التیارات التکفیریة .. کشف المستور
لم تكن ولادة التيارات التكفيرية في المنطقة العربية وليدة الصدفة، بل استغرقت ليالٍ وشهوراً بل سنوات حتى وصلت إلى حالها اليوم. ما يؤكد هذه الدعوة هو ما أعلنه رئيس وكالة المخابرات الأمريكية CIA السابق “جيمس وولسي” في الـ ٢٠٠٦ ان وكالته ستصنع للأمة الإسلام الذي يناسبها ثــم نجعلهــم يقومــون بالثــورات، ثــم يتــم انقسامهــم علــى بعـض لنعرات تعصبيـة، ومــن بعدهـا قادمــون للزحـف وسوف ننتصـر.
تصريحات وولسي منذ حوالي العشر سنوات توصّف واقعنا الحالي، إلّا أنه لم يكتب النصر للأمريكي حتى الآن، ولكن بصرف النظر عن نتائج الربح والخسارة هناك سؤال يطرح نفسه بقوّة: من الذي دَعَمَ الأمريكيين أو استُخدِم من قبلهم لصناعة هذا الإسلام؟ ألا تحتاج هذه التيارات إلى مُشَغل ذو صبغة إسلامية بسبب عداء أعضاء الجماعات المتشدّدة للغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص؟ فمن هو هذا المُشغل؟
صدور هذا التصريح عن رئيس وكالة المخابرات المركزية يكشف أن إدارة هذه الجماعات تحتاج إلى عقلية أمنية بامتياز، فلا بدّ من استخدام بعض الأدوات الإسلامية صاحبة “مونة” فكرية ومادّية على الفكر التكفيري، وعند البحث عن الوكيل الأمريكي يسطع نجم السعودية من دون منازع. فما حقيقة دعم السعودية للجماعات التكفيرية كتنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة؟
قد يقول قائل” صحيح أن السعودية بنت المدارس المتطرفة في أفغانستان وباكستان، ومعلومٌ أن الرياض دعمت حركة طالبان في حربها ضد الإتحاد السوفيتي سابقاً، ولكن هذا لا يعني أنها تقف وراء الجماعات التكفيرية التي تعصف بالمنطقة حالياً، طارحاً السؤال التالي: ما هو دليلكم؟”.
لعلّ الإعلام الغربي كان من أول المشيرين للسعودية بأصابع الإتهام في دعم الإرهاب، وهذا ما أكّده السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، في كلمة له عن قلقه بخصوص التسليح الكبير الذي تقدمه السعودية لأعضاء من تنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية في اليمن.
وأشار فورد في مجلة “فورن بوليسي” إلى الدور السلبي الذي قام به جهاز الاستخبارات السعودي في إنشاء تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، مبدياً قلقه من تكرار الخطأ السعودي في اليمن.
في المجلّة نفسها يوضح الكاتب والباحث “سايمون هندرسون” أن “السعودية فتحت ساحة جديدة لمعركتها مع إيران بدعمها لتنظيم “داعش” الارهابي”. ورأى “هندرسون” أن “اجتياح التنظيم الإرهابي المفاجئ لشمال غرب العراق، يبدو أنه من التكتيكات المفضلة لبندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، وإن لم يتوفر دليل مادي على هذا”.
وضرب “هندرسون” مثلًا بحادثة مشابهة تاريخيًّا لما تحاول أن تفعله السعودية الآن من تقوية وتجذير دور التنظيمات الإرهابية في المِنطقة، لاستخدامها لتحقيق أهدافها، وهي حادثة تحالف مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز بن سعود مع حركة “إخوان مَن أطاعوا الله” المتطرفة، إبان الحرب النجدية الحجازية، والتخلص منهم سريعًا بعد تحقيق أهدافه، بأن وافق وسمح للبريطانيين بتنفيذ مجزرة ضدهم، عندما حاولوا التوسع نحو العراق، ثم قضى عبد العزيز عليهم نهائيًّا في معركة “السبلة”، وهو سيناريو مستبعد في حالة “داعش”، حسب هندرسون.
وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد نشرت مقالًا للكاتب (نورتن تايلور) انتقد فيه “بيع السلاح البريطاني للسعودية”، مبررًا انتقاده “بتصدير المملكة للمذهب الوهابي”، موضحًا أنه “أكثر المذاهب معاداة للتسامح “.
ولم يكن مقال تايلور وحيدًا، بل أتى وسط عدد من التقارير الإعلامية الغربية التي أشارت بأصابع الاتهام للمملكة بدعم تنظيم داعش الإرهابي.
لم تقتصر التهم الموجّهة للسعودية على الإعلام الغربي، بل وجّهت العديد من الأطراف الإقليمية أصابع الإتهام للسعودية بسبب دعمها للجماعات التكفيرية، كما أن عمليات التطهير التي قام بها الجيش العراقي والحشد الشعبي لطرد التنظيم الإرهابي أسفرت عن العثور على كميات كبيرة من العتاد والوثائق الخاصة بتنظيم داعش الإرهابي وعجلات تحمل لوحات تعود لكل من “السعودية” و”الأردن” أرسلت مجهزة بالسلاح والأشخاص لمساندة التنظيم الإرهابي في العراق”، حسبما أفاد مسؤول عراقي.
حالياً، ومع فشل الضربات الجوية للعدوان على اليمن من قبل طائرات التحالف، تشير التقارير الواردة إلى أن السعودية تعقد اجتماعات مع عناصر من تنظيم القاعدة في مناطق من محافظة حضرموت، للقيام بإرسال الأسلحة والعتاد اللازم لهم، وكذلك تأمين المبالغ المالية التي يطلبونها.
اذاً، السعودية تسعى للاستفادة القصوى من الجماعات التكفيرية بغية تحقيق مصالحها، ولكن هل سينجح آل سعود حالياً بالتخلص من هذه الجماعات لاحقاً كما فعل مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز بن سعود مع حركة “إخوان مَن أطاعوا الله” المتطرفة؟ وماذا لو نفّذ تنظيم داعش الإرهابي تهديده “الإعلامي” لآل سلول؟ أسئلة تبقى برسم المستقبل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق