التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

المجازر ضد المسلمین فی افریقیا الوسطی والدور الفرنسی 

منذ شهر ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٣ انحدرت أفريقيا الوسطى في صراع طائفي بين جماعتي سيليكا المسلمة، وأنتي بالاكا المسيحية، ودفع جزء كبير من السكان في البلاد ثمنا باهضا، وسقط آلاف الضحايا من الجانبين، كما اضطرّ عدد كبير من المسلمين إلى مغادرة أفريقيا الوسطى نحو دول الجوار فارين من انتهاكات الميليشيات المسيحية. فما هي الحقائق على الارض هناك وما هي اسباب وجذور الازمة؟

وصفت المنظمات الدولية ما يجري اليوم في جمهورية أفريقيا الوسطى، بأنه تطهير ديني يستهدف المسلمين. وحذّرت من أن العنف الطائفي الذي تمارسه الميليشيات المسيحية المتمردة، المعروفة باسم أنتي بالاكا، يفرّ جراءه آلاف المدنيين في عملية نزوح جماعي ذات أبعاد هائلة على المستوى التاريخي.

وقدّرت منظمة العفو الدولية عدد الهاربين من جحيم العمليات الانتقامية، التي تشنها قوات أنتي بالاكا ضدّ المدنيين المسلمين رغم أن الكثيرين منهم ليست لهم علاقة بالصراع، أكثر من عشرات الآلاف، مشيرة إلى أن هذا العدد في تصاعد .

وشبّه فيليب ليكليرك، خبير حماية المدنيين بمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، العنف المرتكب في جمهورية أفريقيا الوسطى بما تعرض له السكان المسلمون في سربرينيتشا في البوسنة والهرسك عام ١٩٩٥.

وأضاف ليكليرك: تجري عمليات تطهير عرقية دينية في المناطق الغربية والشمالية من البلاد تستهدف المسلمين. ومن الواضح أن الناس محاصرون ويحاولون إنقاذ أرواحهم. ويمكن منع حدوث المزيد من تلك الأعمال من خلال الوساطة ووجود القوات الدولية. إن الناس مستعدون للفرار ولكن من الصعب للغاية إيجاد ممر آمن لهم. والقوات الدولية والكتيبة الفرنسية وقوات الاتحاد الأفريقي لا توفر الأمن بشكل كاف.

وفي بانغي عاصمة أفريقيا الوسطى، تقلص عدد سكانها المسلمين الذي يتراوح بين ١٣٠ ألفا و١٤٥ ألفا كانوا يعيشون في بانغي إلى نحو عشرة آلاف في ديسمبر، حسب تقارير الأمم المتحدة، ولا يزال الكثيرون يرغبون في ترك المدينة التي لم تعد آمنة لهم على الإطلاق.

 وتقول مفوضية شؤون اللاجئين إن أعداد قوات حفظ السلام الدولية والأفريقية في جمهورية أفريقيا الوسطى غير كافية لحماية المدنيين المسلمين الذين يتعرّضون لأبشع أنواع العنف، حيث لا يكتفي المسلّحون بطردهم من ديارهم بل يطاردونهم ويقومون بقتلهم والتنكيل بجثثهم. ويبلغ عدد قوات الاتحاد الأفريقي ستة آلاف عنصر، فيما أرسلت فرنسا، التي احتلت سابقا هذا البلد، كتيبة مكونة من ألف وستمائة جندي، لكنها انحازت ضد المسلمين.

وكانت أفريقيا الوسطى تعيش على وقع الانقلابات العسكرية منذ زمن بعيد والتي كان آخرها الانقلاب الذي قاده ميشال دجوتوديا الذي يناصره عناصر سيليكا، وأطاح بالرئيس فرانسوا بوزيزيه، الذي تناصره ميليشيات أنتي بالاكا، المسيحية. ويعدّ الرئيس ميشال جوتوديا أول رئيس مسلم في تاريخ جمهورية أفريقيا الوسطى.

لم يقبل أنصار فرانسوا بوزيزيه بالأمر، ودخلت البلاد الهشّة في حالة فوضى عارمة وفشلت الحكومة في فرض الأمن والسيطرة على عناصر ميليشيات أنتي بالاكا المسيحية، التي ردّت على الانقلاب بشنّ حملة إبادة عرقية استهدفت المسلمين في البلاد، إلى أن اضطر دجوتوديا إلى التنحي بضغط من رؤساء دول وسط أفريقيا في مطلع يناير ٢٠١٤ وحلّت محلّه كاثرين سامبا بانزا كرئيسة انتقالية للبلاد.

التدخل الفرنسي

على امتداد هذه الصراعات والانقلابات التي أعاقت استقرار البلاد، كانت فرنسا حاضرة بقوّة، لتحمي مصالحها وتستحوذ على ثروات الالماس والذهب واليورانيوم. فقامت في البداية بدعم جماعات السيليكا للوصول إلى قصر الرئاسة وتنصيب ميشا دجوتوديا رئيسا مكان فرانسوا بوزيزيه. 

بدخول البلاد مرحلة الصراع الطائفي وتدخّل القوّات الدولية، انضمّت فرنسا إلى قوات حفظ السلام الأممية وسحبت الأسلحة من مقاتلي السيليكا، مما أضعفهم أمام الأنتي بالاكا. وقد اتهم أحد الجنرالات في أفريقيا الوسطى اللواء يايا إسكوت، وهو من الأغلبية المسيحية، القوات الفرنسية بأنها مسؤولة عن التحريض على العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في أفريقيا الوسطى. وأشار إسكوت إلى أن المسلمين والمسيحيين كانوا يعيشون في وئام حتى شرع بعض الساسة المحليين -الذين يتم تمويلهم من جانب فرنسا- في تحريض المسيحيين ضد الأقلية المسلمة.

 المأساة  

تقول منظمة العفو الدولية إن قوات حفظ السلام الدولية فشلت في منع عمليات التطهير العرقي التي وقعت ضد المدنيين المسلمين في الجزء الغربي من جمهورية أفريقيا الوسطى، وكي تتم حماية المجتمعات المسلمة المتبقية يتعين على قوات حفظ السلام كسر سيطرة میليشيات أنتي بالاكا المسيحية ووضع قوات كافية في البلدات التي يتعرض فيها المسلمون للتهديد.

وانتقدت منظمة العفو الدولية برودة رد المجتمع الدولي على هذه الأزمة، وأشارت إلى أن قوات حفظ السلام الدولية امتنعت عن التصدي لمیليشيات أنتي بالاكا وكانت بطيئة في حماية الأقلية المسلمة التي تتعرض للتهديد.

وقالت دوناتيلا ريفيرا، من كبار المستشارين في برنامج مواجهة الأزمات بمنظمة العفو الدولية: لقد فشلت قوات حفظ السلام في وقف العنف، وسكتت عن استخدامه في بعض الحالات، وذلك بالسماح لمیليشيات أنتي بالاكا التي ترتكب الانتهاكات بملء فراغ السلطة الذي أحدثه رحيل قوات سيليكا.

ما يجري في أفريقيا الوسطى ضدّ الأقلية المسلمة، محاولة لإيجاد واقع جديد على الأرض الاستراتيجية والغنية بالثروات الطبيعية، في ظلّ عودة الاهتمام بالتمركز في القارة الأفريقية وظهور قوى جديدة صاعدة تبحث بدورها عن موطئ قدم في مناجم الذهب والمعادن وغيرها من الثروات التي تزخر بها القارة الغنية – الفقيرة، فبلد مثل أفريقيا الوسطى غني جدا بثرواته (الماس والذهب واليورانيوم)، ومع ذلك فشعبه من أفقر خمسة شعوب في العالم.

ويبدو ان الدور الفرنسي المنحاز لأنتي بالاكا والمطامع الفرنسية في ثروات افريقيا الوسطى، قد تسبب في تمزيق هذا البلد وتشريد المسلمين منه. ففرنسا الاستعمارية لم تر رادعا امامها لدعم المجازر الوحشية التي ترتكب ضد المسلمين في افريقيا الوسطى بغية تنفيذ سياساتها الاستعمارية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق