تکفیر ثلاثی الأبعاد .. والخطر الذی یشکله
عندما يتأمل الإنسان في التنظيمات الإرهابية التي ملأت عالمنا العربي, وأمام نزعة التدمير غير السوية, يقف الإنسان مذهولا متعجبا أمام هول الإجرام والروحية الفاقدة للإنسانية, التي تمحو كل أثر للإسلام والحضارة والإنسانية, إن كان في العراق وسوريا واليمن بل وكل المنطقة بأسرها. الا ان هذه الجرائم ورغم بشاعتها، لم تأت من فراغ ولم تكن التنظيمات الإرهابية من روادها، فهم مقلدون لرواد ولمؤسسي هذه النزعة التدميرية، فهي ناتج طبيعي لعصرة التطرف لأفكار آل سعود الوهابية التي شهدت اول تطبيقات عملية على اطهر بقاع الارض في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي جاءت نتاجاً طبيعياً كداعم للحركة الصهيونية. فتاريخ عالمنا الإسلامي ومنطقتنا حافلة وشاهدة ما اقترفه آل سعود والكيان الصهيوني ومن ورائهم القوى الإستعمارية ضد الإسلام والتاريخ الإنساني.
إذن المتتبع لأفعال الجماعات التكفيرية بدقة يراها أتت من منبعين اثنين هما الصهيونية والوهابية, فمن الصهيونية أخذت أسلوب القتل والتهجير والتطهير، ومن الوهابية أخذت التكفير, وهو ما يفسر وجود علاقة وثيقة متينة بينهم, يهدد أمن المنطقة وسلامة الشعوب. وفي هذا الإطار يمكن تسجيل نقاط عديدة في أوجه الشبه والخطر الذي قد ينجم عنها:
١- تفكيك وحدة الشعوب والأمة :
إن أهم عامل مشترك يمكن ملاحظته في أوجه الشبه بين محور التكفير( الصهيونية-التكفيرية-السعودية) يكمن في المخطط والهدف الأساس الذي يعمل عليه, وهو تفكيك البلدان, من خلال نشر روح الكراهية والضغينة بين أبناء الشعب الواحد, وبالتالي تفكيك وحدة الشعوب والأمة, مما يزيد من الصراعات بين المسلمين وغير المسلمين, وهو ما يسهل على الإستعمار نهب خيرات المنطقة, والتفرد بها, وما يؤسف عليه أن بوادر هذا الخطر المحدق بدأت تظهر أولى علاماته.
٢- العنصرية وبؤر سرطانية متعددة:
فكرة الإصطفاء اليهودي المعروفة والمعروفة طبعا, والفكر الذي قامت عليه مملكة آل سعود المستأثر بالسلطة, يقابلها الفكر التكفيري, الذي يرفض أي طرح أو رأي آخر, ويكفر كل من يعارضه ويحكم عليه بالقتل, وعليه تعمل الجماعات التكفيرية وبالإستناد إلی هذا الفكر, لإيجاد أرض الخلافة في العراق والشام التي يزعمونها، وبالتالي مقابل الأصولية اليهودية المتطرفة المعتدية على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، والأصولية السعودية المعتدية على الشعوب العربية, توجد الأصولية التكفيرية السلفية المتطرفة، وجميعهم يعملون على تطهير ديني بحق السكان والجماعة المخالفة لهما.
٣- الفكر التهجيري التوسعي الإجرامي:
فالمشروع الصهيوني مشروع عنصري تهجيري توسعي استيطاني لا يضع حدودا جغرافية له، مملكته اليهودية من النيل إلى الفرات، وبالإستناد إلى هذا الفكر يعملون على تطهير الأرض المستولى عليها تحت ذرائع دينية, بقتل آلاف الفلسطينيین وتهجير مئات الألوف, وتشريدهم من ديارهم، والاستيلاء على مساكنهم وممتلكاتهم، وبناء المستوطنات, وارتكاب المذابح, وهي الطريقة التي تعمد إليها مملكة آل سعود, ولكن بأسلوب آخر من خلال الاعتداء على شعوب المنطقة كما يحدث في اليمن, وأسلوب السيارات المتفجرة في البلدان, كذلك تعمل الجماعات التكفيرية, فهي تتوعد الدول المجاورة بالتمدد إليها لتطهيرها كما تزعم من أهلها وسكانها، بعد أن رسمت هذه التنظيمات الإرهابية خريطة مفترضة في المناطق التي احتلتها في سوريا والعراق, هذا من خلال القتل والترهيب والتطهير ارتكبتها هذه التنظيمات وماتزال، فقتلت من قتلت وشردت الآلاف من ديارهم، معتمدة على نشر أفكارها من خلال وسائل الإعلام مع تصوير عمليات القتل وبثها على المواقع الإلكترونية بتقنية عالية في التصوير والإخراج، إلى جانب انتهاك سيادة الدول والجيوش.. وهذا الأسلوب ما هو إلا تطبيق لما جاء في كتاب (إدارة التوحش.. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة) للمنظّر السلفي الجهادي الملقب أبو بكر ناجي (اسم حركي)، فقد أشار في كتابه إلى أن نجاح إقامة دولة الخلافة يتطلب عدم التقية والمجاهرة والحسم واستخدام وسائل الإعلام في إظهار عدالة القضية وبطش القائمين عليها!
٤- رفض وجود الآخر
الكيان الصهيوني والجماعات التكفيرية كما آل سعود لا يتقبلان وجود أحد غيرهم، ومن هنا انبثق أسلوب وجوب إفراغ الأرض ومن عليها. فالتوراة أعطت اليهود خيار التفريغ هذا حسب زعم أساطيرهم الخرافية، والجماعات التكفيرية تمارس وتطبق فكرة الاصطفاء الإسلاموي الخلافي التي لا تقبل مشاركة أحد من مخالفيها (دينياً ومذهبياً وعقائدياً وسياسياً) في حدودها، متذرعة بآيات قرآنية انتزعت من سياقها الزماني والمكاني، وفسرت تفسيراً خاطئاً ومشوهاً, كما آل سعود فهم لا يقبلون وجود أحد غيرهم, وشعوب باقي الدول المجاورة ما هم إلا عبيد تجب عليهم الطاعة, وكل من خالف, يحاربونه ويعتدون عليه ويقتلونه.
٥- تدمير المقدسات:
مما لا ريب فيه أن الكيان الإسرائیلي قام على أساس هدم وتدمير المقدسات وإسقاط هيبتها وقداستها, وهذا ما تجلى واضحا من خلال سعيهم الدؤوب إلى تدمير المسجد الأقصى, واعتداءاتهم على الشعب الفلسطيني واللبناني خير شاهد على تدميرهم للمساجد والكنائس ودور العبادة, وهو بالضبط ما أقدم عليه آل سعود خلال تاريخهم ولا زالوا وشواهد ذلك كثيرة, وهو بالضبط ما تقدم عليه الجماعات التكفيرية من هدم للقبور والمساجد والأضرحة والمقدسات الإسلامية وغير الإسلامية.
٦- تشويه صورة الإسلام:
تاريخ الصهاينة الغاصبين لأرض فلسطين حافلة بمخططاتهم الرامية إلى تشويه الأديان, من خلال نشر الرسوم المسيئة للرسول الأكرم محمد وآل محمد, فضلا عن إنتاج الأفلام التي تتعرض إلى سيرته الشريفة, بالإضافة إلى سعيهم في تشويه صورة النبي عيسى عليه السلام, وهو بالتحديد ما تقوم به الجماعات التكفيرية من خلال إظهار صورة الإسلام علی أنها صورة وحشية قائمة على القتل وغصب حقوق الآخرين وقطع الرؤوس, وإنتهاك الحرمات, وبالتالي القضاء على الحركات الاسلامیة المعتدلة والمثقفة واستبدالها بالحركات الوهابیة الصغیرة والمتعصبة. وهذا يعد من ضمن الأهداف الأساسية لهذا الحلف التكفيري الهادف إلى القضاء على هذه القيم السامية والراقية التي جاءت بها الأديان الإسلامية.
وفي حقيقة الامر إن الدولة الثانية المزعومة (التنظيمات التكفيرية) صنيعة الدولة الاولى (الصهيو- سعودية) السرطانية لتبرير بقائها وحماية وجودها الذي بات مهدداً من قبل محور المقاومة الذي لم ينكسر بل قويت شوكته، محور ارادوا قطع شريانه في سوريا فهزموا شر هزيمة، وأرادوا قطعه في العراق فخاب ظنهم وذهبت مؤامراتهم ادراج الرياح. الدولة الاولى بات بقائها مرهون ببقاء الدولة الثانية واصبح للارهاب دولتان في العالم الكيان الغاصب والتنظيمات الإرهابية. فاذا عمرت الأولى لاكثر من ستین عاماً نظرا لانها كانت تواجه شعوباً نائمة ودولاً عميلة، فالثانية لن تعمر سنوات معدودة لانها في مواجهة شعب يعشق الشهادة كما يعشق الحياة، شعب اذل وهزم وكسر عنفوان الاولى، شعب كانت وما زالت كربلاء مدرسته. إن دولة الإرهاب لن يكتب لها الحياة كما كتب للكيان الغاصب، فالدولتان مصيرهما الهزيمة والفناء مهما تعاظم ارهابهم وطغيانهم. الثانية والأولى عاجلا.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق