ماذا وراء تعیین بن سلمان رئیساً لـ”أرامکو السعودیة”؟
تتوالى قرارات الملك سلمان في رسم مستقبل السعودية، حيث أصدر مؤخراً قراراً يقضي بتعيين ابنه ولي ولي العهد وزير الدفاع الوطني ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيساً للمجلس الأعلى لشركة “أرامكو السعودية” التي تعد منتج النفط الرئيسي في البلاد، وأكبر شركة بترول في العالم.
القرار الجديد هو الأول بعد سلسلة قرارات انقلاب “الفجر الصامت” التي أطاحت بمقرن وجعلت محمد بن نايف ولياً للعهد، ووضعت محمد بن سلمان على سكّة المُلك، ويأتي في ظل انخفاض أسعار النفط بالتزامن مع حرب مكلفة على نحو متزايد وصرف مكافآت ضخمة للعاملين في القطاعين العسكري والأمني، والغاية واضحة: ترسيخ سلطة محمد بن نايف وزير الداخلية، ومحمد بن سلمان، وزير الدفاع، وكذلك بالتزامن مع صرف المليارات في سبيل شراء المخالفين من العائلة الحاكمة. فما هي حيثيات هذا القرار؟ وما الهدف من وضع الملف الاقتصادي بأكمله في يد محمد الابن؟
من الديوان إلى ولاية العهد الثانية
عندما استلم الملك سلمان زمام الامور في قصر الحكم سارع إلى تعيين ابنه محمد رئيساً للديوان الملكي، ومن ثم عيّنه في منصب وزارة الدفاع الوطني، ورئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية التي تشرف علی المشاريع الاقتصادية في البلاد، وبالتالي بات محمد الابن متحكماً بقرارات الملك عبر الديوان، وبالقرارات الاقتصادية عبر اللجنة وبالقرارات العسكرية عبر وزارة الدفاع، وهذا ما ظهرت معالمه سريعاً عندما شنّت القوات السعودية عدوانها العسكري على اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم.
لا شكّ في أن الحرب السعودية على اليمن كانت خطوة مدروسة من قبل المحمدين لتنفيذ سيناريو “الفجر الصامت”، خاصةً أن إعفاء ولي العهد من منصبه سابقة في تاريخ الدولة السعودية، حتى أن الخلاف الذي نشب بين سعود وفيصل في مطلع الستينيات من القرن الماضي لم يصل إلى حدّ إعفاء سعود لأخيه فيصل من منصبه، كما أنه تجاهل الأمر الملكي رقم أ/٨٦ الصادر عن الملك عبدالله بتاريخ ٢٨ آذار ٢٠١٥ ينص على أن أمر تعيين مقرن في ولاية العهد «لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان، أو تسبيب، أو تأويل، لما جاء في الوثيقة الموقّعة منّا ومن أخينا سموّ ولي العهد..» أي سلمان. ومن الواضح أن هذه الفقرة كان يراد منها قطع الطريق على الملك، بعد عبدالله، في إجراء أي تعديل، إذ لا يمكن تصوّر حصوله في عهد الملك عبدالله.
سلمان سعى جاهداً للحد من الانتقادات التي قد توجّه له عبر ثلاثة محاور، المحور الاول هو اعتماد سياسة الترغيب والترهيب حیث تم صرف عشرات المليارات من الدولارات لإرضاء بعض الأطراف التي خالفت قيام سلمان بتجاهل هيئة البيعة ومحاولته شخصنة الحكم، أما المحور الثاني فكان في الثناء والحملة الإعلامية الممنهجة والتي تروج لبطولات المحمدين عموماً ومحمد الابن على وجه الخصوص، في حين تكلّل المحور الثالث من خلال انقلاب “الفجر الصامت”، عندما أوضح الملك أن قرار تعيين سلمان في منصبه الجديد جاء على توصية من محمد بن نايف، ليوحي وكأن الملك سلمان لم يكن ليختار ابنه لهذا المنصب لولا التوصية التي رفعها ولي العهد الجديد، لا بل أضاف إلى تلك الشهادة “تأييد الأغلبية العظمى من أعضاء هيئة البيعة لاختيار سموّه ليكون ولياً لولي العهد”.
اذاً استطاع سلمان وضع ابنه على سكة الملك من خلال العدوان السعودي على اليمن رغم أنه لم يحقق أهدافه المنشودة، ولعل الهدف الاساسي من هذا العدوان هو ولاية العهد الثانية وما الاحاديث الأخرى عن الشرعية و”الخطر الحوثي” (أي أنصار الله) إلا مبررات للدخول إلى بوابة الحكم من بابها الواسع، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيتم الانتقال به إلى ولاية العهد الاولى؟ وما هو دور القرار الأخير في هذا الأمر؟ وأين متعب بن عبدالله من التغيّرات الجديدة؟
متعب على خطى مقرن
الخلاف الضمني السعودي كان واضحاً عندما سارع الملك مع المحمدين إلى زيارة ولي العهد (السابق) مقرن- لا ينتمي إلى السديريين، الذين يشتركون في نفس الأم، حصة بنت أحمد السديري، زوجة مؤسس المملكة المفضلة لديه- إلى منزله بعد ساعات من القرار، كما أن سلمان حاول خطب ود مقرن عبر تعيين ابنه مستشاراً خاصاً للملك برتبة وزير.
ورغم أن مقرن هو الخاسر الاكبر إلا أن مشكلة سلمان والمحمدين تكمن مع الرجل القوي في المملكة، متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني. فرغم الانقلاب الصامت لازال الأمير متعب يحافظ في الوقت الراهن على منصبه في قيادة الحرس الوطني السعودي، وهو بمثابة الحرس الإمبراطوري للعائلة. ذلك أنه يدافع عن العاصمة، المساجد المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وصناعة النفط. فما مصيره؟
متعب قدم البيعة مكرهاً للمحمدين لأن أي اعتراض يعني الإطاحة مباشرة بوزارة الحرس الوطني، لا بل حصل على “بوسة يد” من قبل محمد بن سلمان، إما تنفيذاً لمقولة “بوس الأيداي ضحك على اللحى”، أو أن بن سلمان يسعى لكسب ودّ متعب “القوي” في معركته المقبلة مع بن نايف للحصول على ولاية العهد.
لا شك في أن قرارات الملك الجديدة ستعمد لضرب متعب كما حصل مع إخوانه الثلاثة الذي استبعدوا من مناصبهم فور وفات الملك، وبالتالي القضاء على آخر معقل لعشيرة عبدالله. إشراك الحرس الوطني في عاصفة الحزم يعني بشكل أو بآخر دخولها تحت جناح وزارة الدفاع التي يقودها محمد بن سلمان، ما يعني أن القدرة العسكرية في البلاد أصبحت بأكملها تحت سلطته لكن السيناريو الذي يطرح حالياً في الإعلام هو حل وزارة الحرس الوطني حسبما أوضحت نشرة ‘أنتليجنس أون لاين ‘ (Intelligence on Line) للشؤون الاستراتيجية الفرنسية عندما أكدت أنه “بينما تنتشر قوات الحرس الوطني السعودي بكثافة على طول الحدود الجنوبية والشمالية للبلاد، هناك شائعات متزايدة بأن الحرس الوطني قد يحل بموجب أوامر من الملك سلمان. وأضافت النشرة “ستنضم وحداته إلى فوج الحرس الملكي، في حين أن القوات المنتشرة على الحدود ستنضم إلى قوات وزارة الداخلية، وعلى رأسها محمد بن نايف، وما تبقى سينضم إلى وزارة الدفاع، بقيادة محمد بن سلمان.”
“أرامكو” وسيناريو ولاية العهد الأولى
بعد هذه التطورات يمكننا الآن فهم الهدف الرئيسي من تعيين سلمان في إدارة النفط، حيث سيقوم الملك فور انتهاء العملية العسكرية على اليمن بعزل متعب إما بحل وزارة الحرس الوطني أو بضمها لوزارة الدفاع، ولكن في ما بعد متعب يكمن “بيت القصيد”.
سلمان يدرك جيداً أن ما تبقى من أبناء عبد العزيز للملك أن يكون في ذريته، وهذا بالفعل ما أراده عبدالله لكن الظروف لم تساعده، وهذا أيضاً ما يرفضه سلمان من خلال القرارات المتسارعة لتنصيب محمد. لذلك وبعد انتهاء سيناريو “عاصفة الحزم” بنجاح من ناحية تسليم بن سلمان لولاية العهد، ما يتجلّى في الأفق حالياً هو تتويج محمد الابن كبطل قومي اقتصادي عبر إدارة النفط وتخفيض الإنتاج لرفع الأسعار ونشر الرخاء الاقتصادي في أراضي الحجاز، ما يعني انتقاله مباشرةً وبانقلاب فجر آخر-ربما لا يكون صامتاً- إلى ولاية العهد الأولى. باختصار لن تقر عين سلمان قبل أن يرى ابنه محمد ولياً للعهد.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق