التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

أمریکا للصّین “أنا ربّکم الأعلی” 

عندما قال فرعون “أنا ربّكم الأعلى” كان يقصد أنه ربّ يعبد من دون الله ويجب على الآخرين ان يقدّموا له فروض الطّاعة لا بل ان يعبدوه، وهذا الأمر ليس خفيّا على أحد. ولكن الأمر الذي قد يخفى على متتبّعي سياسات الاستكبار هو في معنى كلمة “الأعلى” أي انّ المستكبر يريد أن يكون الرّب الذي لا شريك معه، فلا يرضى ان يشارك احدا في الاستكبار ولو كان مستكبرا آخر، وهذا ما نفهمه أيضا من الآية ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض …﴾، وهذا هو عين الواقع الذي يدور في شرقيّ الأرض. فعندما تنبّهت أمریکا الى بداية سطوع قوّة أخرى وهي الصّين في أقصى الأرض (الشّرق الأقصى)، بدأت بالزّحف باتجاهها وجمع الجيوش حولها كي لا تسمح لها بمنافستها على حاكميّة العالم. فما هي الأحداث الدّائرة في شرقي الصّين؟ وكيف تسوق أمریکا البلاد الى معاداة الصّين؟ وما هي ارهاصات الأزمة الأمريكية الصينية؟

الصّين بالأرقام

الیوم الصين هو البلد الذي يبلغ عدد سكّانه ١.٣٣٨ مليار نسمة، وتمتد البلاد على مساحة ٩.٦ مليون كيلومتر مربع، ويعد الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بالاضافة الى امتلاك اقدم الحضارات الانسانيّة. هذه الدّولة لديها قدرات استراتيجيّة منها أن الصّين دولة فضائيّة، فهي أرسلت المركبات الفضائيّة وقامت برحلة فضائيّة مأهولة ممّا يجعلها في صفّ متقدّم في تكنولوجيا الفضاء. كما الصّين دولة نووية بامتياز فهي تمتلك ترسانة نوويّة كبيرة، كما عمل الصينيون على تعاظم قدراتهم العسكريّة ليصبح الجيش الصّيني الجيش الأقوى بعد أمریکا وروسيا في العالم مع جيش يبلغ أكثر من مليوني جنديّ وميزانية أمنية عالية بقيمة ١٢٩,٢٧٢,٠٠٠,٠٠٠ دولار. وعلى المستوى السياسي الصّين احدى الدّول دائمة العضويّة في مجلس الأمن ولديها حق النقض الفيتو في قراراته .

الاقتصاد الصّيني

الصّين بهذه الامكانات والقدرات تريد ان تخرج من مجالها الجغرافي لتمارس دورا بحجم قدراتها في العالم وعلى فرض أقل تريد أن تضمن مجالها الجغرافي وتحميه وتمارس دورا في محيطها الاقليمي. لذلك فهي تمكنت اقتصاديّا من التغلب على أمریکا تجاريا خلال عام ٢٠١٢ لاول مرة في تاريخها، وقد تم احتساب مجمل التبادل التجاري من خلال جمع الصادرات والواردات عدا قطاع الخدمات في أمریکا ٣.٨٢ تريليون دولار، في حين بلغ هذا المؤشر في الصين ٣.٨٧ ترليون دولار في الفترة ذاتها. ويرجح خبراء ان يتقدم الاقتصاد الصيني على منافسه الامريكي بحلول عام ٢٠١٧ متخطيا حاجز ٢٠ ترليون دولار. وقامت بإنشاء بنك الاستثمار الآسيوي (AIIB) برأس مال يبلغ ١٠٠ مليار دولار تقدم الصين نصفها بمفردها، على أن يكون البنك مسؤولًا عن تطوير البنى التحتية في دول آسيا كلها، وفي امريكا اللاتينيّة (الفناء الخلفي لأمریکا) وقررت إطلاق بنك تنمية موازٍ عالمي، برأس مال ٥٠ مليار دولار تقسم بين دول البريكس الخمس بالتساوي، ثم ترتفع لتكون ١٠٠ مليار دولار فيما بعد. وفي النفط شبّكت الصّين (ثاني اكبر مستهلك للطّاقة عالميّا) مع افريقيا تاركة دول الخليج لأمریکا. والصّين بمثل هذه الأعمال تسحب البساط الاقتصادي من تحت أمریکا وتخلق مجالها اقتصاديّا رحبا وتعمل فيه بصمت .

حراك صيني اقليمي

اقليميا، بكين تبسط نفوذها في بحر الصين الجنوبي، وتشیر تقارير الى مدى انتشار الإنشاءات الصينية على الجزر الاصطناعية في جزر سبراتلي، وتعزز هذه القلق بشأن الطموحات الإقليمية لبكين في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. في حين أن هذه القواعد تسمح لقواتها البحرية والجوية ولخفر السواحل ولقوارب الصيد من توسيع مداها إلى حد كبير. وفي هذا الصدد قال مسؤول غربي: “وحدها البحرية الصينية أقوى من جميع منافسيها مجتمعين لأن هذه القواعد الجديدة ستعطي لبكين ميزة استراتيجية حاسمة فكأن الجيش الشعبي الصيني أصبحت لديه حاملة طائرات في المنطقة “.

وکانت أصدرت الصين في نوفمبر من عام ٢٠١٣ إعلاناً حول “قواعد تمييز هوية الطائرات بمنطقة بحر الصين الشرقي لأغراض الدفاع الجوي” يفرض على الطائرات التى تعبر المنطقة أن تعلن لوزارة الخارجية الصينية عن هويتها وتفاصيل الرحلة التي تقوم بها. ولأن العقدة لا يمكن أن تكون التّحركات الاقتصاديّة فهي حجّة واهية في المحافل الدولية وامام الشّعوب ومع أن الأمر متعارف عليه كممارسة في السياسة الدولية، إلا أن بعض الدول ذات المصالح في المنطقة مثل اليابان وأمریکا وكوريا الجنوبية قابلت الإعلان الصّيني بالكثير من الامتعاض باعتباره تغولاً لا ضرورة له على المياه الإقليمية لعدد من دول الجوار .

التحرك الأمريكي في وجه الصّين

هذه التحركات الصينية وغيرها تقوم أمریکا في مقابلها بحشد الجيوش واستعراضها أمام الصّين تمهيدا لتضييق الخناق علیها. فعدد الجنود الأمريكيین في اليابان وكوريا الجنوبيّة فقط ٨٠ ألف جندي أي جيش مستقل بذاته، وفي الوقت الذي توجد خصومة صينية فيليبينية، تقوم في هذه الأيّام بمناورات عسكريّة مع الجيش الفيليبيني بحوالي ١٢٠٠٠ جندي إضافة الى السّفن والطائرات. المناورات التي بحسب البيانات الأمریکیة ستكون احدى مئات المناورات المشابهة، وذلك مع عدّة دول (اليابان/ كوريا الجنوبيّة/الفيليبين/ وحتّى سنغافورة…). الدول التي تشبّك معها أمریکا علاقات اقتصاديّة وأمنيّة وعسكريّة وذلك بهدف عزل الصّين عن محيطها وتضييق مجالها الاقتصادي والعسكري، ويقول محللون ان أمریکا بصدد إنشاء حلف ناتو جديد في شرق آسيا لحماية مصالحها هناك .

ماذا يريد الأمريكيّون؟

الخبراء الجيوستراتيجيون الأمریكيون ينظِّرون لأهمية الاحتفاظ بالوضع الفريد الذى خرجت به أمریکا من الحرب العالميّة الثانية باعتبارها القوة الأولى والوحيدة في العالم، ومنع أي قوة أخرى من منافستها في ذلك، وبخاصة الصين. ولعل أكثر من عبَّر عن وجهة النظر هذه هو زبيغنيو بريجنسكي حين نظّر في وضع الصين وقد اعتبرها من اللاعبين الجيوستراتيجيين الذين يملكون القدرة والإرادة الوطنية على ممارسة القوة والنفوذ في ما وراء حدود دولهم، من أجل تغيير الأوضاع الجيوبوليتيكية القائمة. ويرى هنري كيسنجر أن تحول موازين القوى في القرن الحادي والعشرين، في المجال الاقتصادي، وربما السياسي-العسكري، من الغرب إلى الشرق، يمهّد الطريق للحرب العالمية الثالثة، التي سيكون طرفاها روسيا والصين من جهة، وأمریکا من جهة أخرى .

أخيرا هل يعتبر تصريح هيلاري كلينتون المثير للجدل عندما قالت “مثلما كان القرن العشرون هو قرن المحيط الأطلسي، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن المحيط الهادي”، عنوان التحوّل الاستراتيجي في سياسات أمریکا في انحسارها عن الشّرق الأوسط وذهابها لمقارعة الصّين؟

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق