الدول الخلیجیة بین الاتفاق النووی الإیرانی و انعاش سوق التسلّح الصهیوأمریکی
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمریكية، فإن الدول الخليجية تسعى للحصول على معدات عسكرية أمریكية متطورة، من طائرات مقاتلة (اف ٣٥) وبطاريات صواريخ ومعدات مراقبة، في مقابل تقديم الدعم للاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، وذلك خلال الاجتماع المرتقب مع الرئيس باراك أوباما، في كامب ديفيد في ١٣ و١٤ من الشهر الجاري.
وهنا لا يبدو أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية تنوي أن تتعلم من تجارب الماضي، فلو أن هذه الدول سألت نفسها عما جنته من سياسة العداء للجمهورية الاسلامية طوال العقود الماضية، لأخرجت نفسها من التيه والتخبط الذي تعيشه اليوم. فمنذ قيام الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الراحل روح الله الخميني، اصطفّت الدول الخليجية خلف صدام حسين في الحرب المفروضة على إيران، وقدموا له الدعم وكل ما يلزمه للقضاء على الثورة الاسلامية في مهدها لمنعها من تحقيق أهدافها، فماذا كانت النتيجة؟
تشير تقارير بأن خسائر السعودية وحدها، وفقط من جراء خفض أسعار النفط ابان الحرب المفروضة على إيران بلغت ٤٥٠ مليار دولار، وهي الخطوة التي أقدمت عليها دول الخليج في ذلك الوقت من أجل شل الاقتصاد الإيراني الذي كانت تشكل موارده النفطية أكثر من ٩٠ بالمئة منه، عدا عن المليارات التي ضختها السعودية بشكل مباشر لتمويل حرب صدام على ايران.
وماذا جنت دول الخليج من هذا الدعم؟ ألم ينقلب صدام عليها، واحتل الكويت، واستجلبت دول الخليج نصف مليون جندي لاخراج قواته من الكويت، وتحملت في سبيل ذلك مليارات اضافية من الدولارات، ووطدت الوجود الأمريكي والغربي في المنطقة عبر قواعد عسكرية منتشرة في مختلف دول مجلس التعاون، عدا عن الخراب والتدمير والاذلال الذي لحق بشعب العراق وأرضه وبقية شعوب المنطقة .
ومن كان المستفيد من كل ذلك؟ بالطبع الكيان الاسرائيلي بالدرجة الأولى، وأصحاب الشركات المصنعة للسلاح في أمريكا وأوروبا والتي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، فكان المال الخليجي هو المساهم الأكبر في منح الغرب القدرة على مزيد من السيطرة على دول وشعوب المنطقة وابتزاز الدول الخليجية.
ومع الاقتراب من اتمام الاتفاق النووي، يبدو أن دول الخليج تقبل مجدداً على تكرار اخطاء الماضي، فهي في سياستها العدائية تجاه الجمهورية الاسلامية، ترمي نفسها من جديد في أحضان الغرب، في خطوة غير مبررة على الاطلاق، وتنهال على سوق السلاح الغربية، لتنعش بذلك اقتصاديات دول قد نالت منها الأزمات الاقتصادية، ولم تكن هذه الدول الغربية في يوم من الأيام صديقة للشعوب الاسلامية، بل كان لها تاريخ طويل في احتلال واذلال هذه الشعوب. وهي اليوم -الدول الغربية- تمارس مزيدا من الابتزاز على الدول الخليجية من خلال سياسة التخويف من ايران لدفع هذه الدول نحو مزيد من صفقات الأسلحة، وما الصفقات الأخيرة التي وقعتها كل من قطر والسعودية مع فرنسا وأمريكا والتي بلغت قيمتها عشرات مليارات الدولارات، إلا غيض من فيض التدفق اللامحدود للأموال العربية والاسلامية على بنوك الدول الغربية.
وهنا لا بد أن نتوقف عند الداء القديم الجديد للدول الخليجية المتمثل بـ “فوبيا الخوف” من إيران، الخوف غير المبرر الذي كان وراء كل السياسات الخاطئة للدول الخليجية والسعودية في المنطقة. فهل حدث منذ قيام الثورة الاسلامية في ايران منذ ٣٧ عاماً أن قامت ايران بالاعتداء على جيرانها؟ بل على العكس ألم تقدم إيران الدعم لدول المنطقة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ومحاربة الارهاب؟ ألم تتبنى قضية العرب والمسلمين الأولى، وبذلت فيها ما بذلت، وتحملت الضغوط والعقوبات في سبيلها؟ أليس تحرير جنوب لبنان وقطاع غزة مديون للدعم الايراني؟ وهل يمكن لأحد أن ينكر فضل إيران في ايقاف تمدد تنظيم داعش الارهابي في كل من سوريا والعراق؟
من المؤكد أن كل المبررات التي تسوقها الدول الخليجية لتبرير حالة الفوبيا من ايران واتفاقها النووي مع دول الـ “٥+١” لا يمكن أن تجد مكاناً لدى المتابع العاقل، فمشكلة هذه الدول مع ايران ليست في برنامجها النووي السلمي، بل في الخشية من تتويج إيران القوة الإقليمية العظمى في المنطقة. فهذه الدول التي تفتقد إلى الديمقراطية في بلادها، وتعتمد في حفظ عروشها على توأمة مصالحها مع المصالح الغربية، تخشى من تقارب غربي مع إيران يكون على حسابها، ويؤدي إلى تدفق سيل الاستثمارات إلى ايران، بعد رفع العقوبات عنها، مما سيعزز من مكانة إيران وحضورها الاقليمي.
مشكلة الدول الخليجية مع الاتفاق النووي الإيراني، هي مشكلة دول ضعيفة تسعى لاضعاف الآخرين، بدل من العمل الجاد لتقوية نفسها. وحل هذه المشكلة لا يكمن في الارتماء في أحضان الغرب وانعاش سوق التسلح الصهيوأمريكية، بل على هذه الدول أن تقوم بمراجعة للذات، والاعتراف بالقصور، وتعزيز جبهتها الداخلية من خلال تحقيق المساواة والعدالة واحترام حقوق الشعوب الانسانية والتوزيع العادل للثروة وضرب الفساد، وبناء منظومة علمية وثقافية قوية، والعمل على تحقيق علاقات متينة مع جيرانها وعلى رأسها الجمهورية الاسلامية الايرانية.
فلماذا لا نجد أي من الدول الخليجية، تحتل اي مرتبة عالمية متقدمة في اي من فروع العلم، وتظل تعبر دائما عن القلق والخوف من إيران، مع العلم أن للسعودية وحدها ثلاثین الف طالب يتعلمون في كبريات الجامعات الغربية؛ في حين أن عائدات هذه الدول النفطية، لو أنها استثمرت بالشكل الصحيح، ستكون كفيلة بنقل هذه الدول إلى مصاف الدول المتقدمة علمياً على الأقل.
إن المكانة التي تحظى بها إيران اليوم، والتي أجبرت الدول العظمى في العالم على الجلوس معها على طاولة المفاوضات وتوقيع الاتفاق النووي، لم تأت إلا من خلال العمل الجاد والدؤوب؛ فايران ركزت على القضية الفلسطينية في لحظة غياب وعي عربية، وطورت قدراتها الدفاعية والهجومية وحصنت نفسها بدرع من القوة العلمية والثقافية، ولم تقلق مطلقا من حاملات الطائرات، ومئات السفن الحربية في الخليج مصحوبة بصواريخ باتريوت، وبادلت المناورة العسكرية الامريكية باخرى ايرانية، ولو كانت امريكا قادرة على استخدام القوة ضدها، والخروج منتصرة لما ترددت لحظة في اعلان الحرب.
وأخيراً نستذكر قول الأديب العربي طه حسين “إن الذين لا يعملون يؤذي نفوسهم أن يعمل الناس”، فمشكلتكم يا دول الخليج مع الاتفاق النووي الإيراني، هي مشكلة الذين لا يعملون مع الذين يعملون.