طائرات التجسس الأمریکیة .. إنتهاک القرن
تقدّر مؤسسة نيو أمریكان (New American Foundation) عدد الهجمات والغارات العسكرية التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية باستخدام الطائرات الموجهة عن بعد ومن دون طيار منذ عام ٢٠٠٤ حوالي ٥٠٠ غارة، في حين تذهب العديد من المؤسسات الحقوقية إلى التأكيد على أن عدد الغارات بالآلاف.
جدل عالمي وانتهاك للحريات
اللجوء المفرط لاستخدام الطائرات بدون طيار في السنوات الأخيرة، اثار موجةً من الجدل داخل أمريكا وخارجها، لما ترتب عنه من وقوع حوادث وقتل مزيدٍ من المواطنين الأبرياء، أو من انتهاكات للقانون الدولي والاعتداء على سيادة الدول الأخرى، الأمر الذي دفع بصحيفة “نيويورك تايمز”إلى القول، بأن “عمليات الطائرات بدون طيّار قد شوهت صورة السياسة الخارجية الأمريكية، ولصقت بها طابع العنف”. الصحيفة حثت الرئيس باراك أوباما على تفعيل الاقتراح الذي قدمته إدارته لتحويل عمليات الطائرات بدون طيّار من أيدي الاستخبارات الأمريكية إلى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”، مع العلم أن أوباما قد تعهّد في حال إعادة انتخابه(الدورة الثانية) بأنه يريد مساعدة الكونجرس بوضع بنية قانونية لكبح جماح أي رئيس أمريكي في بعض القرارات السياسية، وهو ما يعرف بالعمل على إصدار نسخة منقحة ومعدلة من قانون “التخويل باستخدام القوة” الذي أصدره الرئيس بوش الابن في سبتمبر ٢٠٠١، ولكن كما يقال في الموروث الشعبي “على الوعد يا كمون”.
أمريكياً أيضاً تحذر منظمات حقوقية مثل الاتحاد الأمريكي للدفاع عن الحريات المدنية من اتساع رقعة استخدام وتوظيف هذا النوع من الطائرات، خوفًا من التعدي على الخصوصية الشخصية والتجسس بجمع المعلومات الاستخبارية أو شل حرية التعبير من خلال مراقبة الأنشطة السياسية بذريعة تنفيذ القانون في مكافحة الإرهاب. جدل الطائرات لم يقتصر على الداخل الأمريكي فقط، بل امتد إلى خارجها حيث قامت بعض المنظمات والحركات المناهضة للتدخل الأمريكي في شؤون العالم، بتنظيم مظاهرات ضد هذه الطائرات والغارات، وتطالب بوضع حد وقيود لكيفية تنظيم إجراءات استخدام هذه التكنولوجيا داخل أمريكا وخارجها. كذلك حظيت الشهادة التي قدمها الطالب اليمني في أمريكا فارع المسلمي أمام الكونجرس باهتمام واسع عالميًّا، حينما أكد في شهادته على حادثة قتل في غارة أمريكية بطائرات دون طيار على إحدى قرى اليمن، أن هذه الغارات تساهم إلى حد كبير في تشويه صورة أمريكا في الشرق الأوسط والعالم، وتزيد من مشاعر العداء لأمريكا، وزيادة تأييد الجماعات الإرهابية.
إنتهاك قواعد القانون الدولي
أدى الإفراط الأمريكي في استخدام الطائرات بدون طيار إلى زيادة حدة الرفض والنفور الدولي من هذه السلوكيات التي تعتبر في نظر الكثير من خبراء القانون الدولي انتهاكًا صريحًا لقواعد القانون الدولي وانتهاكًا لمبادئ المنظمة الدولية، التي تنص على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وفي هذا السياق يؤكد المحامي الدولي والمقرر العام للجنة مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان “بن إيمرسون” رفض أعضاء المنظمة الدولية مثل هذه التقنيات، موضحاً “إن على المجتمع الدولي أن يخرج عن صمته إزاء قتل الأبرياء بسبب استخدام هذا النوع من الأسلحة”.
لا شك في أن الانتهاك الأمريكي يعارض أهداف ومبادئ منظّمة الأمم المتّحدة التي تنص على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. فبالنسبة لمبدأ احترام سيادة الدول، يُشكّل مبدأ المساواة في السيادة إحدى الركائز الأساسيّة التي يقوم عليها التنظيم الدولي بصفةٍ عامةٍ ومنظمة الأمم المتحدة بصفةٍ خاصة؛ ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على أنْ “تقوم الهيئة على مبدأ المُساواة في السيادة بين جميع أعضائها”. وقد أشارت إلى هذا المبدأ ديباجة الميثاق بتأكيدها على الحقوق المُتساوية بين الأمم. وتُعتبر المُساواة في السيادة من أهم مبادئ القانون الدولي، كما أن استخدام الطائرات من دون طيار يتعارض مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء؛ حيث يعتبر هذا المبدأ من المبادئ المُستقرة في القانون الدولي العام، وفي مواثيق كافة المنظمات العالمية والإقليمية على حد سواء. ولذلك نصت المادة٢/٧ من الميثاق على أنّه “ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخّل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة، وليس فيه ما يقتضي أن يعرضوا مثل هذه المسائل، لأن تحكم بحكم هذا الميثاق”، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الوارد في الفصل السابع.
كذلك يتعارض مبدأ حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية مع استخدام الطائرات من دون طيار في الحروب الأمريكية المزعومة على الإرهاب؛ حيث ورد هذا المبدأ في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك في المادة ٢/٤ التي تلزم كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالامتناع في علاقاتهم الدولية عن أنْ يُهدّدوا بالقوة أو يستخدمونها ضد سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.
أسباب الانتهاك الأمريكي
تذهب تحليلات الى أن الاتجاه المفرط من الجانب الأمريكي في استخدام الطائرات العسكرية بدون طيار هو للتأكيد على الحضور الأمريكي في المنطقة أو التعويض عن الفشل بعد أن قامت واشنطن بإخراج جنودها وسحبهم خارج المنطقة من ناحية والتجسس على كافة الدول الصديقة والعدوّة من ناحية أخرى. كذلك يذهب عدد من الخبراء إلى أن ميل أمريكا إلى التوسع في استخدام الطائرات العسكرية بدون طيار يهدف للتعويض على عدم قدرة القوات الحليفة لها في الدول التي تشهد تهديدًا إرهابيًّا متصاعدًا مثل باكستان واليمن وأفغانستان والعراق، في حين يذهب آخرون إلی فرضية استخدام هذه الطائرات لإدارة الجماعات الإرهابية وحمايتها لاستخدامها في إطار المشروع الامريكي الكبير، ولكن ضربها اذا ما خرجت عن السمع والطاعة.
إلى أين؟
بعيداً عن الأسباب والنتائج، وفي ظل الإصرار الامريكي على تجاهل القانون الدولي ومطالبات الدول المُنتهكة بوقف الانتهاكات الجوية، واستخدام هذه التقنية العسكرية، يتبادر إلى أذهاننا البحث عن سبل الخلاص من هذا الشر المحدق، هل يكفي الاعتراض والتصاريح الإعلامية رغم مرور أكثر من عقد على الضربات الجويّة الأمريكية.
الجواب يأتي من الميدان عبر التصدي للطائرات الأمريكية عسكرياً، وهذا بالفعل ما تجلى في تصدّي طهران لأي اعتداء أو انتهاك للسيادة من قبل الامريكي عبر إسقاط كافة الطائرات المعتدية، لذلك على دول المنطقة تعزيز قدراتها الدفاعية لأن “منطق القوّة” الأمريكي لا يردّ إلى بالقوّة.