الأردن الرسمی وأزمة الوجود: قیادة رسمیة ذات تاریخٍ متین مع الکیان الإسرائیلی، فی ظل رفض شعبی
إن العلاقات الموجودة بين الأردن والكيان الإسرائيلي، تعتبر تاريخيةً بامتياز. ولا شك أن العارفين بخفايا السياسة الدولية، يدركون حجم العلاقة والتي تمتد الى عهد الملك الأردني حسين، بل الى ما قبل ذلك. وتأخذ هذه العلاقات مناحٍ عديدة لا سيما السياسية والاقتصادية، الى جانب التعاون الإستخباراتي المشترك والقديم العهد. ولعل ما يميز الأردن كبلدٍ عربي، هو حجم الاختلاف بين نظامه الحاكم والطبقة الشعبية من حيث النظر للعلاقة مع الكيان الإسرائیلي. ففي الوقت الذي تبني فيه الأسرة المالكة علاقات قوية وعلى كافة الأصعدة مع تل أبيب، يعارض الشعب الأردني ذلك. ومن هنا، كيف يمكن وصف تاريخ العلاقة الإسرائيلية الأردنية؟ وكيف يرفض الشعب الأردني هذه العلاقة؟
أولاً: العلاقة التاريخية بين الطرفين وعلى الصعيد الرسمي
كشفت صحيفة معاريف في شهر شباط ٢٠١٤ عن علاقات سرية مباشرة كانت تربط الملك الأردني الراحل الملك حسين بجهاز الموساد الإسرائيلي، مؤكدةً استمرار العلاقات بين الطرفين رغم الفشل في تحقيق سلام حقيقي بينهما. وقالت الصحيفة إن علاقات سرية جمعت بين الكيان الإسرائيلي والأردن قبل قيام الدولة بثلاثة عقود. وأشار الكاتب في الصحيفة يوسي ميلمان والمعروف بأنه أحد أهم الصحفيين ومحللي الأمن القومي الإسرائيلي، أن جوهر هذا التحالف السري كان في الحقيقة “تعاونا أمنياً ومعلوماتياً متواصلاً”، مضيفاً أنه “في عدة مناسبات تم تبادل المعلومات والنشاطات ضد من هم أعداء مشتركون لا سيما المنظمات الإرهابية الفلسطينية وحزب الله” على حد تعبيره. كما ولفت الى أن “الملك حسين ورئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير اتفقا بعد إعلان إقامة إسرائيل في لقاء جمعهما في عمان على وجود مصلحة مشتركة واحدة هي: منع إقامة دولة عربية أخرى (فلسطينية) بين الدولتين”. ثم تحدث الكاتب عن كثير من الاتصالات واللقاءات السياسية قبل توقيع اتفاق السلام قبل عشرين عاماً، مؤكدا أنه منذ ١٩٦٧ يعتبر الموساد، المسؤول الوحيد عن العلاقات بين الدولتين. ويخلص ميلمان إلى أنه وبعد تحطم الحلم بسلام حقيقي ومثمر تبقى العلاقات السرية بين أجهزة الأمن والاستخبارات لكلتا الدولتين والتي كانت موجودة أصلاً.
على الصعيد الاقتصادي، عكست إتفاقية الغاز المبرمة بين الكيان الإسرائیلي والأردن العام الماضي مدى حجم التنسيق التجاري والتعاون الوثيق بين البلدين، وعمق العلاقات الإستراتيجية في الجوانب الاقتصادية والسياسية. فمن جانبه، رأى الصحفي المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شطيرن أن صفقة الغاز تنسجم مع إستراتيجية تعزيز التعاون الإسرائيلي الأردني من خلال مشاريع زراعية في غور الأردن والاستيراد والتصدير والشحن عبر ميناء حيفا. وقال الصحفي في حديث للجزيرة نت بتاريخ ١١/٩/٢٠١٤ “إن الأردن تحول إلى حلقة وصل بين الشرق والغرب، الأمر الذي حفّز تل أبيب على تطوير البنى التحتية وشبكة المواصلات المؤدية إلى الحدود معه، كرافعة لتعزيز التجارة والاستثمار”.
ثانياً: الرفض الشعبي لسياسة النظام الحاكم:
من يراقب الصحف المحلية الأردنية، أو يراقب نشرة أخبار التلفزيون الرسمي، يدرك أن طريقة تقديم الأخبار تنطوي على حذر شديد من ردة الفعل الشعبية الرافضة لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. لذلك ثمة تغييب شبه تام لأغلب لقاءات التعاون الثنائي منذ نجاح حزب الليكود الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو وتراجع الكيان الإسرائيلي عن تعهداتها بمقتضى اتفاقات السلام مع الفلسطينيين.
لذلك تستمر سياسة التعتيم الرسمي يوماً بعد يوم في الوقت الذي يجري التعاون الثنائي تحت أقدام الجميع دون توقف. فمعظم المؤتمرات التي تعقد في منطقة البحر الميت أو في العاصمة عمان أو العقبة تشارك تل أبيب فيها تحت اسم أمريكا أو بريطانيا أو كندا أو غيرها من الدول الأجنبية. كما أن الاجتماعات التنسيقية تعقد باستمرار لمناقشة مواضيع مشتركة سواء مكافحة الحرائق في غور الأردن أو مكافحة آفة من الأمراض التي ضربت محصول البندورة أو غيرها من الاجتماعات الأمنية التي لا يعلن عنها عادةً. كذلك الحال في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، فالتعاون جار على قدم وساق منذ أسس الجانبان لجنة عليا لتطوير العلاقات بين مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر ومدينة إيلات الإسرائيلية المجاورة. وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف يتمثل الرفض الشعبي؟
لعل الحكومة الأردنية تمارس اللجوء إلى أسلوب الحذر الشديد بسبب أجواء الواقعية السياسية، ولكي لا تثير حفيظة أغلب الأردنيين. فنصف الشعب هو من أصول فلسطينية اضطروا إلى الهجرة من بلادهم عقب حرب ١٩٤٨ وما زالوا يتمسكون بحق العودة والتعويض حسب نصوص قرارات الأمم المتحدة. كما أن هناك عدداً كبيراً من المعارضين على أسس أيديولوجية، لحق الكيان الإسرائيلي في البقاء، إضافة إلى سيطرة مشاعر العداء الشعبي تجاه الحكام الصهاينة بسبب ممارسات القمع، ومخاوف من أطماعهم التوسعية. والى جانب التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، يأتي ملف الأسرى الأردنيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية بسبب عمليات قاموا بها ضد الكيان الإسرائيلي، ليزيد الحقد الشعبي على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
ومن جهةٍ ثانية، تطالب أحزاب المعارضة الأردنية ولجنة مقاومة التطبيع بوقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائیلي، وإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان وإرجاع السفير الإسرائيلي وطاقم سفارته من الدبلوماسيين والإداريين. كما أن هذا الشعار حاضر في كل مظاهرة أو مناسبة أو تجمع سواء للأحزاب أو للنقابات المهنية. فخلال سنوات أدرجت أسماء تجار وقانونيين وصحافيين على لائحة سوداء تابعة للنقابات كعقاب وتشهير لكل من أعضائها الذين ثبت أنهم زاروا الکیان الإسرائیلي للنقاهة، أو أقاموا علاقات تجارية مشروعة ضمن اتفاقية السلام. لذلك فإن العلاقات بين البلدين على الصعيد الرسمي تأثرت من الناحية السياسية والاقتصادية بالموقف الشعبي الأردني الرافض. فيما بقيت العلاقات الأمنية على حالها. ولعل ما يبرهن التراجع في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، أن سفير الکیان في عمان دانييل نيفو، كان قد اشتكى من تراجع حجم صادرات بلاده للأردن وإحجام المستوردين الأردنيين عن شراء البضائع الإسرائيلية. كما أطلقت لجان مقاومة التطبيع النقابية الأردنية أكثر من مرة، حملةً لمقاطعة البضائع الإسرائيلية تحت شعار “نحو أردن خال من بضائع العدو الصهيوني” ويحصل ذلك عادةً في ذكرى النكبة الفلسطينية.
يستمر الموقف الرسمي الأردني في سياسته الخاصة للمحافظة على استمراريته في الحكم، متحدياً بذلك إرادة الشعب الأردني المناهض للإحتلال الإسرائيلي، وهو ما سيهدد في المستقبل وجود النظام الملكي الأردني. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل تدرك القيادة الأردنية أنها وبعلاقاتها هذه، رهنت مصيرها الوجودي بمصير الكيان الإسرائيلي الزائل؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق