التغییرات فی السعودیة: فضحٌ لحجم الدور الأمریکی فی البیت السعودی
التغييرات التي شهدتها السعودية، تعد الثالثة منذ تولي الملك سلمان للحكم. وقد اعتبر مراقبون هذه التغييرات بمثابة انقلاب قصر ناعم، للإطاحة برجال الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز. ووصف البعض التغييرات بأنها “انقلاب سديري ثالث” بعد انقلابي الملك فيصل على الملك سعود في ١٩٦٤ وإطاحة الملك فهد بالملك خالد في ١٩٨٢. لكن هذه المرة تخطت التغييرات العرف القائم، بأولوية الأبناء على الأحفاد، حسب وصية تنسب للمؤسس عبدالعزيز آل سعود. وهنا يجري الحديث عن أسباب التغييرات ونتائجها، في وقتٍ أصبح فيه واضحاً أن حالةً من عدم الاستقرار الداخلي تسود السعودية اليوم. فما هي التغييرات الحاصلة؟ وما هي دلالاتها؟
أولاً: ما هي التغييرات الحاصلة؟
أشار خبراء في الشأن السعودي أن الخطوة الجديدة التي قام بها الملك سلمان منذ أيام، هي استكمال لانقلاب القصر الناعم الذي بدأ بعد وفاة الملك عبد الله وقبل مبايعة الملك سلمان. وهنا سردٌ لا بد منه، لمعرفة ما جرى:
– في ٢٣ كانون الثاني الماضي وقبل أن تمر ساعات على وفاة الملك عبد الله، لم ينتظر العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، دفن سلفه بل سارع وقبل أن تبدأ مراسم “البيعة الرسمية” الى إصدار ٦ مراسيم ملكية مكنت ما يعرف بالجناح “السديري” في الأسرة الملكية من إحكام قبضته على السلطة. وبالتالي تمكن الملك سلمان من حسم معركة الصراع على السلطة لصالحه مرة أخرى. وقضت المراسيم حينها بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد ووزيراً للداخلية، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، ورئيساً للديوان الملكي، قبل أن يتم ترقيتهما في التغيير الجديد منذ أيام إلى منصبي ولي العهد وولي ولي العهد. لكن ما حقيقة ما جرى؟
– إن مراسيم سلمان الستة تعتبر انقلاباً ناعماً داخل الأسرة الملكية السعودية وذلك بهدف إعادة ترتيب البيت الملكي، وتقوية السديريين السبعة وهم الإخوة الأكثر نفوذاً من أبناء الملك المؤسس “عبد العزيز آل سعود”، والذين ضعف نفوذهم بشكل غير مسبوق في عهد الملك الراحل. لكن الملك سلمان لم يكتف بذلك.
– فبعد أقل من أسبوع من التغيير الأول وتنصيب الملك وبالتحديد في ٢٩ كانون الثاني الماضي، أصدر الملك سلمان، ثلاثين أمراً ملكياً، كأكبر تعديل وزاري تشهده السعودية، وذلك بالتزامن مع أوامر بصرف راتبين لكل موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، وأيضاً مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي داخل وخارج السعودیة، وإعانة شهرين للمعاقين، وصرف راتب شهرين للمتقاعدين، وصرف مكافأة شهرين لمستفيدي الضمان الاجتماعي. والواضح أن الهدف كان محاولة الملك سلمان شراء ولاء العسكر والأمن خوفاً من التمرد، وسعياً الى إسكاته والحيلولة دون حصوله.
ثانياً: الأهداف والدلالات:
بالرغم من أن السعودية أثبتت فشلاً ذريعاً على صعيد السياسات الداخلية والخارجية، إلا أن تغييراً من هذا النوع لن يحدث لو لم يكن هناك من ورائه هدفٌ ما. وبين الاختلاف على قراءة الموضوع، كسببٍ للعدوان على اليمن، أو أنه بحد ذاته نتيجة، فإن التغييرات الحاصلة ستكون المنعطف الثاني الأهم الذي يواجه السعودية، بعد عدوانها على اليمن. ولذلك يمكن قراءة المشهد السعودي من خلال التالي:
إن الجناح السديري الذي وصل الى الحكم، معروفٌ بقبضته الحديدية وتحالفه مع المؤسسة الوهابية في الداخل. الى جانب ولائه المطلق خارجياً للغرب وبالتحديد أمريكا. ولعل المتابع لتاريخ السعودية المعاصر يعرف الاختلاف بين الملك عبد الله الراحل، والجناح السديري، وهو ما يوضح ما يجري اليوم. فإقصاء مقرن لم يكن من دون سبب، وهو الذي حكا عن خلافه مع الملك سلمان ومحمدیه، أي بن سلمان وبن نايف، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وبالتحديد موضوع العدوان على اليمن، كما يعارض تدخل السعودية في العراق وسوريا وباقي دول المنطقة.
لذلك يمكن التأكيد، أن التحالف الوهابي(السديري)-الأمريكي، ليس بعيداً عن هذه التغييرات. فتدهور حالة الملك سلمان الذي يعاني من أمراض عديدة وفق تقارير غربية، الى جانب إعطاء وزارة الخارجية الى السفير عادل الجبير، يدل بشكل كبير على أن طبخة التغييرات جرت في واشنطن، وأن الأمریكيين استغفلوا الأجنحة الأخرى في الأسرة السعودية، وخاصةً جناح متعب بن عبدالله، فيما يشبه ما فعلته بريطانيا مع شريف مكة، عندما باعته الى ابن سعود!
وهنا يمكن القول إن الصراع على السلطة بين أبناء وأحفاد عبد العزيز آل سعود والذين يصل تعداد أمرائهم الى خمسة آلاف، وبعد وفاة ما يمكن وصفهم بـ”حكماء العائلة الكبار”، هو أحد أهم أسباب المشاكل داخل البيت السعودي. الى جانب أن النظام السعودي أصبح يشعر بأنه يشيخ، في ظل انعدام أفق المشاركة السياسية والتنموية والاقتصادية والاجتماعية لدى القطاعات، الأمر الذي قد يساعد بتحسينه وصول جيلٍ شابٍ الى الحكم.
ولا بد من الإشارة الى رؤية الغرب وبالتحديد أمريكا للخلافات الحاصلة. فطبقًا لتقرير إنتليجانس أون لاين، فإن إدارة أوباما سعت جاهدة لتنصيب الأمير سلمان ملكًا وهو ما نجحت فيه بالفعل، ويبدو محمد بن نايف هو الحل المفضل لدى أمريكا لخلافة سلمان، حيث يتمتع بعلاقات قوية مع CIA ، ويدير بتوجيهاتها الملفات في سوريا واليمن. ويذكر الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، “سايمون هاندرسون”، أن رؤية محمد بن نايف الأمنية تتفق مع الرؤية الأمریكية في ملف الإرهاب، وإن كان يختلف برؤيته عن سلفه (بندر بن سلطان) في التعامل مع الإسلاميين عموماً معترضاً على نهج السعودية في دعم المقاتلين الإسلاميين بهدف إسقاط نظام الأسد، خوفًا من تكرار تجربة أفغانستان بعد أن تولت السعودية وقتها تصدير الجهاديين لمحاربة السوفييت، وهو ما أفرز في النهاية تنظيم القاعدة، ويبدو أن مخاوف بن نايف قد صدقت مع صعود نجم تنظيم داعش الإرهابي. ولا يمكن تجاهل أن بن نايف يحظى داخلياً بشعبية كبيرة بين أبناء السعودية، فيعتبره البعض الأكثر شعبية من بين أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود.
لقد أثبتت الأحداث الجارية حجم الدور الأمريكي في السعودية، وهو ما يدل على حجم التبعية الموجودة لهذا النظام، بل يؤكد مقولة إن السعودية أداةٌ أمريكية اليوم صُنعت ولأهدافٍ معينة. ولذلك فقراءة التغييرات دون أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار، سيكون بعيداً عن الحقيقة. ولكن السؤال الأهم اليوم هو: ما هو الدور الذي سيقوم به الحكم الجديد في السعودية مستقبلاً؟ وهل لهذا الحكم قدرةٌ على الاستمرار؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق