التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

“عاصفة الحزم” السعودية ترتد داخليا وتطيح بالامير مقرن ولي العهد 

ربما لا نبالغ اذا ما وصفنا المراسيم الملكية المفاجئة و”الحازمة” التي اصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز فجر الاربعاء بأنها “انقلاب” لا يضاهيه الا ما اقدم عليه شقيقه الراحل فيصل بن عبد العزيز عام 1965 بعزل شقيقه الملك سعود مع فوارق عديدة ليس هذا مجال ذكرها.

الملك سلمان بن عبد العزيز عزل شقيقه الامير مقرن من ولاية العهد بعد اشهر من توليها، وعين الامير محمد بن نايف في مكانه، ورقى ابنه الامير سلمان وزير الدفاع الى منصب ولي ولي العهد، وهو المنصب الذي تولاه الامير محمد بن نايف لثلاثة اشهر فقط.

النظام الاساسي للحكم الذي وضعه العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز يعطي الملك صلاحية تعيين ولي العهد وعزله، وربما اصدر هذا النظام من اجل تغيير ولي عهده الامير عبدالله، وتعيين نجله الامير عبد العزيز بن فهد مكانه، ولكن غضبة الاول (الامير عبدالله في حينها)، والدعم الذي حظي به من اشقائه من غير السديريين، و”ارتكازه” على قوات الحرس الوطني، والخوف على انفجار صراع في وسط العائلة الحاكمة، كلها عوامل متفرقة او مجتمعة، ساهمت في عدول الملك فهد عن خطته، واصداره مرسوما بتثبيت الامير عبدالله وليا للعهد، على امل ان تتغير الظروف لاحقا، ولكن المرض لم يمهله طويلا (اي الملك فهد).

العاهل السعودي الجديد استند في مراسيمه الى هذا النظام الاساسي، ولم يستند في الوقت نفسه على مرجعية “هيئة البيعة” التي اسسها الملك الراحل عبدالله من كبار الامراء ابناء الملك المؤسس لاختيار ولي العهد، وقال في كلمته الى الشعب التي اعلن فيها هذه التغييرات، ان الامير مقرن هو الذي طلب اعفاءه من منصبه، وانه امتثل الى هذه الرغبة، ولكن كان واضحا منذ ان تولى الملك سلمان الحكم انه يريد التخلص من ارث سلفه الملك عبدالله ويغير تركيبة الحكم، ويضخ دماء جديدة تحت مسمى تحديث مفاصل الدولة، ولذلك بادر الى تعيين الامير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وابنه الامير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع، مثلما استبدل تسع وزراء، وعزل السيد خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق من منصبه، قبل ان يتم دفن الملك الراحل.

ارهاصات عزل الامير مقرن كانت واضحة للعيان، فقد تقلص دوره كليا في الفترة الاخيرة، وغاب عن دائرة صنع القرار، وبات ظهوره في المناسبات الرسمية محدودا وبروتوكوليا، وقد يجادل البعض بأنه مثّل المملكة في قمة القاهرة العربية قبل شهر، وهذا صحيح، ولكن هذا التمثيل كان بروتوكوليا ايضا،  ولم يحمل اي قيمة سياسية فعلية.

من الطبيعي، وعندما يقدم ملك سعودي على خطوات كبيرة ومفصلية، كتلك التي اقدم عليها فجر الاربعاء، ان تتناسل الشائعات وتتكاثر، وان تحفل وسائط التواصل الاجتماعي بالعديد من الروايات والتفسيرات، مثل تلك التي تقول بأن الامير مقرن عارض التدخل العسكري السعودي في اليمن، او ان والدته ليست من اصول سعودية، ولكن هذه الروايات وغيرها غير مثبته، ولذلك من الصعب الأخذ بها كحقيقة مسلم بها، ولذلك يمكن ان نحكم على هذه القرارات، وما سبقها في الاشهر الثلاثة الماضية من ظواهرها، ونسلم بأن العاهل السعودي الجديد كان مبيت النية منذ اليوم الاول لتوليه العرش على تغيير الحكم والدفع بوجوه جديدة، والخروج عن السياسات المألوفة.

التغيير لم يقتصر فقط على ولي العهد، وانما امتد ايضا الى الامير سعود الفيصل وزير الخارجية المخضرم الذي جرى عزله من منصبه بعد اربعين عاما، واستبداله بالسيد عادل الجبير سفير المملكة في واشنطن، وهذه نقطة تستحق التوقف عندها، فهذه هي المرة الاولى التي يخرج فيها هذا المنصب من اسرة الملك فيصل، ويذهب الى شخص من عامة الشعب.

المسألة الاخرى التي لا تقل اهمية، تتمثل في استبعاد الامير عبد العزيز بن عبدالله نجل العاهل الراحل، الذي كان يتولى منصب نائب وزير الخارجية، وكانت معظم التكهنات تشير الى انه المرشح الابرز لخلافة الامير سعود الفيصل، وهذا الاستبعاد يأتي في السياق نفسه الذي جرى فيه ابعاد شقيقيه مشعل من امارة مكة، وتركي من الرياض، ولم يبق من اولاد الملك الراحل في منصب وزاري الا الامير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني، وحتى هذا المنصب غير مضمون، وربما تكون مسألة تغييره مسألة وقت.

“عاصفة الحزم” التي جاءت ابرز مفاجآت السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز لم تقتصر على قصف اليمن، وتكثيف التدخل في سورية، والانضمام الى المحور التركي القطري على حساب المحور المصري الاماراتي، وانما بدأت تنعكس على الداخل السعودي نفسه من خلال تركيبة الحكم، وتغييرا جذريا، ودون الاخذ بأي اعتبارات اخرى، ومن بينها مرسوم العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله الذي عين الامير مقرن وليا للعهد، وشدد على ضرورة عدم تغييره، او عزله حتى بعد وفاته، والتأكيد على توليه منصب الملك في حال شغوره.

الجناح السديري في الاسرة السعودية الحاكمة عاد لاحكام قبضته على مفاصل الحكم في المملكة، ولكن بوجوه شابه، وعبر قرارات تتسم بالجرأة والحزم.. الاسئلة التي تطرح نفسها بقوة الآن هي عما اذا كانت عملية التغيير ستتوقف هنا ام انها ستستمر لاحقا؟ وكيف سيكون رد فعل بقية امراء الاسرة الذين تم تجاوزهم في عملية ترتيب الحكم، وخاصة احفاد الملك المؤسس وما اكثرهم؟

من الصعب علينا اطلاق احكام متسرعة، فمداد حبر المراسيم الجديدة لم يجف بعد، وعلينا الانتظار حتى يهدأ الغبار وتتضح ملامح الصورة جلية، ولكن ما يمكن قوله ان طريق العاهل السعودي الجديد مليئة بالمطبات، وحافلة بالاخطار، وربما المفاجآت ايضا.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق