والاقتصادي.
وقد أسهم البناء المشوه للعلاقة التركية الإسرائيلية في جعل سقف توقعات تل أبيب منها كبيراً جداً، وهذا تحديداً الذي يفسر الامتناع الإسرائيلي عن تقديم الاعتذار لأنقرة بعد مقتل نشطاء السلام الأتراك التسعة على ظهر السفينة “مرمرة ” والحساسية الكبيرة التي نظر بها الکیان الإسرائيلي للانتقادات التي يوجهها رئيس الوزراء التركي أردوغان للممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وببساطة يمكن القول إن الکیان الإسرائيلي یتوقع ألا تستند تركيا إلى أية منظومة قيمية في إدارة علاقتها معه.
ومن الناحية التاريخية بدأت العلاقات التركية – الإسرائيلية بصورة رسمية في شهر آذار/ مارس من العام ١٩٤٩ عندما اعترفت تركيا، كأول دولة ذات أكثرية سكانية إسلامية، بالكيان الإسرائيلي الغاصب. وتطوَّرت هذه العلاقات في مختلف الحقول العسكرية والإستراتيجية والدبلوماسية، وتوثقت عُرى التعاون السياسي بين الجانبين على أساس وجود هواجس مشتركة من جراء الأوضاع غير المستقرة في منطقة الشرق الأوسط.
واستمرت علاقات التعاون الإستراتيجي بينهما حتى أواخر العام ٢٠٠٨، حين بدأت تشهد بوادر أزمة ثقة بين الجانبين بسبب العدوان الذي شنَّه الکیان الإسرائيلي على قطاع غزة بالإضافة إلى أسباب أخرى لا يمكن ذكرها الآن. وتوطَّدت علاقات التعاون بين تركيا والکیان خلال العقدين الماضيين إلى أن بلغت مستوى التحالف السياسي والاستراتيجي والعسكري، وأثارت هذه العلاقات شكوكاً لدى معظم الدول الاقليمية.
وعلى الرغم من البرودة التي خيَّمت على العلاقات التركية – الإسرائيلية بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا، فقد وصف وزير خارجية الکیان الإسرائيلي العلاقات مع أنقرة في بداية العام ٢٠٠٦ بأنها “كاملة ومثالية”.
ولم تمنع التطورات اللاحقة التي تبدو في الظاهر بأنها تشكل نوعاً من التوتر بين الجانبين من الاتفاق على بيع الکیان الإسرائيلي القمر الصناعي الإسرائيلي ” أفق ” ونظام الدفاع الجوي ” أرو ” المضاد للصواريخ الى تركيا. وفي الحقيقة تعود بدايات التحالف السري بين أنقرة وتل أبيب إلى العام ١٩٥٨، أي إلى عهد حكومتي عدنان مندريس وديفيد بن غوريون الذي رغب بقوة في إقامة علاقات وثيقة مع تركيا من أجل كسر العزلة الإقليمية التي یشعر بها الکیان الإسرائيلي جراء احتلاله لفلسطين.
ويعتقد المراقبون أن أنقرة تنتهج سياسة مزدوجة مع تل أبيب؛ فهي ترغب من جانب بالظهور امام المسلمين بأنها تعادي الکیان الإسرائيلي، لكنها في الحقيقة ترغب بإبقاء علاقاتها معه قوية لتحقيق منافع مشتركة في كافة المجالات ولو كانت على حساب القضايا المصيرية للأمة الاسلامية وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني المظلوم وكيفية استعادة حقوقه المغتصبة في الارض والوطن.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق