نتنیاهو یدخل الأمن القومی الإسرائیلی بین صراع علی السلطة وصراع علی الوجود
من يقرأ تاريخ الدول أو المنظمات يدرك أنها تصل الى مراحل متقدمة من التطور التصاعدي، لتدخل فيما بعد مرحلة الهبوط الحتمية. لكن الكيان الإسرائيلي ومنذ تأسيسه غصباً، لم يدخل في التطور التصاعدي وإن زاد نفوذه أو إستعماره. فالكيان الغاصب ومنذ نشأته يعاني من صراع الوجود المقلق. وهو الأمر الذي كان من أولويات كل من يأتي لإدارة الكيان، من خلال محاولة تطمين المستوطنين لعدم وجود مخاطر على أمنهم ومستقبلهم. لكن الأمر الجديد اليوم والذي لا بد من الإشارة اليه هو الصراع الداخلي المحتدم على السلطة، والذي مثَّل نتنياهو في الآونة الأخيرة مثلاً صارخاً له. فكيف أثرت سياسات نتنياهو على الأمن القومي الإسرائيلي؟
لم تكتف وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الماضية، بالحديث عن مجريات تشكيل الحكومة الإسرائيلية بل قامت بالإشارة الى حجم الخلل القائم في بنية النظام الصهيوني الداخلي، نتيجة الخلافات القائمة على آليات إدارة الكيان. ولعلها المرة الأولى التي تظهر فيها هذه الإختلافات الى العلن مما يدل على حجم الهشاشة التي تعتري الكيان الداخلي للإحتلال. فبعد الإستياء الكبير الحاصل من الطبقة السياسية خارج حزب الليكود، بل حتى من بعض الأصوات داخله والتي أظهرت حجم السخط من سياسات نتنياهو وبالتحديد الخارجية، جاءت اليوم مشكلات تشكيل الحكومة والتي أظهرت حجم الضعف الحقيقي لنتنياهو. وهو ما أدخل الكيان الإسرائيلي في أزمة داخلية تتعلق بالأمن الداخلي، لما تعنيه وجود إختلافات شخصية لا تراعي الحفاظ على البيت الواحد الصهيوني. والذي قد يكون مدخلاً لأزمات تؤثر استراتيجياً على استمرارية الكيان. وهو ما سيزيد من مشكلات الأمن القومي الإسرائيلي والتي يمكن إضافتها الى مشكلات عديدة. وهنا يأتي السؤال: كيف أدخل نتنياهو الكيان الإسرائيلي ولأول مرة في صراعٍ محتدم على السلطة الى جانب الصراع التاريخي على الوجود؟
على الصعيد الداخلي:
– إن نتنياهو الذي أعلن فوزه بالإنتخابات، يشعر بطعمٍ أسوء من الهزيمة، لما حصده نتيجة استجدائه لشركاء إئتلافيين لتشكيل الحكومة وهو الأمر الذي أجبره على التعاطي مع ما يسمى بالبيت اليهودي مقدماً تنازلات على الصعيد الوزاري والتنظيمي والقانوني. وهو ما أضعفه داخلياً وأمام شركائه الأساسيين. ويتجلى ذلك في الحكومة والتناقضات الحادة بين أطرافها بسبب التوجهات المختلفة على سياسات داخلية وخارجية معينة. مما جعلها كحكومة الفراغ، تتميز بالضعف البنيوي.
– فهذه الحكومة وبحسب صحيفة هآرتس، حكومة سيئة أما بالنسبة لـ يديعوت أحرنوت فهي حكومة مؤقتة. وتقول الصحافة الإسرائيلية إن نتنياهو خاطر بإعادة التفويض الى الرئيس لأنه في حال لم يتوصل البيت اليهودي للإتفاق مع نتنياهو، فسيقترحون على الرئيس تكليف عضو كنيست ليكودي آخر بتشكيل الحكومة.
– فمنذ أن أعلن نتنياهو عن تشكيل الحكومة الإئتلافية في الكيان الصهيوني، حتى تبينت حقيقة المشهد السياسي الداخلي، لا سيما بين أعضاء حزب الليكود. فقد تحدثت المعلومات الصحفية العبرية، عن تهديد أحــد أعضاء الحزب بالتصويت ضد الحكــومة إذا لم يُعــيّن وزيــراً. وهو ما قد يدل على حجم احتدام الصراع على السلطة داخل الحزب الواحد. ولعل أخطر ما تلقاه نتنياهو كان من افيغدور ليبرمان زعيم “اسرائيل بيتنا” الذي وعلى الرغم من حصوله على وزارتي الزراعة والخارجية رفض المشاركة في حكومة نتنياهو .
على الصعيد الخارجي:
– أدخل رئيس الحكومة الاسرائيلية كيانه في حالة من الصدام مع أمریكا ومع الفلسطينيين، كما عجز عن بناء تحالفات إقليمية جوهرية، ولم يعد يلقى رضى الأسرة الدولية كما كان من قبل. ولعل من تحديات نتنياهو الخارجية هو وجود احتمالات لانفجار الوضع الإقليمي جزئياً أو كلياً، وهو ما يحتم بناء علاقاتٍ جيدة مع أمريكا والإتحاد الأوروبي، وهذا ما أضعفه نتنياهو وبحسب معلقين صهاينة.
– وينظر الصهاينة للعناد الذي يعتري نتنياهو بالخطير كونه يؤمن بقدرته على تحدي أمریكا، كما يؤمن بقدرته أيضاً على تحدي الأسرة الدولية. لكنه عاجز على الصعيد الداخلي مع خصومه خارج الليكود بل حتى مع شركائه داخل الحزب الواحد.
إن أكثر ما قد يشير الى هذه الأمور هو ما قامت به إسرائيلية حيث نشرت عدة تقارير ورسومات تبين نتنياهو كشخص مهان ومتعب بعد أن تلقى الكثير من الدروس والضربات. ورأى معلقون صهاينة أن نتنياهو والليكود يتلقون اليوم دروساً قاسية من المعسكر الصهيوني بالتحديد، الذي يحاول إظهار أهمية المبادئ والتمسك بها. لكن السؤال اليوم والذي يجب الوقوف عنده ملياً: هل دخل الكيان الإسرائيلي مرحلة الإنهيار الذاتي، بعد أن أصبح كياناً ضعيفاً على المستويين الداخلي والخارجي؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق