معرکة القلمون: النصر هو الخیار الاوحد
عادت جبال القلمون من جديد لتنتظر رفع اذان الصلاة على قممها، منصتةً الى همسات الضاحية والى نسمات ايادي السيد التي ستومئ ببداية فجر النصر مع اولى زخات الرصاص الذي سينهمر حجارة سجيلٍ على كل الظلاميین ومن ورائهم، صانعةً عاصفة الاباء، مترنحةً على انغام صلاوات اشرف الناس، وبعزيمة رجال الله، الذين حفروا بأحرف الرجولة بيانات النصر .
فالکل على اهبة الاستعداد منتظراً ملامح بدء المعركة، والعد التنازلي بدأ وبدأ معه اقتراب حسم ملف القلمون التي وضع حزب الله نصب اعينه الانتهاء من هذه المسالة التي شغلته منذ سنتين، محاولاً التخلص من الجماعات الارهابية الجاثمة على حدود لبنان الشرقية، انطلاقاً من جرود القاع وليس انتهاءاً بجرود بريتال وما بعدها. لكن بحسب مصادر مطلعة ان جبهة عرسال تركت للجيش اللبناني لما لها من ارتدادات داخلية، وتفادياً لاي انتقاد على قاعدة ان تكون الخطة بكاملها نظيفة ومن دون اي انعكاسات سلبية على الداخل اللبناني الهش ولقطع الطريق امام الذين يريدون الصيد في الماء العكر.
التحضيرات المسبقة للمعركة
ليست خافيةً التحضيرات التي يعدّها حزب الله لخوض المعركة الحاسمة مع الإرهابيين وطردهم من الجرود بالتعاون مع الجيش السوري، فكلاهما يستعدان بقوة للعملية التي ستنطلق من الجهتين، اللبنانية والسورية في المنطقة الحدودية، إلى جانب تعزيزات ضخمة استقدمت إلى المنطقة استعدادا للعملية المرتقبة التي يقوم بها الطرفان في الايام او الساعات القادمة.
ترافق ذلك مع حشد حزب الله عدداً لا باس به من المجاهدين في ظل استنفار ضمني تحسباً لاي طارئ، بالاضافة الى إنشائه سلسلة خطوط دفاعية وهجومية في منطقة تقع بين آخر مراكز الجيش اللبناني مواجه للمسلحين في جرود عرسال، (الذين يقدر عددهم بـ٣ آلاف)، من دون أن يقترب من المنطقة ذات الغالبية السنية منعا لأي تماس مع سكانها. وسعى حزب الله من خلال التحضيرات والخطط الى جعل العملية عبارة عن “فكي كماشة” من الجانبين (اللبناني والسوري)، لإخراج المسلحين من الجرود اللبنانية نهائيا.
غير أن المرجّح هو بدء حزب الله بهجومه من الجرود المقابلة لبريتال ونحلة، حيث ينتشر إرهابيو «النصرة». ففي «الوقت المستقطع» الذي فرضه الشتاء القاسي، أجرى حزب الله والجيش السوري سلسلة «عمليات» استباقية، تساهم إلى حدٍّ كبير في تطويق إرهابيي «النصرة» وقطع الطريق عليهم جنوباً وشرقاً. فإلى جانب عزل مدينة الزبداني وحصارها، (التي يسيطر عليها مسلحو «النصرة» و«حركة أحرار الشام» ومسلحون محليون)، أتت سيطرة الجيش السوري وحزب الله على التلال الغربية للزبداني، بهدف قطع الطريق بين المدينة السورية وجبال القلمون، وإغلاق الممرات الجبلية التي كان يستفيد منها مسلحو القلمون باتجاه بلدتي مضايا وسرغايا، لتبقى طرق إمدادهم نحو الشمال والشرق، حيث يبسط إرهابيو داعش سيطرتهم.
وتأتي تلك التحضیرات العسكرية، بموازاة شن هجوم على مدينة الزبداني في جنوب القلمون، وهي آخر معاقل المعارضة في ريف دمشق الغربي، حیث إن المعركة في الزبداني “ستتخذ الطابع الهجومي”، بينما طابع المعركة في جرود عرسال سيكون هجومياً ودفاعيا ضد هجمات محتملة للمسلحين»، خصوصاً ان جبهة عرسال تسلم دفتها الجيش اللبناني تفادياً لاي احتكاك حزب الله بالغنى عنه، وذلك “بهدف رد خطر هجمات المسلحين في الجرود”. وأوضحت مصادر مطلعة أن مسرح العمليات “سيكون داخل الأراضي اللبنانية في المنطقة الحدودية مع سوريا، حيث ينتشر المسلحون”، ذلك أن “وجودهم في المناطق السورية اقتصر على الجرود”.
الحرب النفسية اولى التباشير
منذ ان اعلن السيد عن حرب القلمون اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ومعها الاعلام المناصر للمقاومة والاعلام المضاد، راسمةً بقدر المستطاع ملامح المعركة بما توفر لها من معلومات. لكن الموضوع خبت في الاعلام كون خطاب السيد يفصله عن بداية الربيع عدة شهور، لتعود منذ ايام تلك المواقع لتشتعل من جديد ولكن هذه المرة بزخم اقوى كون المعركة اصبحت قاب قوسين او ادنى. لكن الكم المعلوماتي الذي تم تداوله قبل المعركة عن اعداد القوات(الاف) التي حشدها حزب الله ونوعيتها (قوات التدخل والخاصة) بالاضافة الى نيته استخدام طائرات الاستطلاع بكثافة على طول خط الجبهة وتشبيهها بمعركة القصير، الی جانب ضخامة القوة النارية المستعدة لتمطر جبال القلمون بشتى انواع الاسلحة، هذه المعلومات أحدثت بلبلة وفزعاً في صفوف المجموعات الارهابية مما جعلها تتخبط مع قيادتها التي اعلنت انه من المستبعد قيام المعركة، وذلك من اجل تهدئة المقاتلين الذين اصلا يعانون من ازمات مختلفة بسبب البرد والثلوج الذي تعرضوا له خلال الشتاء، وهذا ما ظهر على صفحات التواصل الاجتماعي ومن خلال طلبهم الدعم من فصائل داخل سوريا. ولم يكتف مناصروا المقاومة عند هذا الحد بل ذهب بعضهم الى اطلاق انشودات حماسية كمثل تلك التي اطلقت ابان معركتي القصير ويبرود لتعطي صورة واضحة عن تلاحم المقاومة وبيئتها الحاضنة.
اسباب اتخاذ قرار المعركة
ان اتخاذ قرار المعركة لم يكن اعتباطياً، بل كان له حيثياته التي فرضت نفسها على الواقع. لذلك كانت الرؤية واضحة لدى قيادة المقاومة ولهذا اعلنت منذ اشهر عن عزمها خوض المعركة طالبةً من الجميع في لبنان تحمل المسؤولية وخاصة الحكومة التي بحسب الظاهر في حالة غيبوبة عن اجواء حدود لبنان الشرقية.
لكن ما هي الاسباب التي دفعت المقاومة لاتخاذ هكذا قرار قبل اشهر من المعركة ؟
اولاً: خلال الاشهر الماضية قام حزب الله بمراقبة منطقة القلمون عبر تسيير طائرات من دون طیار بشكل مكثف، بالاضافة الى الرصد الالكتروني للاتصالات والتي اثبتت ان الجماعات التكفيرية تعد العدة للقيام بهجمات فور تحسن الطقس وبعد محاولة استقطاب افراد لها من القلمون الغربي، لذلك جاء القرار بالقيام بحملة استباقیة قبل ان يستعيد الارهابيون انفاسهم.
ثانياً: إضعاف جبهة القلمون بل إنهائها كلياً من اجل الحد من اثارها السلبية على الداخل اللبناني، وتأمين حماية اكثر للبلدات الواقعة على السلسلة الشرقية للبنان والتي يقطنها مسلمون ومسیحیون.
ثالثاً: الاستفادة من الجو العام في لبنان حالياً الداعم للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب، في ظل الحوار القائم بين حزب الله والمستقبل الذي ساعد على اعادة الهدوء ولو نسبياً.
رابعاً: تحصين الخطّ الدفاعي للمقاومة المُتقدّم على طول الحدود اللبنانية، بينما سيواصل الجيش السوري قطع خطوط إمداد المسلّحين المنتشرين في جرود البلدات الحدوديّة مع الداخل السوري.
بناءً على تلك الوقائع تبقى الايام او الساعات القادمة هي التي ستحدد مسار هذه المعركة المحسومة الاجراء ومُؤكدة النصر كما اعلن السيد نصرالله، لينتهي ربما فصل من فصول ارهاب داعش واخواته التي عاثت فساداً في جرود لبنان الشرقية وحاملة رسالة لمن يهمه الامر انه طالما المقاومة موجودة فلبنان خط احمر.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق