ترکیا بین تدخلات الحزب الحاکم فی سوریا وانتقادات معارضیه
يأتي تدخل الحكومة التركية في سوريا ليثير موجة غضب شعبية وسياسية معارضة، فمع اتهام حكومة أردوغان من قبل خصومها بأن مؤازرتها للجماعات التكفيرية في سوريا هي السبب في ازدهار داعش وظهور الدعم الداخلي للفكر التكفيري، يرى هؤلاء المعارضون السياسيون والحركة الشعبية بأن المشكلات التي تعاني منها تركيا اليوم مردها الى هذا الدعم من قبل حكومتهم. فتركيا اليوم تضم اكثر من ١.٥ مليون لاجىء سوري، كما تسبب الدعم للتكفيریين أيضا بتفاقم التشنجات التي تعتمل بين العلمانيين واليساريين والأكراد والإسلاميين. وعلى وجه الخصوص، أثار الحضور المتنامي لتنظيم داعش في تركيا، الاستقطاب في البلاد.
الحكومة التركية اليوم وبعد أن اغرقت نفسها بالوحل السوري، تتعرض لانتقادات شديدة من الداخل والخارج بسبب سياسة الباب المفتوح التي أدت إلى تدفّق آلاف المقاتلين الجهاديين الأجانب إلى سوريا عبر الحدود التركية. وقد حشد داعش دعماً كبيراً داخل تركيا، بحسب ما تظهره التقارير عن الخلايا الجهادية في البلاد والمستشفيات التي تعالج الجهاديين، والاشتباكات في جامعة اسطنبول بين أنصار داعش ومعارضيه في تركيا، ووجود آلاف المقاتلين الأتراك في سوريا، فهل أن تركيا تعيش مأزقا داخليا حقيقيا؟ وما مدى صحة الحديث عن الخطر الذي يهدد وحدة البلاد وكيانه؟
هذه الانتقادات الشعبية والرسمية والإعلامية التي تعيشها البلاد اتجاه سياسة الحزب الحاكم يمكن عرضها كالتالي :
انقسامات سياسية بين الحزب الحاكم والمعارضين
تعمد الحكومة التركية في خطاباتها التي تلقيها لحشد الشعب التركي ضد سوريا، وعلى الرغم من ذلك إلا ان الشعب التركي معارض بشكل كبير لسياسة بلاده في التدخل. يؤكد ذلك التصريحات التي يدلي بها زعماء الأحزاب المعارضة والذين يتمتعون بشعبية واسعة. فقد أدان قسم كبير من المجلس الوطني الاعلى التركي والاحزاب المعارضة في تركيا اردوغان لتضليل الشعب التركي وسوق بلادهم نحو الكارثة.
فالتصريحات الصادرة من حزب الشعب الجمهوري، ثاني أكبر حزب سياسي في الأحزاب المعارضة، أدانت الحكومة في أنقرة على موقفها من سوريا. واتهم زعيمها كمال كيليك داراوغلو علنا رئيس الوزراء اردوغان بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، وقد انضم كيليك داراوغلو الى أطراف سياسية أخرى في تركيا التي تدين أردوغان وحزبه الحاكم. كما يتفق زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلى مع افرقائه المعارضين، بإدانة الحكومة التركية بتهمة أنها تجر البلاد الى حرب مع سوريا نتيجة التدخل في شؤونها، ورضوخ تركيا للممارسات التي تقوم بها بعض الدول لإجبارها على التدخل في سوريا، مع الإشارة الى أن بهجعلي يقود أكبر حزب سياسي تركي.
كما أوضح حزب السلام والديمقراطية، وهو أكبر رابع حزب سياسي تركي، بأنه ضد الحرب مع سوريا، وحذر السياسي صلاح الدين دميرتاز الذي هو واحد من قادة حزب السلام والديمقراطية، أن أي دعم للجماعات التكفيرية سيجر تركيا الى حرب مع سوريا وبالتالي الى حرب أوسع نطاقا في المنطقة.
كما تشير تصريحات الحسن البصري اوزباي، نائب زعيم حزب العمال التركي، إلی معارضة حزبه الشديدة لتدخل حكومته في سوريا، معتبرا أن استمرار نهج الحكومة التركية قد يدفع حزبه الى تقديم شكوى ضد الرئيس التركي أردوغان مع ميكلس التركي والمحكمة العليا لمقاضاته.
كما أن ترأس مصطفى كمالاك زعيم حزب السعادة وفداً تركياً لزيارة بشار الأسد لإظهار دعمهم لسوريا ومعارضتهم لسياسات أردوغان، يشير إلا مدى الهوة الكبيرة الموجودة بين السیاسة التي ينتهجها الحزب الحاكم في سوريا وبين المعارضين السياسيین الذين يزدادون يوما بعد يوم، خصوصا في ظل وجود مخاوف من انزلاق البلاد الى نزاعات وحروب قد يصعب السيطرة عليها، يضاف إلى ذلك ازدياد نمو داعش بين الأوساط الشعبية التركية.
معارضة شعبية لسياسة اردوغان
تشهد تركيا بين الحين والآخر تظاهرات شعبية مستنكرة لقرارات وسياسات حكومتهم، والتي تنظمها الأحزاب والجمعيات المعارضة. ففي اليوم الذي اقرت فيه الحكومة التركية قانوناً يجيز للقوات التركية الدخول الى مساحة معينة من سوريا، خرجت في أنقرة واسطنبول مظاهرات مناهضة للحرب وضدّ القرارات التي صدرت عن البرلمان. کما أن هناك أيضا استياء متزايداً في أوساط المواطنين الاتراك حول تعاون أردوغان مع أمریکا وحلف شمال الأطلسي والکیان الإسرائيلي والأنظمة الديكتاتورية العربية مثل قطر و السعودية ضد السوريين وغيرهم. حیث یعارض غالبية المواطنين الأتراك العلاقات التركية مع الکیان الإسرائيلي، واستضافة مرافق الناتو في تركيا، ومشروع الدرع الصاروخي، والتعاون مع أمریکا في الشرق الأوسط.
كما وتظهر استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في تركيا وجود تراجع لنفس الأسباب في تأييد المواطنين الأتراك لسياسة حكومتهم تجاه سوريا. وحسب استطلاع أجراه المعهد التركي متروبول فإن ما نسبتهم ثمانية وعشرين في المائة فقط من الذين استطلعت آراؤهم يعتقدون أن الحكومة التركية تتعامل بشكل صحيح مع الأزمة السورية. ولم تبلغ هذه النسبة حتى بين المواطنين الأتراك الذين صوتوا في الانتخابات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية إلا ثمانية وثلاثين في المائة. وكذلك ينتقد حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد سياسة الحكومة تجاه سوريا، ولكن لأسباب مختلفة. فقد وصفت مؤخرًا نائبة رئيس حزب السلام والديمقراطية غولتن كيزاناك سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا بأنها لعبة سياسية جديدة تلبي الحكومة من خلالها المطالب السياسية الأمريكية وتتخذ في الوقت نفسه من الصراع مع الجارة سوريا ذريعة لمهاجمة الأكراد في شمال سوريا.
معارضة على المستوى الإعلامي
انتقادات كثيرة تعرضت لها سياسة اردوغان تجاه التدخل في سوريا، ما دفع بالحزب الحاكم الى انتهاج ممارسات عديدة لإخضاع وسائل الإعلام والسيطرة عليها، بدءا من تجييش الإعلام الموالي، وصولا إلى قمع الأصوات الصحفية المعارضة.
وتشير التقارير الى وجود حصيلة واسعة من الانتهاكات ضد الصحفيين الأتراك، في ظل سياسة القمع التي انتهجها الحزب الحاكم، خاصة بعد الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكومة في أواخر العام ٢٠١٤، في ميدان تقسيم. وكشف تقرير برلماني تركي، فصل ٩٨١ صحفيا تركيا معارضا من عملهم بين شهر يناير وشهر أغسطس الماضي، وذلك بسبب ضغوط الحكومة التركية على وسائل الإعلام غير الموالية لها، إضافة إلى معاقبة وسائل الإعلام التي تنتقد سياسات الحكومة بواسطة وزارة المالية والمجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون وتخصيص إعلانات الوظائف بالقطاع العام لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة، وفق ما كشفت وكالة جيهان التركية أول أمس.
ويعمل الحزب الحاكم علی ممارسة ضغوط على وسائل الإعلام المخالفة لسياسته التدخلية بطرق متنوعة مثل حرمانها من المناقصات والإعلانات وإثقالها بالضرائب وتنظيم حملات التفتيش أو منعها من بث برامجها وأخبارها المعارضة للحكومة.
إلى أين:
في ظل هذه التحديات التي تواجهها الحكومة التركية، تشير كل الخيارات باتجاه التدخل على نطاق أوسع في سوريا، سواء عمدت حكومة أردوغان إلى تليين موقفها المتشدد من الأسد، أو أبدت تعاونا أكبر مع أمریکا في السياسات المناهضة لتنظيم داعش الإرهابي، أو تشددت في موقفها عبر رفض التعاون مع الأكراد ومواصلة دعم المعارضة، قد تحشد بعض شرائح المجتمع حولها فيما تثير أكثر فأكثر نفور شرائح أخرى والتي تزداد يوما بعد يوم، وقد تسببت الأزمة في سوريا برفع الرهانات بالنسبة إلى جميع الأفرقاء المحليين في تركيا، وبالتالي تأجيج الخصومات القديمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار مرحلة الاستقرار الأكبر في التاريخ التركي الحديث.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق