التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 30, 2024

ماذا تعنی دعوة إیران للمشارکة فی مشاورات جنیف حول الأزمة السوریة؟ 

 أطلقت الأمم المتحدة من خلال مبعوثها الخاص للشأن السوري ستيفان دي ميستورا، مبادرة جديدة في محاولة لاحياء ملف محادثات الحل السلمي للأزمة السورية، وتهدف المبادرة  لإطلاق مشاورات في جنيف تضم مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ذات التأثير في الملف السوري.

وأعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي في يوم ٢٤ أبريل/نيسان، أن المشاورات بشأن سوريا ستنطلق في أوائل مايو/أيار المقبل وستتواصل من ٤ إلى ٦ أسابيع. وأن المحادثات ستشمل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية باستثناء تنظيمي النصرة وداعش الارهابيين.

وقال أحمد فوزى إن المحادثات ستكون فى الأغلب على مستوى السفراء والخبراء، مضيفاً أنه وجهت دعوات إلى أكبر عدد ممكن من الأطراف ذات الصلة بالصراع.

ومن المقرر أن يجتمع المبعوث الأممى إلى سوريا ستيفان دى ميستورا مع أطراف الصراع فى مباحثات منفصلة على مدار عدة أسابيع تبدأ الرابع من مايو المقبل.

الملفت بالأمر في هذه المبادرة هذه المرة، هو تأكيد الأمم المتحدة على دعوة الجمهورية الاسلامية الإيرانية للمشاركة في المشاورات، بالرغم من كل المعارضة التي كانت ومازالت تبديها أطراف دولية واقليمية على رأسها أمريكا والسعودية، حيث أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بسوريا ستيفان دي ميستورا، عن نيته دعوة طهران لحضور مشاورات جنيف حول سوريا.

وأشار دي ميستورا إلى أن “إيران دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة ولاعب مهم في المنطقة، ولها تأثير على ما يجري في سوريا”. وأضاف أن “الأمم المتحدة وأنا بنفسي نملك كامل الحق في دعوة الجميع، بما في ذلك إيران”.

واثارت اقتراحات بمشاركة إيران خلافات في الجولات السابقة للمحادثات السورية رغم ان الكثير من الدول تعتبرها جزءا أصيلا من أي اتفاق سياسي كونها حليف رئيسي للنظام في سوريا. وفي يناير/كانون الثاني ٢٠١٤ وجه بان كي مون دعوة لإيران لحضور مفاوضات سلام بشأن سوريا في سويسرا ثم سحب الدعوة بضغوط من أمريكا ودول غربية. وفي ٢٠١٢ اعترضت أمریکا على مشاركة إيران في المؤتمر الوزاري الذي تمخض عن اتفاق جنيف.

ويرى مراقبون أن دعوة دي ميستورا لإيران للمشاركة في المحادثات السورية هو أمر منطقي، فليس من المعقول أن تشارك في جنيف ٢ دول مثل اليونان وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية واستراليا، فيما تستثنى ايران من المشاركة، بالرغم مما تشكله من ثقل سياسي ودبلوماسي في الشرق الأوسط. كما أن استبعاد ايران من المحادثات السابقة بحجة دعم النظام السوري، لا يمكن أن يكون مبرراً، خاصة عندما يشارك في المؤتمر دول تمول وتسلح المعارضة بشكل علني ومباشر.

ويمكن أن نلخص الظروف الجديدة التي اقتضت من الأمم المتحدة التأكيد على دعوة الجمهورية الاسلامية للمشاركة في مشاورات جنيف بالأسباب التالية:

أولاً: التأكيد على الحل السياسي للأزمة السورية، والتسليم بأنه لا حل عسكري للأزمة في سوريا، وهو الأمر الذي تبنّته ودعت إليه الجمهورية الاسلامية منذ الأيام الأولى للأزمة السورية، حيث لم تفلح كل مساعي الدول الداعمة للجماعات المسلحة لاسقاط النظام السوري، بل استطاع النظام السوري أن يحرز تقدماً على كثير من الجبهات، ومازال القوة الأبرز التي تبسط سلطتها على الأرض، ويعيش معظم السكان في سوريا في مناطق سيطرته التي تشمل تقريباً كل المراكز الأصلية للمحافظات ما عدا الرقة وإدلب. ولم تفلح رهانات الدول الداعمة للجماعات المسلحة على سقوط النظام خلال أيام و أشهر معدودة، الأمر الذي دفع الكثير من هذه الدول للتسليم بالحل السياسي، بعدما أدركوا أهمية الجمهورية الاسلامية في تحقيق هذا الحل.

 ثانياً: الاعتراف بالدور المؤثر للجمهورية الاسلامية في حل قضايا المنطقة، حيث تتعالى الأصوات الدولية المطالبة بمشاركة إيران في محادثات السلام السورية، وعلى رأسها، بان كي مون الامين العام للامم المتحدة ومبعوثه الخاص للشأن السوري دي ميستورا، الى جانب روسيا والصين وبعض الدول الاوروبية، ويرى مراقبون أنه لولا خضوع الأمم المتحدة لتعنّت بعض الدول المعارضة لإشراك إيران في أي حل للأزمة في سوريا، لكان يمكن تلافي الكثير من المآسي التي لحقت بالشعب السوري، ولكان يمكن تجنب الكثير من المجازر والضحايا، وأن فشل المؤتمرات التي عُنيت بإيجاد حل للأزمة السورية مرده هو استبعاد كل من ايران والنظام السوري من هذه المؤتمرات، حيث  أن هدف ايجاد حل سلمي لأي أزمة يقتضي جمع كل الأطراف التي تستطيع المساعدة في حل هذه الأزمة على مائدة المفاوضات دون استثاء.

ثالثاً: الدور الهام الذي تضطلع به الجمهورية الاسلامية الايرانية في مكافحة الارهاب، وبالأخص في مكافحة تنظيم داعش الارهابي، حيث أن أي تحول سياسي في سوريا، يستلزم قبله تشكيل جبهة موحدة ضد الارهاب المتمثّل بتنظيمي داعش والنصرة الارهابيين، ولاشك بأن المجتمع الدولي ودول المنطقة يدركون الحاجة إلى ايران في هذا المجال، خاصة بعد أن أبدت طهران نجاعة كبيرة في محاربة تنظيم داعش الارهابي من خلال الدور الاستشاري الذي مارسته في مساعدة القوات العراقية والسورية واللجان الشعبية المحلية للحد من تمدد داعش في كل من سوريا والعراق.

 رابعاً: تراجع دور السعودية الاقليمي، والذي كان له التأثير البارز في عرقلة أي مشاركة إيرانية في محادثات حل الأزمة السورية،  فالسعودية كانت تضع “فيتو” على اي مشاركة ايرانية في جولات مؤتمر جنيف، وتجد تأييداً ومساندة لموقفها هذا من قبل أمریکا، تحت ذرائع متعددة من بينها مساندة إيران، للنظام السوري مالياً وعسكرياً، ورفضها القبول بقرارات مؤتمر جنيف الاول الذي لم تحضره، والذي ينص على عدم اعطاء اي دور للرئيس الاسد في المرحلة الانتقالية.

إلا أن المستنقع اليمني الذي ورطت السعودية نفسها فيه، وفشلها في الحرب التي أعلنتها على اليمن، أضعف من هيبتها الاقليمية، وجعلها غير قادرة على فرض ارادتها كما في السابق، كما وضعت السعودية نفسها في موقف الدول الذكية لنار الحروب في المنطقة، وليس الداعية للحلول السلمية.

 خامساً: انحسار دور ما يسمى بـ “الائتلاف السوري المعارض”، والذي كان قد هدد بالخروج من مفاوضات جنيف ٢ إذا لم تسحب الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون الدعوة التي وجهتها لإيران لحضور المؤتمر، إلا أن قدرة الائتلاف على املاء الشروط أصبحت اليوم أضعف بكثير من قبل، وذلك لأسباب تتعلق ببنيته الداخلية وصراعات داعميه الخارجيين، حيث يعاني الائتلاف منذ نشأته من أزمة بنيوية، إضافة إلى أنه لم يأت تعبيراً لحالة تطور ذاتية عندما أًسس بمبادرة خارجية من قبل دول إقليمية وغربية. وهو عاجز عن إنتاج السياسة وعن تطوير خطابه في اتجاه جعله خطابا جامعا لكافة مكونات الشعب السوري، ويفتقد في هيئاته المختلفة إلى أشخاص مؤهلين سياسياً يحظون بقبول شعبي. كما لا يملك الائتلاف وجود يذكر على الأرض السورية، فيما يتضائل دوره لصالح تمدد تنظيمي النصرة وداعش الارهابيين.

من ناحية آخرى يرحب ممثلون عن المعارضة الداخلية بدعوة إيران للتشاور بشأن الأزمة التي تمر بها البلاد، ويؤكدون باستمرار أنهم لن يقفوا عائقا أمام أي جهد يفضي إلى وضع حد للحرب السورية.

 ويحذر مراقبون من ضغوط جديدة قد تتعرض لها الأمم المتحدة لعرقلة مشاركة ايران في محادثات الحل السلمي للأزمة السورية، مما يعني اطالة أمد الأزمة في سوريا، واستمرار معاناة الشعب السوري الذي لا شك يتسحق حياة أفضل.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق