لماذا ینبغی علی السعودیة دفع تعویضات للیمن؟
مع انتقال العدوان السعودي على اليمن من “الدمع المرتعد” أو ما سمي بـ”عاصفة الحزم” إلى “إعادة الأمل”، كثر الحديث في الإعلام العربي عن موضوع التعويضات في اليمن أو بالأحرى إعادة الإعمار وهذا ما أكده وزير الخارجية اليمني في حكومة خالد بحاح المستقيلة رياض ياسين عندما كشف عن تلقي حكومة بلاده (المستقيلة) وعودا من دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية بشأن إعادة إعمار اليمن بعد انتهاء العدوان.
حديث ياسين، وكذلك إعلان الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي في خطابه أمام القمة العربية الأخيرة التي انعقدت في شرم الشيخ المصرية، أن بلاده بحاجة إلى مشروع “مارشال”- مخطط إعادة إعمار أوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية، والذي حمل اسم واضعه الجنرال جورج مارشال، رئيس هيئة أركان الجيش الأمریكي- عربي حقيقي، مؤكدا أنه “من دون ذلك لا يمكن استعادة بناء الدولة”، أمران في غاية الأهمية من حيث الشكل والمضمون. إعادة الإعمار فور انتهاء الحرب سيعزز الاستقرار في اليمن، والذي يعني بالضرورة استقرار دول الجوار والمنطقة، و”أمن اليمن من أمن الخليج”، على حد تعبير وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، ولكن لماذا يطرح هادي وياسين كلمة “إعادة إعمار” وليس “تعويضات”؟ ألا توحي مقولة الطرفين بأن دول مجلس التعاون بقيادة السعودية تريد أن تتحنن على اليمن بصفتها “الشقيقة الكبرى” من خلال إعادة الإعمار؟ من الذي دمّر مقدرات اليمن وقتل وجرح الالاف من أبناء شعبه المظلوم؟ ألا يلزم القانون الدولي دول التحالف بدفع تعويضات للشعب اليمني بسبب العدوان؟ وهنا يكمن بيت القصيد.
مبدأ التعويضات في القانون الدولي
أقر القانون الدولي مبدأ التعويضات كالتزام ناتج عن ارتكاب دولة ما عملاً غير مشروع إزاء دولة أخرى من أجل إصلاح كامل الضرر الذي سببه العمل غير المشروع.
ويشير تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة إلى اللجوء إلى التعويضات لمعالجة المسائل الناتجة عن الصراعات المسلحة أو الحوادث المقصودة أو غير المقصودة التي تؤدي إلى أضرار تصيب الدول أو الشخصيات الدولية، ومن ذلك اتفاقيات السلام المعقودة بعد الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨) التي ألزمت الدول المغلوبة بالتعويض عن جميع الخسائر والأضرار التي أصابت الدول المتحالفة ورعاياها أثناء الحرب. وبعد الحرب العالمية الثانية أشارت اتفاقيات السلام لسنة ١٩٤٧ واتفاقية بوتسدام إلى واجب دفع التعويضات، كما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارات عديدة لحل المنازعات التي عرضت عليها، تضمنت تحديد الالتزام المبدئي بتقديم التعويضات وتركت للأطراف المعنية مسألة الاتفاق حول حجم المبالغ وطريقة تنفيذ ذلك الالتزام.
كما أكد مجلس الأمن، في حالات النزاعات المعروضة عليه والتي انطوت على حق التعويض، على هذا المبدأ ومن ذلك حق غينيا في التعويض عن الأضرار الواسعة التي أصابتها نتيجة الغزو البرتغالي لها (١٩٧٠) ، كما أشار قرار مجلس الأمن ٣٨٧ (١٩٧٦) إلى ضرورة قيام جمهورية جنوب أفريقيا بالتعويض عن الأضرار التي أصابت أنغولا نتيجة عدوان الأولى عليها، وأكد قرار مجلس الأمن ٤٨٧(١٩٨١) على حق العراق في الحصول على تعويض مناسب عما لحق منشآته النووية المخصصة للأغراض السلمية من تدمير نتيجة العدوان الإسرائيلي عليها. فما هو واقع اليمن في هذا المضمار؟
العدوان السعودي وتدمير اليمن
السعودية التي بدأت عدوانها على الشعب اليمني من طرف واحد لم تبقِ ولا تذر، فقد ارتكبت السعودية خلال العدوان “جرائم حرب” ولربما جرائم ضد الإنسانية على غرار تلك التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في مواجهة الشعب الفلسطيني. السعودية التي انتهكت القانون الدولي باعتدائها على بلد آخر يترتب عليها (ليس تحنناً كما يروج هادي وغيره من الخليجيين أنفسهم) وفق القانون أن تدفع التعويضات لليمن خاصةً أن التكلفة البشرية لهذا العدوان تخطط عتبة الـ٣٠٠٠ شهيد والـ٤٠٠٠ جريح، فضلاً عن ملايين النازحين داخل المحافظات أو إلى محافظات أخرى.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تقدّر العديد من التقارير أن الخسائر الأولية الناجمة عن العدوان السعودي على مقدرات الشعب اليمني وبناه التحتية ومصالحه الاقتصادية بلغت ٢٠ مليار دولار.
وفي السياق نفسه توقع المركز اليمني للدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة يمنية غير حكومية)، في تقرير له حول خسائر الاقتصاد اليمني، توقع تجاوز عدد المواطنين الذين هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة لـ ١٢ مليونا، مشيرا إلى أن نسبة الفقر وصلت لـ ٦٠ في المئة، لمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.
ندرك جيداً أن الحديث حالياً عن تعويضات هو سابق لأوانه، في حين يرى البعض أن الحديث عن التعويضات أمر في غاية الصعوبة، لأنه لا يمكن “التعويل على القانون الدولي الذي تبلور عبر الامم المتحدة لأنه ينطلق من هيئة واحدة هي مجلس الامن الدولي المتميز بانعدام المساواة الفاضحة بين الدول”، وهذا الجمع يستشهد بأن أمريكا لم تدفع مليما واحدا مقابل الحرب التي شنتها في فيتنام بين ١٩٦٤ و١٩٧٥ كما رفضت تسديد التعويضات التي طالبتها محكمة العدل الدولية بدفعها عقابا على الحرب التي شنتها عبر تنظيم “الكونترا” ضد نيكاراغوا الساندينية مطلع الثمانينات. كذلك يتساءل آخرون: لماذا لا يحصل الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الإرهاب الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن على تعويضات.
اذاً، بصرف النظر عن نتائج الحرب، وعما اذا ستدفع السعودية التعويضات المستحقة للشعب اليمني، فإن القانون الدولي يلزم السعودية حالياً لارتكابها عملاً غير مشروع بدفع التعويضات، ولعل “الصبر الإستراتيجي” للشعب اليمني من خلال عدم الرد على العدوان، أغلق كافة الأبواب للرياض في الاعتراض على أي قرار للمحاكم الدولية يلزمها بإصلاح الضرر بصورة كافية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق