تنافس فرنسی أمریکی علی “کعکة” دول مجلس التعاون
تظهر الحركة النشطة التي تقوم بها حالياً الدبلوماسية الفرنسية مدى اهتمام باريس بمنطقة الشرق الأوسط، حيث زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند السعودية للمشاركة “كضيف شرف” في قمّة دول مجلس التعاون، ليكون بذلك اول قائد غـربي يحضر قمة خليجية منذ تاسيس مجلس التعاون في عام ١٩٨١ .
التحركات الفرنسية الأخيرة تشير إلى تطلّع الرئيس هولاند لاستعادة دور فرنسا في منطقة الشرق الأوسط كما كان الحال إبان الحربين العالميتين، وقد ساهمت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية التي وضعتها واشنطن في العام ٢٠١٠ والتي تمركزت على آسيا(روسيا والصين على وجه الخصوص)، في سيل لعاب الرئيس الفرنسي الذي يريد إستعادة “الإمبراطورية الفرنسية” بطريقة عصرية.
أهداف الزيارة:
إختلفت آراء خبراء الشأن السياسي في تفسير الأسباب التي دفعت بالرئيس الفرنسي للحضور في القمة الخليجية، ففي حين ذهب البعض للقول بمواجهة الدور الامريكي في السيطرة على المنطقة، أكد آخرون أن هدف الزيارة تسويق السلاح الفرنسي، ولم تغب أهداف ثانوية أخرى عن بال المحللين، لكن كل هذه الأهداف تلخصت في عنوانين أساسيين اقتصادي وآخر سياسي.
سياسياً حاول الرئيس الفرنسي قطع الطريق على أي قرار أمريكي يقضي على حضور بلاده في المنطقة، فقد جاءت زيارته كضيف شرف للقمة التشاورية قبل أسبوع ونيف من سفر قادة مجلس التعاون إلى واشنطن لعقد محادثات قمة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كامب ديفيد.
فرنسا تريد من خلال هذه الحركة السياسية منافسة الدور الامريكي في المنطقة، في ظل الحديث عن صراع خفي أو بالأحرى عتاب خفي من قبل سلطات الرياض الحالية على الدور الأمريكي في المنطقة عموماً والملف النووي الإيراني على وجه الخصوص؛ مع العلم مسبقاً أن طهران أكّدت مراراً وتكراراً أن برنامجها النووي السلمي ليس تهديداً لأي دولة من دول المنطقة، وبالتالي تحاول فرنسا اللعب على وتر العلاقات الأمريكية السعودية. بخلاف أمريكا تغازل باريس الرياض في مختلف الملفات الإقليمية للحصول على الحضور السياسي والدعم الإقتصادي عبر صفقات السلاح، وقد أوحت باريس لدول مجلس التعاون بانها مصدر دعم دائم لهم، وغازلت السعودية بالقول إن أي اتفاق في المستقبل بين ايران والقوى العالمية الست بشأن برنامج طهران النووي يجب أن يضمن عدم زعزعة استقرار المنطقة أو تهديد جيران إيران، رسالة غير مباشرة هدفها المنشود تسويق السلاح الفرنسي.
وحول الأزمة السورية ظهرت إرادة مشتركة بين باريس ودول مجلس التعاون-السعودية وقطر تحديداً- حول نقطتين أساسيتين بدءا من إمكانية اللجوء إلى الحل العسكري لإطاحة النظام السوري مرورا بالتوافق على ضرورة ألا يكون الرئيس السوري بشار الأسد جزءا من الحل السياسي الانتقالي للازمة السورية. كذلك الأزمة اليمنية وانطلاق عملية عاصفة الحزم حيث ساندت فرنسا هذه العملية سياسيا واستخباراتياً بعدما تحفظت اتجاهها كل من تركيا وباكستان.
أما ما يؤكد دعوى الهدف الإقتصادي هو أن الرئيس الفرنسي الذي اصطحب معه وزيري الدفاع والخارجية، حضر إلى الرياض قادماً من الدوحة بعد أن وقّعت قطر وفرنسا، صفقة مقاتلات رافال الـ ٢٤ بقيمه ٦,٣ مليار يورو (نحو ٧.٤ مليار دولار)، وشمل التوقيع تدريب ٣٦ طيارا ومئات الميكانيكيين. اذاً تأتي المشاركة الفرنسية رغبة منها في اتمام مزيد من الصفقات مع بعض دول مجلس التعاون بعد صفقتها مع قطر، وبالتالي تعزّز نفسها ضمن الاطار الاوروبي، ويكون لها نشاط واضح في المنطقة.
الحضور الفرنسي في هذه القمّة(الرياض) بالتحديد مع العلم أنه كان من الممكن أن يشارك في القمة السابقة في مدينة شرم الشيخ المصرية خاصةً أن الجانبين المصري والفرنسي قد وقّعا منذ فترة قريبة في ١٦ شباط/فبراير على صفقة بقيمة ٥.٢ مليار يورو (٥.٨ مليار دولار) لشراء ٢٤ مقاتلة رافال، يؤكد نية فرنسا في إيجاد منفذ اقتصادي جديد لها في المنطقة، فللإمارات والكويت وقطر استثمارات بقيمة تتجاوز ٦ تريليون جنيه في الاتحاد الاوروبي، بخلاف السعودية التي توجهت في الفترة السابقة نحو أمريكا.
الإزدواجية في التعاطي:
بصرف النظر عن أهداف الحضور الهولاندي(نسبة إلى هولاند) في قمّة الرياض، تكشف الدبلوماسية الفرنسية حالياً عن إزدواجيّة غير مسبوقة في التعاطي مع الملفات الخارجية، ففي حين تؤكد باريس دعمها المطلق لحقوق الإنسان، تروج في رحلاتها الخارجية لبيع السلاح الذي يستهدف أطفال ونساء اليمن، وهذا ما تجلّى بوضوح عندما لم يرد ذكر للمجازر التي ترتكبها السعودية بحق الشعب اليمني على لسان هولاند.
لو عدنا أشهراً قليلة إلى الوراء لوجدنا أن باريس أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب تصرف إرهابي من مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة في شارل أبيدو، في حين غاب عنها الإرهاب السعودي الذي حصد الآلاف من أبرياء الشعب اليمني، فما الذي يضمن أن لا تستخدم السلطات السعودية الأسلحة الفرنسية في ضرب أبناء الشعوب المسلمة؟
إزدواج آخر في سياسة فرنسا يتمثل بالتحالف مع السعودية في نفس الوقت الذي تحارب فيه المتطرفين في القارة السمراء سواءً في مالي، نيجيريا أو الصومال، حلفاء السعودية.
لا شك في أن الإعلان المشترك الذي صدر بعد لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يشكل خارطة طريق جديدة للعلاقات الفرنسية السعودية قد ينتج عنها متغيرات دبلوماسية جديدة وخريطة تحالفات جديدة. شهر العسل الفرنسي الخليجي الذي بدأ قبل أيام قد يطيح به الرئيس أوباما إذا ما أكد على دعم بلاده للسعودية وطرح قضية نشر الدرع الصاروخية في منطقة الخليج الفارسي، عندها ستقطع أمريكا الطريق مبكّراً على الفرنسيين، وهذا ليس بالأمر المستبعد من أمريكا.
واشنطن تسعى حالياً لتأجيج الأوضاع في المنطقة، بسبب انسحابها التدريجي من منطقة الشرق الأوسط بإتجاه العمق الآسيوي حسب إستراتيجية ٢٠١٠ العسكرية ، خطوة تهدف لضرب عصفورين بحجر واحد أولاً عبر إبرام المزيد من صفقات السلاح مع بعض الدول الإقليمية وليس آخراً ترك “باب شرف” للعودة تحت ذريعة “غياب الشرطي الأمريكي أفسد الوضع الإقليمي”، ما يدعوا دول وشعوب المنطقة أكثر من أي وقت مضى إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب الأمريكي ذي القناع الإسلامي.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق