الحشد الشعبی ورقة النصر العراقیة
في الحروب يسود المبدأ القائل “إن الإرادة والمعنويات والعقيدة الإيمانية متقدمة جدا على السلاح والتجهيزات والمعلومات والاتصالات”، وإرادة الشعوب تعلو فوق كل إرادة. هذا ايضا ما اثبتته الحرب الأمريكية على الشعب العراقي، فلولا الإرادة والعقيدة الإيمانية لما تمكنت المقاومة العراقية الشعبية من الوقوف في وجه اكبر آلة عسكرية في العالم بأسلحة بسيطة وبدائية. فحين قررت الإدارة الأمریكية احتلال العراق كانت تأمل بإدارة شؤونه عبر حاكم عسكري يدير شؤون العراق لما فيه منفعة امریكا، من تفكيك لدول المنطقة واعادة تشكيلها وفق مشروع جديد يلائم مصالحها الحيوية، بالإضافة إلی الحفاظ على سلامة الكيان الاسرائيلي.
تمكنت المقاومة الشعبية التي حشدت طاقتها من الحاق الهزيمة بالاحتلال الأمریكي، فلم تستطع الإدارة الأمریكية حكم العراق لا بحكومة عسكرية ولا مدنية ولا من خلال مجلس حكم او حكومات الاحتلال. وعجزت قوات بوش المحتلة عن انهاء المقاومة عسكريا او الالتفاف عليها سياسيا، والخسائر في صفوف الأمریكيين آنذاك والتكلفة الاقتصادية للاحتلال، وحالات الانتحار بين الجنود وعدم تمكين الأمریكيين من تحقيق اهدافهم، اجبرت المحتل الأمریكي علی الاندحار ذليلا مقهورا.
لقد تمكنت المقاومة الشعبية العراقية من الوقوف بوجه سياسة امریكا التوسعية في المنطقة، لأن امریكا اعتبرت العراق بوابة دخولها الى المنطقة في مشروعها الشرق أوسطي الجديد. فامریكا تكبدت في العراق خسائر ستهدد مستقبلها كقوة وحيدة في العالم وتنهي احلامها الأمبراطورية على المدى البعيد وربما المدى المنظور.
المقاومة مجددا في مواجهة داعش
امریكا عدوة الشعوب والتي اندحرت من العراق مهزومة في آواخر العام ٢٠١١، لجأت الى اسلوب وتكتيك آخر، مستفيدة من الجماعات التكفيرية التي غذتها على مدى الأعوام السابقة لانسحابها، معولة في ذلك على تحقیق ما لم تستطع تحقيقه بنفسها، ومتناسية أن الشعب العراقي لا زال هو الشعب بل ان خبرته القتالية ازدادت ووعيه للمخاطر المحدقة ببلده اصبح اكبر. وجاءت فتوى المرجعية الدينية العراقية العلیا من جديد لتستنهض الهمم من ابناء الشعب العراقي بكافة أطیافه، ولتعود الحركات الشعبية المقاومة الى ساحات الجهاد وتبدد أحلام الحرب الأهلية التي وجدت لها مرتعا في مخيّلة كثيرين بعد اجتياح عصابات داعش الارهابية لمدينة الموصل، ومناطق أخرى في شمالي وغربي العراق.
وأمعن أفراد المقاومة العراقية فتكا بالدواعش في جرف النصر وصلاح الدين وبيجي وهيت، ما سهّل على رجال العشائر الانضمام إلى القوات الأمنية والمقاومة الشعبية، وقطع دابر مخطط الحرب الطائفية التي كان تعول عليها العصابات الإرهابية في البقاء والتمدد. وأظهرت الانتصارات الأخيرة للجيش العراقي والحشد الشعبي الذي اصبح يضم كافة الأطياف العراقية، أن عصابات داعش الارهابية تعجز عن مسك الأرض، حتى في المناطق التي كانت تعتبرها حواضن دائمة، ومجالاً حيوياً لها. وحسمت قوات الجيش والحشد الشعبي وفصائل المقاومة، معركة تطهير القسم الأغلب من المناطق التي سيطرت عليها جماعات التكفير والعمالة الأمریكية، والتي انتهت بهزيمة عصابات داعش الإرهابية.
فتطوع آلاف المقاتلين في فصائل الحشد الشعبي، منعاً من تحوّل الحرب على داعش إلى حرب بالوكالة، وبسبب ذلك، تنال قوات الحشد الشعبي الكثير من الاتهامات لزعزعة معنويات مقاتليها بعدما حالت دون تحول العراق الى ورقة بيد امريكا التي تسعى إلى التدخل بالشأن العراقي بمختلف السبل والوسائل. وبفعل التطورات الميدانية على الأرض، تحوّل العراق من دولة تستقبل الإرهابيين إلى طاردة لهم، بعدما نجح «المضاد النوعي» وهو «فصائل المقاومة» و«الحشد الشعبي» في حسم المعركة في الكثير من المناطق المضطربة في البلاد، ولا زال مستمرا.
ولأن داعش ما هو إلا صنيعة امريكية بامتياز، وما هو إلا استمرار لحرب امريكا على العراق ولكن هذه المرة بأيدي الجماعات التكفيرية، وهو ما لم يعد سرا بل تحدث عنه القاصي والداني، معبراً بأن هذا المارد “الجماعات التكفيرية” انبعث من القمقم الامريكي بهدف اخافة الشعوب والدول (التي تأبى الخضوع للإرادة الأمریكية) وجعله العصا التي تلوح بها امريكا بوجه من يتمرد على ارادتها، لكن الذي حدث ان هذا المارد الذي صورته امريكا بأنه لا يقهر، سقط في اول مواجهة على ارض المعركة على ايدي الحشد الشعبي ومقاتليه المجاهدين. الأمر الذي أدخل بالتأكيد امريكا في وضع مخزٍ وحرج، وأضعفها امام الرأي العام الدولي والأمريكي، ليتبين أن داعش مجرد لعبة تتطاير اجزاءها بمجرد هبة ريح من قبل الحشد الشعبي في العراق. وهذا يعني ان الوضع الجديد للعراق الذي رسمه بايدن بثلاثة اقاليم اقرب الى الانفصال لثلاث دول منه الى التوحد والعودة للعراق الواحد، تهاوى وأصبح حلم تفتيت العراق بعيد المنال بمجرد ان امتزجت دماء المجاهدين العراقيين من جميع المكونات في معارك الشرف ضد صنيعة امريكا داعش.
المقاومة أغاظت امریكا
هذه الدول التي اصبحت اطماعها واضحة لدى شعوب هذه المنطقة، القائمة على تفتيت البلدان الى دويلات صغيرة متناحرة,، تصدى لها الحشد الشعبي بقوة وإرادة وصلابة، ما أحدث صدمة وصلابة للإرادة الأمريكية. فامریكا اليوم متخوفة جدا من مقاومة الحشد الشعبي في العراق، لان الأيام والسنوات القادمة ستشهد استنساخاً لتركيبة المقاومة الشعبية هذه في باقي البلدان، باعتبارها المثال الناجح، وبذلك ستضرب المشروع الأمريكي في المهد. فالمقاومة الشعبية اصبحت الخيار الأنجح، الذي يحقق الهدف في مقاومة العدو، وهو الورقة الأقوى اليوم في العراق، يحسب حسابها في اي خطوة سيقدم عليها اعداء العراق. ولذلك ما من حل أمام أمريكا وأدواتها في المنطقة إلا السعي للتشويش على الحشد الشعبي المقاوم، لأنها فشلت في مواجهته ومحاربته والقضاء عليه.
لكن الحشد الشعبي يوما بعد يوم يسير قدما في تحرير الأرض وطرد العصابات المنحرفة (داعش)، من دون أن يهتم بالصدمة الأمریكية التي اصابتها. فالعقيدة والإرادة التي تسلحت بها مقاومة الحشد الشعبي، لا يوقفها صخب الخاسرين. إنهم رجال يقدمون اغلى ما يملكون لتحقيق النصر على عدوة الأمة، وهذه النية الخالصة لا توقفها مخططات دوائر المكيدة، وسينتصر الحشد الشعبي رغم انف المعتدين.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق