التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

قلق وتخبط عربي وإقليمي إزاء العراق .. الخسارات المضاعفة لدعاة الإرهاب والعدوان 

مخطئ من يفترض أن المرحلة التي يمر بها العراق تعد الأسوأ والأخطر من سابقاتها خلال الاثني عشر عاماً الماضية، ومخطئ من يفترض أن العراق بات يسير في طريق مسدود، وأن لا أفقا واضحا لمستقبله في خضم التحديات والمخاطر الأمنية والسياسية الكبيرة التي يواجهها، وعنوانها الأبرز «داعش».ربما يكون العراق قد واجه خلال الشهور العشرة الماضية تحديات كبيرة، وتحمل ضغوطات وأعباء عسكرية ومالية ونفسية هائلة، إلا أنه نجح في تجاوز المنعطفات الحساسة والحرجة، وبات زمام المبادرة بيده، بعد أن اعتقد البعض لبرهة أنها غدت بيد تنظيم «داعش» الارهابي، ومن يقف وراءه إقليمياً ودولياً.واذا كانت الأحداث والوقائع على الأرض هي المعيار والمقياس، فإن ما تحقق من انتصارات ومكاسب أمنية وعسكرية على تنظيم «داعش»، بدءاً من جرف النصر في بابل، مروراً بمناطق حزام بغداد الجنوبية والغربية والشمالية، وبلد والضلوعية والعظيم وسامراء وسنجار وزمار، وليس انتهاء بتكريت، وما تحقق من انتصارات ومكاسب في كل تلك المناطق يعني أن العراق بعنوانه الوطني العام قادر على أن يحافظ على أرضه وتماسكه ونسيجه الاجتماعي، وإن كانت الأثمان باهظة أحيانا، كما أنه من الصعب جدا تمرير المشاريع والاجندات التخريبية الخارجية مهما كان الضخ المالي والعسكري، والتحريض الاعلامي والسياسي والديني كبيرا.هل تبدو مبالغة حينما نقول أن العراق الآن أكثر تماسكا، وأقل قلقاً، وأشد قوة من كل الاطراف العربية والاقليمية التي تبنت المشاريع والأجندات التخريبية التي أرادت إغراقه في بحر الارهاب التكفيري القاعدي في بادئ الامر، ومن ثم الارهاب الـ «داعشي».ولأن العراق جزء من مشروع تخريبي وتدميري واسع يشمل سوريا ولبنان واليمن وايران، وربما غيرها من الدول، فمن الطبيعي جدا ان يؤثر في مجريات الأمور هناك، ويتأثر بما يجري أيضا، وأكثر من ذلك فإنه أصبح بحكم مواقفه المتوازنة من الأزمة السورية، والملف النووي الايراني، وأحداث البحرين، والازمة اليمنية، طرفاً وعنصراً فاعلاً في منظومة – او معسكر- الممانعة، ان صح التعبير.وقد يكون ذلك أحد أبرز الأسباب التي جعلت أطرافاً إقليمية مثل السعودية وتركيا وقطر، تصر على دعمها وأسنادها وتمويلها للجماعات الارهابية في العراق، ولا سيما تنظيم «داعش»، رغم كل ما اقترفه التنظيم من جرائم بشعة في العراق ودول أخرى، ورغم ادراكها، ان داعش يستهدف الجميع، حتى الذين يدعمونه ويساندونه ويهادنونه.وفي مقابل العراق، فإن الدول صاحبة الأجندات والمشاريع التخريبية – التدميرية، تشعر في هذه المرحلة بقلق مزدوج، فمن جانب تقلقها الانتصارات والمكاسب المهمة التي حققها العراقيون على تنظيم «داعش»، لسبب بسيط جدا، هو انها تنظر الى الأمور من زاوية طائفية ضيقة، وهذا ما أفصحت عنه الرياض والدوحة وأنقرة وعواصم أخرى في مناسبات عديدة وبأشكال وصور ومظاهر مختلفة، ومن جانب آخر، فإنها ورغم دعمها واسنادها لتنظيم داعش، تخشى ان تمتد رياح داعش اليها، بعبارة اخرى تخشى «ان ينقلب السحر على الساحر».فتركيا التي تعارض بشدة قيام قوات الحشد الشعبي «الشيعية» بتحرير محافظة نينوى من «داعش»، ويشاركها في ذلك قوى سياسية عراقية تدعي أنها تمثل المكون السني، ويشاركها الأكراد، وقوى اقليمية، بيد أنها في الوقت نفسه لا تستطيع اخفاء قلقها من بقاء نينوى رازحة تحت سطوة «داعش».والأردن التي قد لا يهمها كثيرا هيمنة التنظيم على الكثير من مدن ومناطق العراق، استشعرت ان سقوط الانبار بقبضة «داعش» كما حصل مع نينوى، يمثل تهديداً خطيراً وكبيراً لأمنها الوطني، لا سيما وأن لذلك التنظيم بيئات حاضنة واسعة ومؤثرة في الاردن، تعمل وتتحرك تحت عناوين ومسميات شتى، ابرزها تيار «الاخوان المسلمين»، المتعاطف الى حد كبير مع تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وبقايا حزب البعث المنحل.والشيء نفسه ينطبق على السعودية التي أنفقت أموالاً طائلة، وبذلت جهوداً جبارة، دون ان تفلح في تحقيق ولو نتائج بسيطة ومتواضعة تعود بالنفع والفائدة لها.وما يزيد من القلق العربي والاقليمي في هذه المرحلة، هو الخسارات المتتابعة والمضاعفة، فأنقرة والرياض والدوحة، ومن يصطف في معسكرهم، أرادوا بكل ما أوتوا من إمكانيات وقدرات ان يسقط النظام السوري، الا انهم وجدوا أنفسهم بعد عدة أعوام عاجزين عن ذلك تماما، وأرادوا تحجيم إيران، من خلال الملف النووي، من خلال رهانهم على أن تستطيع واشنطن إخضاع إيران، إلا ان الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، وكانت الصدمة في الرياض وتل ابيب والدوحة وووو .. كبيرة جدا، ولم يكن بإمكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إخفاء صدمته، مثلما لم يكن بإمكان كبار قادة السعودية إخفاء صدمتهم، ومعهم زملاؤهم في عواصم اخرى.وارادت الرياض والعواصم الدائرة في فلكها، ان تفكك اليمن وتعيد تقسيمه وفقاً لمصالحها هي، بضرب الحوثيين وانهائهم، إلا انها وبعد اقل من شهر على الحرب الجوية التي قادتها في اطار تحالف هش وبائس، اعلنت بالفم الملآن فشلها، لانه بمجرد ايقافها للحرب دون اي شروط مسبقة ومفروضة على الحوثيين ولا تنازلات منهم، ولا من اي طرف يفترض انه داعم لهم، يمثل خسارة ما بعدها خسارة، وانكسارا لا يماثله أي انكسار اخر. الخسارات بعناوينها المختلفة – المالية والسياسية والعسكرية والنفسية والاعلامية- لأصحاب الأجندات والمشاريع التخريبية، باتت تمثل أحد أبرز معالم وملامح المشهد الاقليمي العام.وحتى الخطوات والمبادرات التي تبدو وكأنها في المسارات الصحيحة، مثل ايقاف الحرب العدوانية على اليمن، والقبول بالامر الواقع في سوريا، واطلاق الاشارات الايجابية حيال العملية السياسية في العراق، ودعم الحكومة، والمساهمة في قتال «داعش»، هي في حقيقة الامر انعكاس لغياب الرؤى والسياسات والمواقف الحكيمة، وتعبير عن التخبط وفقدان البوصلة، والا لماذا الاندفاع والانسياق وراء مراهنات خاسرة، ثم البحث عن مخارج وطرق للعودة والتراجع بعد كم هائل من الخسارات والانكسارات والخيبات؟.

لا يبتعد وجود الرئيس العراقي فؤاد معصوم في أنقرة حاليا عن حقيقة البحث عن مخارج وطرق للعودة والتراجع، وكذلك ذهاب كل من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك الى الاردن ولقاؤهم الملك عبد الله الثاني، ناهيك عن تحركات داخلية سياسية وعشائرية.وأغلب الظن ستشهد الايام والاسابيع المقبلة المزيد من خطوات البحث عن مخارج وطرق للتراجع من قبل الرياض وغيرها، لأنها لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الخسارات والخيبات والانكسارات!.

المصدر /  المراقب العراقي

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق