الهند تمضی فی مشروع تطویر میناء شاباهار الإیرانی رغم التهدیدات الأمریکیة
على الرغم من التحذيرات الأمريكية تسعى الدول جاهدة للتعامل مع إيران، وهذا ما تظهره مجريات الأحداث الأخيرة. فالهند كما غيرها من الدول مثل باكستان وأفغانستان على سبيل المثال، سعت ومنذ زمنٍ طويل لتطوير علاقتها بالطرف الإيراني. وهو الأمر الذي قد يكون تراجع بسبب العقوبات الأمريكية على إيران. لكن الجديد اليوم هو أن هذه الدول ذاتها وعلى الرغم من استمرار العقوبات لم تعد تكترث وبحسب الوقائع، للتهديدات الأمريكية لها. وهذا ما يظهره سعي الهند اليوم في استكمال مشروع تطوير ميناء شاباهار الذي اتفقت عليه مع إيران في العام ٢٠٠٣. فماذا في القرار الهندي الأخير؟ وكيف يمكن تحليل دلالاته؟
أولاً: القرار الهندي بالسعي قدماً في تطوير الميناء الإيراني:
قال مصدر إن الهند ستمضي قدماً هذا الأسبوع في خطط لبناء ميناء في جنوب شرق إيران، مع اهتمام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتعزيز الروابط التجارية مع آسيا الوسطى، واستعداده لمقاومة ضغوط أمريكا، التي تطالب بعدم الإندفاع في إبرام أي صفقات مع إيران. وكانت قد اتفقت الهند وإيران في ٢٠٠٣، على تطوير ميناء في شاباهار، بالقرب من الحدود الإيرانية الباكستانية، لكن المشروع تعثر بسبب العقوبات الغربية المفروضة على طهران. فيما أشار مصدر مطلع بوزارة النقل البحري الهندية: “سيُسافر وزير النقل البحري، نيتين جادكاري، إلى إيران لتوقيع مذكرة تفاهم حول تطوير ميناء شاباهار”. وكانت قد أرسلت الهند أخيراً وفداً إلى إيران لاستكشاف فرص عقد صفقات في مجالات التجارة، والطاقة والبنية التحتية، في انتظار التوصل إلى إتفاق بين قوى عالمية وطهران بحلول ٣٠ حزيران حول برنامج إيران النووي، وما سيعقبه من رفع محتمل للعقوبات.
في المقابل حذّرت أمريكا الهند ودولاً أخرى الأسبوع الماضي، من تعزيز الروابط مع إيران قبل توقيع إتفاق نهائي. ولكن مسؤولين هنوداً قالوا إن نيودلهي “لا تستطيع تجاهل مصلحتها الوطنية” مشيرين إلى تقرير ذكر أن وفداً يضم مسؤولين بقطاع الطاقة الأمريكي زار إيران. وأضاف المصدر “لا نريد أن نفقد هذه الفرصة، وسنتحرك على وجه السرعة وبقدر الإمكان”.
ثانياً: دلالات تجاهل الهند التهديدات الأمريكية:
من الواضح أن تأثير أمريكا على مجريات الأحداث وسياسات الدول في المنطقة قد تغير. وهنا يمكن قول التالي:
– ليس من المعتاد أن تعلن أمريكا تحذيراً علنياً للدول وهو من الأمور الجديدة المتبعة في السياسة الأمريكية الخارجية اليوم، وذلك ما يدل على تراجع القدرة الأمريكة في فرض ما تريد على دول المنطقة. فقد قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إن أمريكا “لم تطلع على تفاصيل مذكرة التفاهم”، لكنه حذّر من أن الإستثمار في الميناء عرضة للوقوع تحت طائلة “العقوبات بموجب القانون الأمريكي.” وهو ما يعبر عن محاولةٍ أمريكية لإرسال تهديدٍ للهند.
– إن مضي الهند بقرارها دون الأخذ بعين الإعتبار التهديد أو التحذير الأمريكي يدل على عدم إكثراث الهند لهذه التحذيرات وهو بحد ذاته مؤشرٌ على تراجع الهيبة الأمريكية.
– لقد عبر المسؤول الأمريكي في كلامه عن سياسة أمريكا تجاه الدول ولا سيما إيران، مشيراً الى أن الفرصة الأفضل لاتفاق نووي شامل مع إيران تعتمد على “الحفاظ على الضغوط الدولية الحالية”. وهو ما يعني أن أمريكا كانت دوماً تستخدم الإبتزاز من خلال تهديد الدول، ودفعها لترسيخ مصالحها الوطنية لخدمة مصالح أمريكا الخاصة، والقيام بالضغط على دولٍ أخرى كإيران مثلاً.
– أصبحت الدول تنظر لمصالحها الخاصة بعيداً عن الرغبة أو المصلحة الأمريكية وهو ما يمكن ان يدل عليه ما قاله مسؤولون في أن “نيودلهي لا تستطيع تجاهل مصالحها الوطنية”. الى جانب ان الهند أصبحت تؤمن أكثر من أي وقتٍ مضى بأهمية الدور الإيراني في المنطقة، وضرورة بناء جسرٍ من التواصل معها. فلقد بدأت الهند فعلياً أنشطة تجارية مع إيران في ٢٠١٢، ما ضاعف تقريباً صادرات الهند إلى طهران في السنتين السابقتين لتصل إلى ٤ مليارات دولار. كما أن الهند تريد بناء الميناء في إطار سعيها لخفض النفقات، وتقليص زمن النقل البحري إلى آسيا الوسطى والخليج بمقدار الثلث. كما يُشكّل الميناء أيضاً أهمية للهند، مع جهودها لفتح مسار إلى أفغانستان التي لا تملك منفذاً بحرياً، بعد أن عززت نيودلهي روابطها الأمنية ومصالحها الإقتصادية مع كابول. وكانت قد أنفقت الهند بالفعل نحو ١٠٠ مليون دولار لبناء طريق يمتد ٢٢٠ كيلومتراً ، في غرب أفغانستان، لربطه بميناء شاباهار.
تدل الأحداث الجارية على حجم التراجع الأمريكي، مقابل التعاظم الإيراني. فعدم اكتراث الهند للتهديدات هو من الأمور التي يجب التوقف عندها. وهنا يأتي السؤال التالي: ما هي الدول التي ستحذو حذو الهند في عدم الاكتراث للتهديدات الأمريكية والتقرب من إيران؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق