التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

مصفاة بیجی .. بین الإدعاءات الأمریکیة والوقائع المیدانیة 

تکاد لا تنتهي من سماع التصریح الأول للخارجیة الأمریکیة في الشأن العراقي حتی یبدأ التصریح التالي في مشهد لیس مستغربا للوقاحة الأمریکیة بالتدخل في شؤون دول العالم عموما والشرق الأوسط خصوصا، وعلی ما یبدو فإن تصریحات الکولونیل ستیف فاران، المتحدث باسم البنتاغون، وعلی الخصوص تلك المتعلقة بمصفاة بیجي في شمال العراق، لا تخلو من إظهار غیر مباشر للنوایا الخبیثة للسیاسة الأمریکیة في الحرب الدائرة هناك من تلمیحات للإنزعاج الأمریکی من تقدم السیطرة العراقیة فیها وإشارات إلی رفض أمریکي لمشارکات المقاومة الشعبیة في هذه المنطقة بالذات وکأن الأمریکی یطلب وبشکل غیر مباشر بقاءها تحت سیطرة إرهابیي داعش.

ومن أبرز ما جاء علی لسان ستیف فاران حدیثه عن مسار خاطئ للقتال العراقي ضد المجموعات الإرهابیة في منطقة تکریت وخصوصا حول المصفی النفطي الأکبر في العراق في بیجي، مشیراً إلی صعوبة التکهن بمسار الحرب هناك في محاولة للتلمیح إلی وضع میدانی معقد علی الأرض لا یمکن تغییره بسهولة، مؤکدا أن الحرب تدار وتتحرك بطریقة غیر سلیمة في إشارة إلی الجانب العراقي بضرورة تغییر طریقة إدارته للقتال علی الأرض في مواجهة داعش، مدعیا بأنه یمکن توجیه الحرب في الإتجاه الصحیح في حال تغیرت تلك الإدارة، وأضاف عدم إمکانیة التنبؤ بنتائج الحرب واستحالة معرفة ما سیحدث مستقبلا.

وفی الإطار ذکرت وکالة الأنباء العالمیة رویترز أن أجزاءً واسعة من المنطقة المحیطة بمصفاة بیجی باتت تحت سیطرة داعش الأمر الذي یشیر إلی نوایا داعش الجادة للسیطرة علی المصفاة والإستفادة منها في سرقة وبیع النفط العراقي عبر ترکیا، مشیرةً إلی ما یجري في المقلب الآخر من تأهب وجهوزیة  لدی الشرطة والجیش وقوات النخبة ومجموعات المقاومة الشعبیة العراقیة لمواجهة الإرهابیین وصد هجماتهم المتکررة باتجاه المصفاة سعیا لأخذها بأي ثمن.

ومن یتابع مسار السياسة الأمریکیة منذ الیوم الأول لدخولها العراق وما جنته من قتل وتدمیر وتحویلها للعراق إلی نهر من الدم النازف یومیاً، وعملها في شتی ساحات العراق السیاسیة والعسکریة والإقتصادیة علی نهب ثروات الشعب وزرع الفتن المذهبیة والحزبیة والقومیة والقبلیة بین أهله، ومثالا علی ذلك إدعائها القضاء بشکل تام علی مجموعة خلق الإرهابیة في شمال العراق لیتبین فيما بعد أنها عملت علی مساعدتهم ورعایتهم وتأمین منطقة آمنة لنشاطهم هناك، ولیس بعیدا سعي أمریکا لبناء قاعدة عسکریة جدیدة في أربیل شمال العراق في نیة واضحة للإبقاء علی احتلال مقنع للعراق یضمن حمایة المصالح الأمریکیة فیه ویؤمن مکانا ملائما للمخابرات الأمریکیة بجانب مطار أربیل الدولي.

وحول الحرب الدائرة فواقع المیدان یفضح حقیقة النوایا الأمریکیة حول القتال الدائر، فإسقاط الطائرات الأمریکیة بشکل متعمد ووقح للمساعدات العسکریة في المناطق الواقعة تحت سیطرة داعش من جهة، أو إنشاء الأمریکي لتحالف دولي ضد الإرهاب في المنطقة، تدخل فیه دول داعمة وممولة للجماعات الإرهابیة بشکل مباشر وأخری مساندة لها عبر تسهیل وصول عناصرها إلی مناطق القتال، أمر لا یغطیه بعض الضربات الجویة المحدودة والمدروسة للطائرات الحربیة الأمریکیة علی مواقع تابعة لداعش، بل یکشف عن نوایا خبیثة في محاولة لإدارة القتال علی الأرض عن بعد إضافة إلی منع أي من الفریقین من الفوز بالحرب سیعا لإطالة أمد القتال أکبر وقت ممکن وهو الأمر الذي یشکل الوضع الأمثل للأمریکي، ویؤمن الوضع الأکثر أمانا لشریکه الکیان العبري الأکثر استفادة من استمرار الحرب لإضعاف أعدائه في سوریا ولبنان والعراق أکبر قدر ممکن.

لکن هذه التصرفات الأمریکیة لم تمر دون ردات الفعل اللازمة من الشعب العراقي والجهات الرسمیة فیه بعد فهم الجمیع للنوایا الخبیثة وراء السیاسة الأمریکیة وحلفائها، من خروج مجموعات وأحزاب للقتال ضد الإحتلال الأمریکی ووجوده في العراق فور سقوط النظام البعثي البائد فیه کسرایا السلام وعصائب أهل الحق وقوات بدر وغیرهم، ورفض المرجعیة الدینیة لهذا الإحتلال وحمایتها للأطراف المقاومة له وحفاظها علی الوحدة بین أبناء الشعب العراقي التي یسعی الأمریکي بشکل یومي لتمزیقها، وإلی انتقاد جمیع الأطراف العراقیة للتصرفات الأمریکیة وسیاستها الفتنویة والتفریقیة في العراق کانتقاد الرئیس الکردي جلال طالباني للمساندة الأمریکیة لقوات خلق الإرهابیة ورفض عموم الشعب العراقي وقیاداته للمساعدات الأمریکیة الأخیرة والتي أرادت توزیعها علی أساس المعاییر المذهبیة.

وبعیدا عن التصریحات المؤیدة للسیاسة الأمریکیة في العراق والنابعة من صحف وإعلام الدول التي کانت مساندة أصلاً للحرب الأمریکیة علیه والیوم ما زالت مساندة له وللجماعات الإرهابیة في المنطقة، فإن واقع ما یجري في العراق یبیّن وبشکل جلي کذب الإدعاءات الأمریکیة بسعیها للحرب علی الإرهاب ومساعدة شعوب المنطقة علی تحریر أراضیها من الإرهابیین، کما یظهر الوجه الإجرامي الحقیقي لبعض دول المنطقة بمساندة الإرهاب وتمزیق وإضعاف الدول المساندة لحرکات المقاومة فیها، لکن مسار الحرب وکثرة الدول المستفیدة منها والساعیة لإطالة عمرها لزیادة مکاسبها یطرح تحدیات صعبة وضخمة أمام الشعب العراقي ومن یسانده من شعوب المنطقة وعلی رأسها إیران ویضعها أمام امتحانات جدیة لا مفر منها لتخطي صراع یظهر أنه طویل الأمد وسیستنزف الکثیر من القدرات والدماء، فلیس أمامهم من خیار غیر استمرار الصمود والمقاومة.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق