الصین وروسیا: ندان إستراتیجیان یجمعهم الخصم الأمریکی
لم يعد الحديث عن سياسة القطب الواحد أمراً واقعياً اليوم، بعد تراجع نفوذ وقوة أمريكا، والتي لا يمكن التقليل من أهميتها. لكن الدور الأمريكي في المنطقة وبعد فشله في سياسته الإستراتيجية، لا سيما في الشرق الأوسط، أحدث فراغاً كبيراً أدى الى دخول لاعبين جدد على جبهة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن النقاش ليس في الأسباب اليوم، لكن لا بد من الإشارة الى أن فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط كان من أهم أسبابه نجاح جبهة المقاومة التي تقودها إيران. وبالعودة الى الفراغ الحاصل، فقد تكون الصين وروسيا تسعيان لملئه، وهذا ما قد تعبر عنه الاتفاقيات المشتركة والمناورات التي يحكى عنها في أواسط الشهر الجاري. فماذا في المناورات المقبلة بين روسيا والصين؟ وما هي دلالاتها الإستراتيجية؟
أولاً: المناورات بين البلدين:
أعلنت وزارة الدفاع الصينية عزم الصين وروسيا إجراء تدريبات بحرية مشتركة في البحر المتوسط منتصف أيار الجاري وذلك تماشياً مع خطة التبادلات العسكرية. وقال جينغ يان شينغ المتحدث باسم الوزارة: إن الجانبين سيشاركان بما مجمله تسع سفن بما في ذلك السفن الصينية (ليني و ويفانغ ويشانهو) التي تقوم حالياً بمهام كجزء من مركب سفن في منطقة خليج عدن والسواحل الصومالية. وأضاف جينغ: “إن التدريبات تهدف لتعميق التعاون الودي والعملي بين البلدين وزيادة قدرة القوات البحرية لبلدينا على الرد المشترك على التهديدات التي تواجه الأمن البحري”. وأشار جينغ إلى أنه سيتم خلال التدريبات تطبيق الإجراءات الدفاعية في البحر، وتجديد الإمداد في عرض البحر وتدابير أخرى مشتركة لضمان أمن وسائل النقل البحري، إضافة إلى التدريب على استخدام الأسلحة. وأكد جينغ أن هذه التدريبات ليست موجهة ضد طرف ثالث كما أنها ليست مرتبطة بالوضع في المنطقة.
ثانياً: كيف يتفق الندُّ الصيني مع مثيله الروسي؟
لا شك أن الصين تعمل وبدأب لتجعل من نفسها قوة مركزية في النظام الدولي محاولةً بذلك إيجاد واقعٍ ملائم لمصالحها كقوة اقتصادية. وهو ما جعل حراك الدبلوماسية الجديدة والتي يقودها الرئيس الصيني “شي جينبينغ” متمركزة حول الاهتمام بالشراكات القائمة، والتي قد تعزز من قيادة الصين العالمية. وقد يكون تجمّع بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ومنظمة شانغهاي، أمثلةً لذلك. لكن جهود الصين لا يمكن أن تكون بعيدةً عن مراعاة الشريك الروسي، والذي يمكن الاستفادة من نفوذه لتعزيز الدور الصيني. فروسيا الصديق الدائم للصين في مجلس الأمن، يمكن اعتبارها الشريك الحذر في بسط النفوذ الصيني. كما وأن الطرف الروسي ليس بعيداً عن قطف الإنجازات من خلال التحالف الإستراتيجي مع الصين. لكن هذا لا يعني الإتفاق المطلق بين البلدين على كل الأصعدة، بل إن الأهداف الإستراتيجية لبوتين، تختلف عن أهداف نظيره الصيني. فالدول العظمى قد تتفق في مصالحها بحسب الزمان والمكان. ولعل ما يمكن أن يجمع القطبين الجديدين، هو العداء المشترك لأمريكا التي أمعنت في سياساتها الاحتكارية للعالم. وهو ما قد عبر عنه الرئيس الصيني في خطابه في نوفمبر الماضي، أمام مؤتمر العلاقات الخارجية الصيني، والذي تحدث فيه لأول مرة عن “قوى نامية كبرى” كما سمّاها، تضم روسيا، وتعتبر ذات أهمية للإستراتيجية الدبلوماسية الصينية. فكيف يمكن تحليل واقع العلاقة بين البلدين؟
للإجابة على السؤال لا بد من ذكر التالي:
– إن العالم اليوم يشهد تحولاً في المنظومة الدولية والتي لا بد من القول حقيقةً إنها لا تزال تحت سلطة أمريكا. وتعرف كلٌ من روسيا والصين أنهما جزء من هذه المنظومة الدولية والتي لا تزال تحت الهيمنة الأمريكية. وإن كانت عداوة بوتين لهذا النظام واضحة، فالصين لا تخشى من رفع صوتها ضد أمريكا. لكن لا بد من الإشارة الى أن الصين استفادت من العولمة الاقتصادية. وهو ما جعل بكين تتمكن من خلق بيئة دولية مناسبة للتنمية الاقتصادية، جعلت من الاقتصاد أولويتها الرئيسية، وهو الأمر الذي جعل العلاقة بين بكين وواشنطن أشد حدة، في حين تطغى السياسة كأولوية لدى الطرفين، على علاقات موسكو وواشنطن وتجعلها أكثر توتراً.
– لكن وعلى الرغم من حذر الصين من ندها الروسي، فهي ما تزال تتمتع بثمار شراكتها مع روسيا، خاصة التكنولوجيا العسكرية، حيث ذكرت وكالة الأنباء الروسية في نوفمبر الماضي استعداد موسكو لتزويد الصين بطائرات سو – ٣٥ القتالية، وهو ما يعني استمرار تصدير السلاح المتطور.
– وبالتالي فإن الخطة الجديدة لمناورات بحرية مشتركة في ٢٠١٥، واحدة في البحر المتوسط وأخرى في المحيط الهادي، هما اختياران يدلان على مدى اتساع الشراكة العسكرية بين البلدين في الساحة الدولية، لكن وزارة الدفاع الصينية كانت حريصة على التأكيد بأنها ملتزمة بمبدأ عدم المواجهة، أو التحالف مع أي قوة، على حد قولها.
– وهنا لا بد من القول إنه لا شك من أن الطرف الأمريكي ينظر بحذر شديد لما يجري في المنطقة، ولما قد تؤدي له أمور التحالف بين البلدين روسيا والصين. كما أن مجرد قيام الطرفين بهذه المناورة يدل على أن تراجع الدور الأمريكي أصبح أمراً واقعاً في وقتٍ لم يكن ليحصل ذلك في الأعوام الماضية.
إذاً قد تختلف طموحات الطرفين الإستراتيجية، لكن الواقع يقول وبوضوح إن الطرف الأمريكي تراجع ليس من حيث الدور فقط، بل من حيث الجغرافيا السياسية. ولعل المراقب للأمور وبواقعية، يمكنه أن يرى أن سياسة القطب الواحد قد انتهت. بل إن عالم تعدد الأقطاب قد أصبح واقعاً. لكن السؤال الأهم اليوم هو: هل يمكن تحديد مستوى العلاقة بين القطبين الجديدين روسيا والصين؟ أم أن الوقت لم يحن بعد؟ سؤال برسم الأيام المقبلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق