البحرین یقمع شعبه بأوامر آل سعود .. والثورة مستمرة
ما يعد امراً بديهيا في بلد كالبحرين، ان يتحرك شعبه ليطالب بالحد الأدنى من حقوق المواطن. هو انتفاض بوجه ظالم حرمه من ابسط حقوقه السياسية، ومارس بوجهه سياسة التهميش والأقصاء. ومما لا شك فيه انها حركة مظلوم بوجه متسلط استبدادي، تستحوذ عليه النزعة المذهبية التي تغذيه بها دول اقليمية. فشعب كالبحرين غاية ما يطمح به، ان يشعر بالحرية والكرامة في بلده، وشعاراته على مدى السنوات الأربع منذ أن انطلق حتى اللحظة مستمرة وشاهدة على ذلك.
ومن البديهي أن يصم المستأثرون بالسلطة من آل خليفة آذانهم عن مطالب شعبهم المحقة، ورفض أي شكل من أشكال الحوار، ولأن الشعب البحريني اثبت ومنذ الأيام الأولى سلمية وحضارة تحركه، وثباته على الاستمرار بالمطالبة بحقوقه دون أن تثنيها الأيام والتضحيات، وهو ما كان يهدد آل خليفة وحكمهم القائم على زرع بذور الشقاق والضغينة بين الامة، أدرك آل خليفة استراتجية التحرك فلجأوا الى القمع والقتل والسجن والترهيب وسحب الجنسيات. فهكذا حكومات لا تعير أدنى احترام لحقوق الإنسان وهي التي أخذت شرعيتها من حكام جائرين كأمثالها، وهذا ما ترجمه آل خليفة من خلال الاستنجاد بأشباههم من آل سعود، الذين دخلت قواتهم لقمع الحركة المطلبية الاصلاحية السلمية في البحرين. فالدولة الشرعية حينما تتعرض لاعتداء خارجي تستنجد بشعبها، اما السلطة الفاقدة للشرعية فتستنجد بالخارج لقمع شعبها.
تحرك آل سعود عسكريا في اذار ٢٠١١ تحت اسم ” قوات درع الجزيرة” التابعة لمجلس التعاون الخليجي، وارسلت قوى برية وبحرية قوامها ٢٥٠٠ جندي وضابط منهم ١٢٠٠ من الجيش السعودي و٨٠٠ من الامارات، والباقي قوى بحرية من الكويت وبرية رمزية من قطر وعمان. تحرك آل سعود عسكريا نحو البحرين باعتبارها خط دفاع اول عن الحكم الوهابي فيها وللدفاع عن المصالح الأمریكية في البحرين، ولأن اي تغيير نحو الحرية وكرامة الشعب في البحرين يعتبر خسارة استراتيجية لآل سعود لا تعوض وتهددهم في المستقبل. فعليه رأت ان غاية الوجود العسكري السعودي في البحرين هو منع اي تغيير او احداث اي اصلاح يمكن أن ينشأ حالة شعبية متحررة من القيود والتبعية، إن كان تحررا من تسلط آل سعود، أو من المصالح الأمریكية.
آل خليفة ارعبهم مطالب الشعب، فهم من اعتاد على الحياة السلطوية التي يرثها ولد عن ابيه، كما ارعب واخاف آل سعود انهيار منظومة الحكم الاسروي الوراثي في الخليج. لقد ادركت السعودية ان نجاح الحركة المطلبية في البحرين في ارساء قدر من الحرية والديمقراطية والمساواة بين افراد الشعب على اساس المواطنة التامة كما تطالب القوى الشعبية المتحركة، سيؤدي الى احداث ثغرة في منظومة الحكم الوراثي الاسروي السائد في الخليج وقد يتمدد الى دول اخرى وقد يصل الى زعزعة بنية النظام الوراثي الخليجي ولا يقتصر على البحرين بل سيشجع على الانتقال الى السعودية ذاتها.
تدخل آل سعود السافر في البحرين والذي يعد احتلالا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وانتهاكاً للشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وقتلاً للقيم الديمقراطية الناشئة في المنطقة العربية، فهو مخالف للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول ومنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها إلا في حالة الدفاع الشرعي، فهذا التدخل هو بمثابة انتهاك لسيادة دولة مستقلة حتى لو كان بطلب من الحكام، فغالبية الشعب البحريني رافض للتدخل.
فآل سعود بتدخلهم السافر في البحرين ليسوا بالأمر الجديد في المنطقة، فالكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان يظهرون بين الحين والآخر القلق من أن التقارب مع آل سعود قد يؤدي إلى هيمنتهم المطلقة عليهم، وينظرون بعدم الارتياح لتقارير عن أن آل سعود سيقومون بضم البحرين بحجة الاتحاد بين البلدين في خطوة منهم لتغيير ديموغرافية البحرين التي تشهد احتجاجات واسعة منذ أكثر من سنة ضد الاسرة الحاكمة ومطالب شعبها يتلخص بالاصلاحات والديمقراطية.
كما ترى قطر في هذا كله طريقة من قبل آل سعود لتقويض العلاقات الثنائية بين دول الخليج الفارسي وفرض جدول أعمالها عليها، وتخشى دول الخليج الفارسي الأصغر فقدان النفوذ الاقتصادي والسياسي لصالح آل سعود، لتسيطر أيضا على قطاع النفط والغاز الأكثر أهمية في المنطقة. كل هذا يترجمه آل سعود في سلوكهم التعاملي السلطوي مع دول الجوار، كتعاملهم مع البحرين وتدخلهم السافر فیها، ويؤيد ذلك ما نشهده في ايامنا هذه من عدوان يشنه آل سعود على الشعب اليمني.
ويأتي صمود الشعب البحريني باستمراره بالمطالبة السلمية الراقية للحصول على حقوقه كمواطن كريم عزيز في بلده، وصمود الشعب اليمني المقاوم بوجه المؤامرات والاعتداءات عليه خير دليل على رفض شعوب المنطقة لسياسات آل سعود التدميرية السلطوية، ورفضهم الخضوع للقرارات والارادات الخارجية. وآل خليفة مهما استخدموا القوة ضد شعبهم واستنجدوا بآل سعود، سيدركون عاجلا أو آجلا ان آل سعود سيأتيهم الدور وستنتفض الضمائر الحية في وجههم ووجه كل متسلط متآمر على الامة، لكن لن يجدوا آنذاك من ينجدهم وسيحصدوا الخيبة والعار جراء افعالهم واعمالهم في المنطقة.
تقرير المصير حق للبحرينيين كسائر الشعوب، فمن حقهم ان يواجهوا وجود المعتدي على اراضيهم بكل الادوات السلمية، ومن حق الحراك الشعبي البحريني ان يذهب الى ما يراه مناسبا من المواجهة المدنية السلمية من اضراب وتظاهرات لأنه حق مكفول دوليا. الثورة البحرينية تدخل عامها الرابع بعزيمة اشد واصرار على التغيير السلمي لتحقيق التحول الديمقراطي ونقل المملكة الصغيرة من “نظام القبيلة” الى “نظام ديمقراطي” تسوده العدالة والمساواة. مطالب رفعتها المعارضة الوطنية والديمقراطية في البحرين منذ اليوم الاول لانطلاق الثورة في الرابع عشر من فبراير/شباط ٢٠١١، برلمان منتخب وحكومة منتخبة ووقف التمييز مهما كلف الثمن. والى ان يثمر “الحوار العبثي” الذي دعت له السلطة التي لم تتخل عن خيارها الامني، ثورة البحرين مستمرة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق