استخدام داعش للسلاح الکیمیائی فی الانبار؛ أسباب وأهداف
لا غرابة في حصول داعش وغيره من الجماعات الإرهابية في العراق على الكلور أو غيره من الأسلحة الكيماوية، بالضبط كما حصل على أنواع مختلفة من الأسلحة التي جاءته من الدول الداعمة له وللتنظیمات الإرهابیة الأخری. وتسهم بعض الانظمة العربية وللأسف الشديد في ذلك التمويل أكثر من غيرهم، كما مولوا حروب تدمير العراق من قبل وليبيا من بعد، فضلا عن مستودعات الأسلحة الكيميائية العراقية القديمة التي تنتشر على مساحات واسعة من البلاد والتي تشكل خطرا، خاصة بعد ان تركت أمریکا الامر سائبا. فهناك عشرات مستودعات الأسلحة التي تحتوي على كميات من مواد تستخدم في تصنيع الأسلحة الكيميائية إضافة إلى الاف الصواريخ المعدة للاستخدام الكيميائي، مما أتاح الفرصة وفي ظل الاوضاع الراهنة والمساعدة والتغطية الدولية الحاضنة، لداعش وغیره من التنظیمات الإرهابیة للحصول على هكذا سلاح. يضاف الى ذلك انخراط بعض المسؤولين البعثيين الذين لديهم المعرفة والخارطة لأماكن تواجد هذا السلاح داخل العراق وكيفية تصنيعه وان كان بشكل بدائي. وتتناقل الاخبار بين الحين والآخر استخدام داعش لهذا السلاح هنا وهناك، وتقابلها تصريحات نافية للخبر. فما مدى صحة ذلك؟؟ وان كان لذلك من صحة فما الاسباب الدافعة لاستخدام هكذا نوع من الاسلحة؟؟ وما هي الاهداف؟؟ ومن المستفيد؟؟ والى اين؟؟
الكلور مجدداً في الانبار
لم يعد خافيا على احد امتلاك المجموعات التكفيرية لمواد كيميائية خصوصا داعش، إذ ثمة شواهد عديدة تؤكد استخدام تنظيم داعش لهذه المواد خاصة مادة الكلور. والكلور مادة تسبب الاختناق، وهي محظورة بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام ١٩٩٧، والتي تمنع أي استخدام للمواد السامة في الحروب. وأبرز شواهد لاستخدام هذه التنظيمات لمادة الكلور كانت في هجوم على ضواحي العاصمة السورية في عام ٢٠١٣، مما أثار موجة استنكار حول العالم .
وفي سبتمبر ٢٠١٤، شهدت ناحية الضلوعية شمالي بغداد التابعة لمحافظة صلاح الدين اعتداءً من تنظيم داعش بغاز الكلور تسبب باختناق نحو ١٥ شخصاً نقلوا على إثره الى مستشفى بلد. وفي يناير ٢٠١٥، اتهمت حكومة إقليم كردستان العراقي تنظيم داعش باستخدام غاز الكلور كسلاح كيميائي ضد قوات البشمركة. وقد عملت قوات البشمركة آنذاك على أخذ عينات من التربة والملابس وأخضعتها للتحليل في “مختبر مجاز من قبل الاتحاد الأوروبي”، ليثبت استخدام تنظيم داعش للكلور المحرم دوليا. وفي مارس ٢٠١٥، قصف تنظيم داعش قضاء الدور في محافظة صلاح الدين شمال بغداد بقذائف محشوة بغاز الكلور .
ويعود الحديث مجددا وبين التأكيد والنفي من استخدام داعش لمادة الكلور الكيميائية في الانبار خلال المعارك التي تدور هذه الايام. وفي هذا الاطار تؤكد بعض المصادر أن إحدى المجموعات المسلحة المرتبطة بتنظيم داعش الإرهابي، والتي يتزعمها ابو بكر البغدادي، ومقرها في بلدة الحديثة في الانبار، قامت بشراء مواد كيميائية سامة، وتحديداً نترات اليورانيوم واسيد النتريك واسيد الفسفور، والكلور من داخل احد الاسواق في العراق .
ولفتت المصادر إلى أن هذه المواد موجودة وتباع في الاسواق العراقية، كما أنها تدخل في صناعة السلاح الكيماوي. وبحسب المصادر، فإن داعش قام باختبار هذه المواد وإجراء التجارب عليها من اجل استخدامها في الايام القادمة، كاشفة أنه حصل أيضاً على كميات كبيرة من مادة “السي فور” والتي تساعد في استخدام هذه المواد الكيميائية داخل سيارات مفخخة او عبوات ناسفة او قذائف هاون او صورايخ محلية الصنع. بعد أن نسّق تنظيم “داعش” مع علماء كانوا يعملون في منشآت التصنيع العسكري التابعة لنظام صدام حسين السابق خاصة وان اغلب هؤلاء يختصون في صناعة الاسلحة الكيميائية .
ووفقاً للمعلومات، فإن ما يخطط له تم الكشف عنه من خلال مكالمات هاتفية وخطط تنصب حاليا على شن هجمات متلاحقة على تجمعات سكانية، فيما تتطابق هذه المعلومات مع معطيات أخرى تؤكد أن داعش امتلك غازات سامة يمكن توجيهها عبر مدافع الهاون قصيرة المدى وعبر صواريخ متوسطة ايضا وكذلك يمكن ان توضع في السيارات المفخخة، وان عناصر من “القاعدة” دربت على استخدام هذه الاسلحة في منطقة قريبة من كابول العاصمة الافغانية .
ويبقى السؤال الأهم عن الاسباب والاهداف من تمكين هذه المجموعات لامتلاك مواد كيميائية، وما الاسباب والاهداف وراء استخدامها؟ وإلى أين ستتجه الامور؟؟
أسباب وأهداف
-١- أولا، لا يستبعد إطلاقاً ان يستخدم داعش السلاح الكيماوي ضد المدنيين والمقاتلين على السواء، فقد أثبت كل هؤلاء المتطرفين أنهم لا يعتدون بأي معايير أخلاقية أو انسانية. فبعد ما شهده العالم من ممارساتهم تجاه حتى المدنيين العزل الذين يختطفونهم ثم يذبحونهم، فلن يكون غريبا أن يزيلوا بشرا بالسلاح الكيماوي لأنهم يخالفونهم الرأي والمعتقد .
-٢- لقد أصبح من الواضحات ان العالم وببساطة لا يهمه كثيرا استخدام داعش أو النصرة أو حتى أنصار الشريعة أو انصار بيت المقدس في ليبيا ومصر السلاح الكيماوي، فكلهم عرب ومسلمون يقتلون عربا ومسلمين. حتى الأكراد، وإن اهتم بهم الغرب لغرض مرحلي، ما لم يكن هناك مصلحة تتحقق من وراء متابعة استخدام داعش للكيماوي ضدهم، فلن يكون حظهم أفضل كثيرا .
-٣- يراهن الغرب في ذلك على المستقبل لأجل الطلب بالتدخل العسكري الدولي اذا ما اقتضت الحاجة ووجدوا لذلك ضرورة. فداعش وغیره من التنظیمات الإرهابیة التکفیریة ما هم الا أداة للغرب ينفذون اهدافهم ومخططاتهم في المنطقة، واذا ما وجد الغرب ان هذه المجموعات أصبحت عاجزة عن تحقيق الهدف، تسارع الدول الغربیة وعلى رأسها امريكا للمطالبة بالتدخل تحت حجة الخطر الذي أصبحت تشكله هذه المجموعات التكفيرية كونها تمتلك السلاح الكيميائي والخطر الذي تهدد به امن المنطقة .
-٤- إرباك المجتمع الدولي وإفشال أو تأجيل اي حل سياسي قد يطرح .
-٥- یسعى داعش بين الحين والآخر لاستخدام هذا النوع من السلاح بهدف إظهار قوته وحجم تنظيمه، خاصة في الحالات التي يتعرض لها التنظيم لخسارة ميدانية وهو ما يحدث اليوم في الانبار. فداعش یعيش حالة من الإرباك والتشتت في محافظة الانبار في ظل اتحاد كافة القوى العراقية والعشائر في مواجهتها .
-٦- في ظل ما يشهده التنظيم من خسارات ميدانية، يلجأ الى استخدام المواد الكيميائية بهدف رفع معنويات عناصره .
-٧- يهدف التنظيم ايضا الى إشاعة الرعب بين السكان وخلق حالة نزوح جماعية ترافقها فوضى، تُفقد الدولة سيطرتها على الوضع وتصیبها بحالة من الارتباك، وهو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى اليه الجماعات التكفيرية لتتيح الفرصة امام هؤلاء لدخول مناطق عدة كانت بعيدة عن الاشتباكات والمعارك الدائرة او استعادة مناطق فقدت السيطرة عليها .
ويبقى الأهم من كل ذلك أنه والى جانب ما يشكله هذا التنظيم من خطرٍ على أمن هذه المنطقة، يجب الالتفات الى حقيقة الحجم الذي يمتلكه هذا التنظيم من السلاح الكيميائي. فتنظيم داعش الإرهابي ليس تنظيماً يمكن الرهان على قيادته أو على من يمون عليه .فالسعودية وخلفها أمريكا وكل الدول التي ساهمت في تنميته، تعاني اليوم من عدم القدرة على السيطرة عليه. وبالتالي فقد تكون المنطقة أمام خطر وجود هذا السلاح مع طرفٍ لا يمكن الرهان على حكمته في ردات الفعل .
وهنا يأتي الحديث عمن يتحمل مسؤولية هذا الموضوع، ليقع اللوم المباشر على أمريكا أم الإرهاب، وأدواتها التنفيذية وبالخصوص السعودية وتركيا. ولكن الأهم من ذلك أنه من الواضح أن الأوان قد فات لضبط الأمور، وأن الجميع يتعاطى مع هذا الملف كالتعاطي مع مرور الأيام. إلا أن الشيء الأكيد هو أن من سيدفع الثمن أولاً، لن يكون سوى السعودية وتركيا وكل من يمشي في السياسة الأمريكية في المنطقة. ومن يرى غير ذلك عليه أن لا ينسى المقولة التي تقول: من يطبخ السم سيأكله .
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق