التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

الحرب الخفیة؛ نشاط شرکات التبغ العالمیة فی العالم الإسلامی 

 طالما سمعنا عن مضار التدخين وقرأنا المقالات التي تناولت آثاره الكارثية على صحة الإنسان، فالتدخين سبب رئيسي لسرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين والتهاب اللثة واللسان، والتهاب الغدد اللعابية والتقرحات وسرطان الفم.

حتى هذه اللحظة قد يعتقد القارئ لمقالنا هذا أننا نود التحدث عن مضار التدخين وآثار هذه العادة المميتة على النسل البشري، لكن في الحقيقة ما نود تسليط الضوء عليه في هذا المقال هو ما يرتكبه غيلان التجارة العالمية وشركات التبغ المتعددة الجنسيات في حق مجتمعاتنا وديننا وشبابنا.

تشير إحصائيات صدرت مؤخراً وقامت وكالة الأنباء الإسلامية الدولية (إينا) بنشرها، إلى ارتفاع معدل انتشار تعاطي التبغ ومستوى الخمول البدني بشكل كبير بين شعوب الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والذي بيّن أن ٣٠% من البالغين من الذكور في ٢٠ بلداً عضواً في هذه المنظمة من أصل ٣٧ يستخدمون التبغ، فيما بلغ معدل المدخنين الشباب في عام ٢٠١٠م ٢٠% والذين تتراوح أعمارهم بين ١٣ – ١٥ سنة .وتوقعت إحصائيات أخرى مناهزة عدد المدخنين في العالم المليار والثلاثمئة مليون مدخن، يشكل عدد الرجال منهم المليار مدخن فيما يبلغ عدد النساء المدخنات ٣٠٠ مليون مدخنة. وبناء على هذا المعدل سيبلغ عدد المدخنين في العالم المليار وسبعمئة مليون مدخن عام ٢٠٢٥م، ثمانين بالمئة منهم من سكان الدول المتوسطة والضعيفة الدخل.

هذه الإحصائيات تدلل في محتواها على ابتلاء العالم العربي والإسلامي ودول العالم الثالث بهذا البلاء بشكل خاص. ابتلاء ليس وليد الصدفة إنما هو ثمرة نشاط وأموال طائلة تصرف لترويج هذه العادة في مجتمعاتنا. ففي عالمنا هذا ثمة أناس لا يتورعون عن فعل أي شيء مهما بلغت قذارته، بغية تحقيق الأرباح المالية الطائلة والتحكم بالاقتصاد العالمي. حيث كشفت وثائق بعض شركات التبغ المعروفة عالمياً قيام هذه الشركات بشن حملات دعائية وإعلامية ضخمة استهدفت كل من يعارض التدخين من علماء دين وأطباء ومؤسسات، وقامت هذه الشركات برشوة بعض العلماء والأطباء والإعلاميين بهدف الترويج لعدم ضرر التبغ، وتشير هذه الوثائق التي تعود في قدمها إلى عقود مضت أن الشركات الأمريكية المصنعة للسجائر واجهت مشكلة حقيقية عثّرت تطوير مبيعاتها في الدول الإسلامية وخصوصاً بين النساء في هذه الدول.

يقول أستاذ علوم الصحة في جامعة سيمون فريزر في كاندا الدكتور كلي لي: تشير الوثائق التي تم كشفها مؤخراً قيام شرکات التبغ المتعددة الجنسيات بتحريف أحكام المسلمين الدينية أو التشكيك فيها من أجل تأمين مبيع منتجاتها في العالم الإسلامي، حيث حاولت هذه الشركات ربط التعصب الديني بعدم التدخين وقامت بتوكيل محامين من أجل القيام بالهجوم على الزعماء الإسلاميين المعارضين للتدخين.

ففي الوقت الذي نجحت فيه الدول الغربية إلى حد كبير في مساعيها لمكافحة التدخين وتمكنت من خفض معدلات استهلاك التبغ إلى حد كبير، وجهت شركات التبغ الكبرى أنظارها إلى الدول ذات الدخل المتوسط والضعيف ومن ضمنها الدول الإسلامية. ولما كانت هذه الدول في معظمها دولاً فقيرة ذات حكومات فاشلة نسبياً، فإن هذه الشركات تمكنت من تحقيق مساعيها ووجدت في دول العالم الثالث سوقاً ضخمة تكفل لأصحاب هذه الشركات ثراءً فاحشاً قل نظيره.

 وفي هذا السياق يقول محققون إن شركة التبغ البريطانية الأمريكية (British American Tobacco) أبدت قلقها من التعصب الإسلامي ضد التدخين. وتضيف هذه الوثائق في موضع آخر إن الإسلام تسبب بإيجاد مشكلات عديدة وجدية لصناعة السجائر والمواد الدخانية في العالم، إذ أن شرب الكحول والتدخين حرام في الإسلام، فحسب الشريعة الإسلامية إن أي شيء يتسبب بالضرر لجسم الإنسان فهو محرم، وبناء على ذلك يفتي معظم علماء الشيعة والسنة في العالم الإسلامي بحرمة التدخين.

 وتتحدث وثيقة أخرى عن سعي شركات صناعة التبغ لربط امتناع النساء عن تدخين السجائر بمحاربة النساء ومنعهن من التقدم والتطور. وفي هذا الإطار يقول محققون: حثت التغييرات الاجتماعية السريعة في الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وآسيا، شركات التبغ الدولية لربط التدخين بمواضيع الحرية واستقلال النساء وذلك بهدف تشجيع استهلاك التبغ وزيادة نسبة المبيعات بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح.

كذلك عمدت هذه الشركات إلى تشجيع تهريب التبغ، وإلى التدخل في السياسات الصحية للدول وكذلك التدخل في الأبحاث الطبية في هذه الدول بغية زيادة نسبة مبيعاتها.

ويشير تقرير لمجلة لنست الطبية أن أندونيسيا (الدولة المسلمة الأكبر في العالم من حيث تعداد السكان) تحتل المرتبة الأولى بعد الصين في استهلاك التبغ، ويتوقع أن حوالي ٦٠ بالمئة من رجال أندونيسيا يدمنون التدخين.

إلى ذلك يشير مرکز التحکم والوقاية من الأمراض أنه في عام ٢٠١٢م تم إنفاق أكثر من ٩.١٧ مليارد دولار على الحملات الدعائية والإعلانية الهادفة لتشجيع التدخين في العالم، أي بمعدل ٢٥ مليون دولار في اليوم وبمعدل ١ مليون دولار كل ساعة، أي مليون دولار تنفق كل ساعة من أجل ترويج عادة التدخين في العالم وخصوصاً في الدول الإسلامية.

کل هذا يعكس الحملات الإعلامية الضخمة التي تستهدف المجتمعات الإسلامية والعربية وخصوصاً طبقة الشباب فيها، ومن يمولون هذه الحملات يسعون وراء تدمير مجتمعاتنا وشبابنا من خلال نشر المرض والجهل والفقر، فيما نراهم في الدول الغربية وأمريكا – والتي تعود ملكية معظم هذه الشركات لها- يحافظون على مجتمعاتهم فيشرعون القوانين المانعة للتدخين وينظمون الحملات الثقافية الهادفة إلى توعية الشباب بمخاطره، الأمر الذي تغفل عنه حكومات الدول الإسلامية أو تقصر في تنفيذه.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق