الشعب الأفغانی وعبر ممثلیه فی البرلمان یقول کلمته: لا ثقة بواشنطن بعد الیوم
لم تضع يدها أمريكا في بلدٍ إلا وخربته، هكذا يمكن بإختصار وصف السياسة الأمريكية. ولعل أفغانستان البلد الإسلامي الجميل، لم يشهد طعم الراحة والإستقرار منذ أن دخل عليه الأمريكي، وأصبح طرفاً في سياساته الداخلية، وعراب مشاكله الأمنية. وهنا يجري الحديث عن الإتفاقية الأمنية التي لم تأتي بالمستوى المطلوب من الأمن والإستقرار. فها هو مجلس النواب يطالب الحكومة الأفغانية بمراجعة الإتفاقية الأمنية التي وقعت بين واشنطن وكابول، حيث أن الأوضاع الأمنية منذ ذلك الوقت شهدت تصاعداً في وتيرة أعمال العنف في البلاد. فماذا في مطالبة مجلس النواب للحكومة؟ ولماذا تنعدم الثقة بين الشعب الأفغاني وممثليه في المجلس من جهة وأمريكا من جهة أخرى؟
أولاً: ماذا في مطالبة مجلس النواب بمراجعة الإتفاقية
على خلفية تصاعد وتيرة العنف والتوتر الأمني والميداني في أفغانستان في الآونة الأخيرة طالب مجلس النواب، الحكومة الائتلافية بمراجعة الإتفاقية الأمنية الثنائية التي وقعتها الحكومة الأفغانية الحالية مع أمريكا بعد أن ماطلت في توقيعها الحكومة الأفغانية السابقة برئاسة حامد کرزي.
وتناول مجلس النواب الأفغاني في اجتماعه يوم الاثنين الماضي، تصاعد التوتر الأمني في عموم أفغانستان في الآونة الأخيرة بالبحث والمناقشة وأكد الكثير من أعضاء المجلس أن الإتفاقية الأمنية الثنائية مع أمريكا التي وقعتها الحكومة الحالية لم تكن لها آثار إيجابية في تحسين الأوضاع بل على العكس، توتر الوضع أكثر من قبل ولذا يجب مراجعة الاتفاقية من جديد.
وكان الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزي الذي حكم أفغانستان لأكثر من ١٢ عاماً ماطل في توقيع هذه الإتفاقية المثيرة للجدل ووضع لذلك شروطاً ولم يوقعها بالرغم من أنه تعرض لضغوط داخلية وخارجية على مختلف الأصعدة ولكن الحكومة الجديدة برئاسة أشرف غني وقعتها غداة تنصيب الرئيس الأفغاني رسمياً وتوليه مهام في ٢٩ من سبتمبر الماضي وبموجب هذه الاتفاقية فإن ٩٨٠٠ عسكري أمريكي سيبقون في أفغانستان. وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قال في مراسم توقيع الإتفاقية الأمنية الثنائية المثيرة للجدل بين أمريكا وأفغانستان: “إذا تعرضت بلادنا لخطر جدي فبإمكاننا أن نطالب بمطالب خاصة ويجب الإلتفات إلى مطالبتنا بجدٍ دون أن يوضح تلك المطالب الجدية”.
وكان الكثير من الأفغانيين يعلقون أمالهم على أن الأوضاع ربما تتحسن بتوقيع الحكومة الأفغانية هذه الإتفاقية التي اعتمدها المجلس الوطني كذلك بعد فترة من توقيعها مع واشنطن. ولكن وبعد مرور بضعة شهور من توقيعها أصبح الوضع الميداني خطيراً في هذا البلد حيث اشتدت المعارك والمواجهات وتصاعد العنف في معظم المناطق الأفغانية. كما أن طالبان التي تعتبر أخطر طرف الصراع الميداني في أفغانستان أكدت في تصريحاتها وبياناتها الرسمية بصعوبة التفاوض والجلوس على طاولة المفاوضات مع حكومة كابول وخاصة بعد أن وقَّعت الإتفاقية الأمنية على عجل مع واشنطن.
ثانياً: لماذا تنعدم الثقة الأفغانية بأمريكا؟
سيتضح قريباً ماذا سيكون رد الحكومة الأفغانية الحالية على مطالبة البرلمان لمراجعة الإتفاقية الأمنية، وما إذا كان سيطالب رئيس الحكومة الحالية بمطالبه الخاصة التي وعد بالمطالبة بها. لكن الواضح أن ممثلي الشعب الأفغاني وهم النواب، يعبرون عن رأي الشعب الذي يشكك في ادعاءات أمريكا وبالخصوص بعد تجربة مريرةٍ من الوضع الأمني غير المستقر. وهو ما يمكن أن ينبه الى حجم السخط الموجود في الداخل الأفغاني تجاه السياسات الأمريكية، التي لم تأتي إلا بالخراب على أفغانستان. ولذلك يجب إيضاح التالي:
– إن طالبان اليوم تتمتع بسلطة عسكرية ونفوذٍ وسط المجتمع الأفغاني، وذلك يعود لدعمٍ كانت تقوم به السعودية وبطريقة غير مباشرة. واليوم بدأت طالبان تصعد من عملياتها العسكرية ضد الحكومة ومؤسساتها العسكرية وقوات التحالف الداعمة لها. كما أن أمريكا فشلت فشلاً ذريعاً، لم تعترف به، وكانت طرفاً غير مباشر في إشعال الحرب الداخلية وزيادة الصراع بعد أن وقعت الحكومة الأفغانية الإتفاقية الأمنية على عجل مع واشنطن.
– على الحكومة الأفغانية أن تدرك أن الإعتماد على الطرف الأمريكي لم يعد مجدياً. بل إن التجربة السياسية لأمريكا في المنطقة تؤكد أنها دولة لا تحترم الإتفاقيات. بل توقعها لحساباتٍ خاصة. ولعل أهم ما يجب أن يلتفت له المسؤولون الأفغانيون هو ما يطالب به الشعب. فحركة طالبان قاتلت ولمدة ١٣ عاماً قواتاً أممية من ٤٩ دولةً، وقواتها تساوي ١٥٠ ألف عسكري مدجج بأحدث أسلحة وآلية عسكرية عصرية، قامت بإرتكاب جرائم قتل جماعية ووحشية في بلاد الأفغان. فهل سأل أحدٌ عن سر هذه القوة العسكرية؟ لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الشعب الأفغاني لم يستسلم وبقي صامداً وتحمل كل تلك المشاكل والخسائر. واليوم بعد انسحاب معظم تلك القوات الأممية، بقيت أعداد صغيرة من تلك القوات الى جانب ١٠٠٠٠ عسكري أمريكي، فمن سيحارب من؟ وأين دور أمريكا؟
– ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقع سراً أمراً يقضي بقيام الجيش الاًمريكي بمهام أوسع في افغانستان عام ٢٠١٥ عما كان مقرراً. وقد سرب خبر التوقيع في أواخر العام الماضي. وهو ما يوضح سر عدم نجاح الإتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن. فأمريكا دولة الفوضى الخلاقة، تدعم الخراب وعدم الإستقرار، ثم تأتي لتقول للشعوب أنا سبيلكم للخلاص. وهذا ما تسعى إليه واشنطن، منذ فترة في أفغانستان. ولعل الشعب الأفغاني يعي اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، زيف الإدعاءات الأمريكية. لذلك أصبح موقفه من السياسة الأمريكية واضحاً. ولذلك جاء طلب مجلس النواب الأفغاني ممثلاً الشعب.
إن محاولات أمريكا للدخول مجدداً الى أفغانستان لابد أن تؤول الى الفشل. فالشعب الواعي أصبح يعبر عن رأيه، بعد أن كان ضحية السياسات الأمريكية التي لم تأتي إلا بالخراب على بلاده. ولكن السؤال الأهم اليوم: هل سيستطيع الشعب الأفغاني فرض إرادته؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق