التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

تمسکوا بألأرض سیسقط من فی “السماء”! 

في بدايات ٢٠٠٤ كان لي حوار صحفي مع مناضل لبناني معروف وكنا نتحدث عن خطأ أمریكا في احتلال العراق، وكان ضيفي يصف الإدارة الأمریكية بالغباء، وعندما سألته عن صحة أن يصف شخص عدوه بالغباء؟ قال: انه لا يجد وصفاً أدق.. وأضاف ستثبت الأيام ذلك !

اليوم ونحن نقارب منتصف ٢٠١٥ وقد مضى ١١ عاما على حوارنا مع الاستاذ أنيس نقاش، لم أعد أشك بغباء الأمریكي لولا توسله بخديعة التناقضات الطائفية وتأجيج الحرب الدينية والمذهبية بمساعدة الأنظمة التابعة له في منطقتنا وبمقدمتها السعودية .

وللحقيقة فإن لعبة الصراع الطائفي والمذهبي التدميرية لم يكن لها لتنجح لولا الدفع الوهابي التاريخي وأنظمة العمالة العربية لأمریكا، لذلك أعتقد أنه بالامكان لملمته بشرطين: الاول، ان تتعاضد المرجعيات الدينية في العالم الاسلامي وتحاصر الفكر السلفي الوهابي القادم من مدن الملح، والآخر اذا ما تغير موقف الانظمة الموالية لأمریكا في المنطقة وفي مقدمتها حكومة نجد !

 أعود الى الغباء الأمریكي وخطأ الحسابات ومن هو المستفيد او الذي استطاع ان يحول أخطاء غيره وتعثر مشروعه الى فرصة له ويوسع نفوذه ويوصل صوته لمساحة أكبر. سوف أتحدث بمنطق المؤامرة الذي أؤمن به منذ ان قرأت بروتوكولات حكماء صهيون وأنا في ريعان شبابي !

لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ وعلى فرض براءة أمریكا منها براءة الذئب من دم يوسف، لم تكن تستدعي حرباً مهولة كتلك التي قامت بها أمریكا ضد أفغانستان، لأنه وببساطة كان يمكن ضرب القاعدة من خلال حاضنتها الأمریكية (طالبان) لأنها صناعة أمریكية بريطانية سعودية باكستانية على حد اعتراف رئيسة وزراء باكستان “المغدورة” بي نظير بوتو .

ولو سلمنا ايضا بأن طالبان لم تكن عميلة لأحد، فكان هناك أكثر من طريقة لمحاصرتها والاجهاض عليها، من خلال القوى الداخلية المعارضة او ما عرف بتحالف الشمال، ودول الجوار التي على تناقض وعداء مع نظام طالبان. ثم كيف تتجه أمریكا وهي لم تحسم الملف الأفغاني لغزو العراق بمساعدة حلفائها الاقليميين وفي مقدمتهم الخليجيين تحت مبررات وحجج واهية وكذبة ملفقة هدفها اعادة تقسيم المنطقة والسيطرة عليها من خلال الصراعات المذهبية والقومية، لذلك ربطت بين الحربين في أفغانستان والعراق واستجلبت مناوئيها معا من تورابورا الى الفلوجة !

لكن الخسائر الكبيرة والتكاليف الباهضة للمشروع الأمریكي الذي حمل عنوان “الشرق الأوسط الجديد” والذي بشر به الصهاينة منذ زمن بعيد، هي التي أدت الى تغيير الإدارة الأمریكية من جمهوريين الى ديمقراطيين، وشعار التغيير (change) والوعود التي قطعها بسحب القوات واغلاق غوانتانامو والاهتمام بالوضع الداخلي الذ  رفعه أوباما، لم يكن الاّ تعبير عن الفشل. هذا الفشل الذي “سلم العراق على طبق من ذهب لايران” كما يقول أذناب أمریكا وأعداء ايران في المنطقة !

فكيف تسلّم أمریكا العراق الى “محور الشر” وايران كانت الخطوة الثانية أو الثالثة من مشروع التغيير الأمریكي للمنطقة؟ !

حقيقة الأمر هو أنه كان هناك استثمارين جاريين في العراق قبل ٢٠٠٣، أحدهما استثمار ايراني يقوم على المبادئ ولا يخلو من مصلحة، والآخر استثمار أمریكي ـ خليجي يقوم على المصلحة فقط .

ايران مدت جسور تواصلها مع الشعب العراقي من خلال مواقفها الثورية والانسانية والتي لم تجد أصدائها في العراق فقط، بل في كل المنطقة، لكن العراق كان الاكثر تأثرا، لاسباب يعرفها الجميع. وايران عندما تمد جسراً لا تضع عليه اشارات طائفية وقومية في العبور، لذلك استطاعت ان تكسب العراق من زاخو الى الفاو جماهيرياً، باستثناء المرتبطين بالنظام الصدامي (حتى اليوم تجد الجميع على علاقة جيدة بايران رغم اختلافاتهم وسجالاتهم فيما بينهم). في حين ان الاستثمار الأمریكي ـ الخليجي كان دائماً فوقياً، دعموا صدام ضد الشعب العراقي وايران، ثم أضعفوه وخلصوا الاكراد منه وتركوا الشيعة للقتل، واخيرا تحالفوا لغزو العراق واسقاط صدام حسين والاتيان بنظام آخر ينفذ أجنداتهم بلباس ديمقراطي، وهنا كان غبائهم .

تصور الأمریكيون ان الكيانات الهزيلة والمصطنعة والشخصيات التي جاءوا بها ووضعوها في الواجهة بين ليلة وضحاها ستحقق لهم استراتيجيتهم. وفي المقابل طبقت ايران استراتيجية “لهم السماء ولنا الارض”، بالضبط كما تفعل أنصار الله واليمانيون اليوم مع الاغبياء الجدد! 

وبعد انتهاء العمليات العسكرية وسقوط نظام صدام حسين وجد الأمریكيون انفسهم في بيئة معادية رغم كل المشاركة المعلنة في العملية السياسية التي أداروها! فولوا هاربين من الجحيم العراقي حتى من دون قواعد عسكرية والتي يملكونها في معظم بلدان المنطقة دون غزو او حرب .

هنا كان الانتصار الايراني.. فأمریكا تحملت تبعات وتكلفة الاطاحة بصدام حسين وايران من خلال عقود من الدعم للمعارضة الحقيقية استطاعت ان تكسب الأرض والنفوذ .

وقد يسأل سائل اين العرب من كل ما جرى أمام اعينهم وفي جوارهم؟

الحقيقة التي لا يختلف عليها أحد من عرب وعجم، هو ان العرب (ونقصد الانظمة الموالية للغرب في منطقتنا كالسعودية وشقيقاتها ومصر والاردن والمغرب) لم يكن وليس لهم الى الآن مشروع، لانهم باختصار جزء من المشروع والسياسة الأمریكية، وقد لعبوا منذ فترة طويلة دورا تخريبيا ضد الشعب العراقي وباقي الشعوب التي لم ترضخ للإرادة الأمریكية. هؤلاء العرب الذين شاركوا بكل قوة في اسقاط صدام حسين ونظام حكمه، جنّ جنونهم وهم يشاهدون حلفاء ايران يصولون ويجولون في مجلس الحكم والبرلمان والحكومة من بعد. فكان مشروعهم (بالتعاون مع سفارة نغروبونتي) هو السيارات المفخخة والانتحاريين القادمين من اطلال “تورابورا” والذهاب بعيدا في استباحة دماء واعراض العراقيين وتدمير كل شئ تحت لواء “التوحيد” الوهابي .

أمریكا التي أنفقت أكثر من أربعة تريليونات من الدولارات وقدمت ٧ آلاف قتيل و٥٥١٠ جريح في حرب العراق، تحاول اليوم من خلال “مؤامرة داعش” أن تعود الى العراق من الشباك بعد ان طردها العراقيون ٢٠١١ من الباب .

وهكذا بالنسبة لأفغانستان، فقد أنفقت هي والناتو منذ عام ٢٠٠١ وحتی الیوم ما یقرب ٥/٢- ٣ تریلیونات دولار، ولا تزال ایران هي الأقرب الی الحكومة والشعب الأفغاني، لان ایران استطاعت ان تصدر ثورتها! ولكن خلاف أمریكا التي تصدر دیمقراطیتها علی ظهر الدبابات وبواسطة صواریخ كروز وتاماهوك.. والارقام التي ذكرها تستند الی دراسات وتقاریر أمریكیة وغربیة :

 فقد صرح كلٌ من جوزيف ستيجلز، رئيس الخبراء الاقتصاديين الأسبق بالبنك الدولي والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وليندا بيلمز، الأستاذة بجامعة هارفارد، أن إجمالي تكلفة حرب العراق على الاقتصاد الأمریكي ستبلغ ثلاثة تريليونات دولار في المتوسط، وهو ما أشارا إليه في كتابهما (The Three Trillion Dollar War ) حرب الثلاثة تريليونات دولار. وربما يزيد هذا المبلغ كما تشير الدراسات المنشورة في مارس ٢٠٠٨.  وقال ستيجلز في هذا الشأن: إن الرقم الذي توصلنا إليه أكثر من ٣ تريليونات دولار. وتستند حساباتنا على افتراضات متحفظة. وغني عن القول إن هذا الرقم لا يمثل سوى التكلفة التي تتكبدها أمریكا فقط. ولا يعكس التكلفة الهائلة التي يتكبدها باقي العالم أو العراق نفسه .

من جانبها قال تقرير صادر عن جامعة براون في صورة مشروع لتكاليف الحرب، إن إجمالي تكلفة الحروب في كلٍ من العراق وأفغانستان وباكستان يبلغ ٣.٢-٤ تريليونات دولار على الأقل .

وقد كذَّب التقرير التقديرات السابقة لتكلفة الحرب على العراق التي تشير إلى أنها أقل من تريليون دولار، مشيرًا إلى أن حجم النفقات المباشرة لوزارة الدفاع على العراق بلغ ٧٥٧.٨ بليون دولار على الأقل، لكنه أوضح في الوقت نفسه التكاليف التكميلية داخل البلاد، مثل الفائدة التي تُدفَع على الأموال المقترضة لتمويل الحروب، والزيادة المحتملة في النفقات التي تبلغ حوالي تريليون دولار والخاصة برعاية الجنود القدامى العائدين من القتال حتى عام ٢٠٥٠.  ووصل هذا الرقم في تحديث للتقرير في عام ٢٠١٣ إلى ٦ تريليونات دولار .

وهذه الارقام بالطبع لا تشمل خسائر حلفاء أمریكا في العالم والمنطقة، فقد انفقت بريطانيا على سبيل المثال حوالي ٤.٥ بليون من الجنيهات الإسترلينية في العراق. ومصدر هذه الأموال كلها صندوق حكومي يحمل اسم “الاحتياطي الخاص” ويبلغ تخصيصه الحالي ٤.٥ بليون جنيه إسترليني .

وبلغت التكلفة التي تكبدتها بريطانيا في حربها بأفغانستان وحدها ٣٧ بليون جنيه إسترليني، وفي يونيو ٢٠١٠، تجاوزت التكاليف التي تكبدتها المملكة المتحدة في حربيها بالعراق وأفغانستان معًا ٢٠ بليون جنيه إسترليني .

الفشل الأمریكي في العراق وأفغانستان، خلق عقدة جدیدة تضاف الی عقدة فیتنام التاریخیة، لذلك استبدلت أمریكا استراتیجیتها في التدخل المباشر بـ” الحرب بالوكالة”، فناب عنها الأتراك والقطریون والاردنیون والسعودیون من خلال الارهابیین والمرتزقة في سوریا، وتكفل الاوروبیون عنها تدمیر لیبیا، وتولت السعودیة وشركاءها في الجریمة العدوان علی الیمن وتدمیره بحجج وذرایع واهیة. ولكن هل تنجح أمریكا وحلفاءها في هذه “الصرعة” العدوانیة الجدیدة؟    

سأضیف علی مقولة صدیقنا أنیس نقاش: بأن الغباء تسرب من أمریكا الى حلفائها.. وان للباطل جولة وللحق دولة، فأمسكوا “الارض” سیسقط من في “السماء “! 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق