التکفیر والارهاب لا ینفصلان؛ حول الغموض المتعمد فی تعریف الارهاب الحقیقی؟ (الجزء الأول)
مسميات مختلفة وصور وأسماء لامراء وأفراد يخرجون فجأة للعب دور وتأدية مهمة معینة على مستوى المكان والزمان ويختفون ضمن سيناريوهات مختلفة حول مصيرهم.
شبهات كبيرة تحيط كل ما يخص ملف بنية التكفير والارهاب في العالم, من العقائد ونشأة التيار التكفيري الذي يعتمد في تشريعاته ومعتقادته على الظاهر الحرفي للقرآن والموضعي وعدم الأخذ بالحيثيات الزمانية والمكانية وعدم اعتماد مناهج تفسير اصيلة تعبر عن اصالة التشريع الالهي العادل, لتستخلص من روح القرآن الذي يرتبط تفسيره بكل ما ورد فيه دون اجتزاء وفق منهج مترابط يرفع اللبس والاشتباه ويعطي الاحكام التشريعية مساحات منضبطة ومتوازنة ويلحظ الأزمنة والحيثيات التي تخص كل زمن.
من العقائد المنحرفة التي يصل مستوى تهديدها الى ما فوق السياسة والجناية والاجرام والجغرافيا والقتال, بل يتعدى في خطورته كل تلك الحدود ليشكل تهديدا حقيقيا على الاسلام السني والشيعي سواء, لأنه يمس مسألة خطيرة جدا تطال العقائد والتشاريع الاسلامية وما يؤدي هذا المساس من اظهار صورة مشوهة عن الدين الاسلامي فضلا عن تغيرات عقائدية تنتقل بشكل تدريجي نحو صياغة اسلام جديد يستخدم فيه الجهاد كمفهوم اساسي في التشريع الاسلامي ليصبح طابعا دمويا منفرا وعدوانيا بعد ان كان حدا من حدود صناعة الحرمات والدفاع عن الحقوق وكبح جماح المعتدين.
فمن هدف اعادة صياغة العقائد والتشريعات الاسلامية وما يؤدي ذلك من تشويه في صورة الاسلام الحقيقي ويحول دون امكان تمدده باعتباره الدين الوسطي والاكثر قدرة على التماشي مع متطلبات العيش للمجتمع البشري المعاصر.
ففي ظل تهاوي المنظومات الفكرية الوضعية التي أسسها مفكرون من بني البشر وصاغوها بشكل تشاريع او مناهج سياسية وضعية تطال اسلوب العيش للمجتمع البشري, على سبيل المثال الماركسية والفكر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الاشتراكي وكذلك العلمانية والانظمة الاقتصادية الوضعية كالرأسمالية والليبرالية والنيو لبرالية والنيو رأسمالية, وكلها تهاوت وأثبتت انها غير قادرة على قيادة المجتمع البشري نحو كماله على المستووين المادي والروحي المعنوي.
ففي ظل التهاوي المتتالي لكل تلك الانظمة الوضعية, بدأ بشكل تلقائي يثبت الاسلام الاصيل انه الخيار الوحيد الوسطي الذي يصلح لقيادة البشر نحو كمالهم المتوازي بين الحاجات المادية والمعنوية, ومع هذا السطوع الاسلامي والتجارب الاصيلة الاسلامية التي فاقت بنجاح تجربتها توقعات البعض وخيبت البعض الاخر, كالتجربة الاسلامية التي قادها الامام الكبير الراحل روح الله الموسوي الخميني (رض), والتي ما زالت تجربة حاضرة تقاوم كل المكائد وتتحدى كل المؤامرات التي تهدف الى منع سطوع هذه التجربة التي تفضح انظمة الحكم الغربية وكذلك الاسلامية المتشددة التي تتبنى بالحقيقة الارهاب ولا تقرب من الاسلام قيد أنملة.
وسط هذا السطوع, شهد العالم مؤخرا ثورة واقداما كبيرا على الاسلام للتعرف على حقيقته وطرحه وفكره وروحه, ولاقى هذا الاقدام غنى كبيرا في المنابع الفكرية الاسلامية اللامحدودة ومناهل معرفة متوازنة اصيلة تطال كل تفصيل من تفاصيل الحياة وتلبي حاجة متكاملة للفرد والمجتمع وتنظم العلاقات البشرية وتدير منظومة الحقوق والسلوك البشري بطريقة دقيقة عادلة فيما لو تم تطبيق الاسلام بما يريده الاسلام نفسه لا كما يحلو للبشر عبر اجتزائه وفق المصلحة.
هذا الاقدام بموازاة امارات انهيار النظام النيو رأسمالي التي ظهرت وألمحت الى ضرورة تبني نظام اقتصادي سياسي اجتماعي جديد يخرج المجتمع البشري من حالة الفرز الخطير الذي اوصلته اليه الرأسمالية عبر تراكم الثروات عند نسبة صغيرة جدا من المجتمع البشري, مقابل اتساع هرم الفقر عند معظم الشرائح البشرية وما يلي هذا من اختلال في منظومة وبنية المجتمع البشري وتزايد السطو والسيطرة والتحكم من قبل فئات فاحشة الثراء بفئات معدومة تابعة.
الحل المطروح بجدیة كان النظام الاسلامي العادل والشامل لكل مرافق العيش وهذا ما جعل المفكرين الغربيين المرعوبين من فكرة سطوع نجم الاسلام بركوب موجة صناعة الفكر وتشويه العقائد وصناعة الأديان وفق ما تجده هذه النخب مناسبا وصالحا لها.
فكان الفكر الوهابي مشروع البريطاني القديم, الذي يتخذ من السعودية وطنا له وأما وأبا.
فبريطانيا التي قامت بتوليد بذرة الفكر الوهابي الذي تبنته الاستخبارات البريطانية انذاك ورعت مؤسسه ودربته, وصدرته الى بيئته الحاضرة السعودية التي تتواجد على اراضيها قبلة المسلمين الموحدة, وما لهذا الاختيار من دلالات خطيرة وكبيرة جدا للبحث والاستدلال والتقصي لكل من يهمه الغوص في هذا الموضوع, تمهيدا لتوسيع رقعة انتشاره في العالم الاسلامي ككل.
هذا المشروع يهدف بحقيقته الى ضرب الاسلام السني المعتدل وخفت صوت المفكرين والصحابيين وناقلي الفكر والروايات والاحاديث الذين يتبنون فكرا اسلاميا وسطيا ومتوازيا, عبر تسليط الضوء على الاشخاص الذين اتخذوا من التطرف سبيلا لسطوع نجمهم وانحرفوا في معتقداتهم الى حد تأسيس دين جديد يهدد الدين الاسلامي ولا ينتمي له ابدا, على شاكلة ابن تيمية الذي يكثر تنظيم داعش العودة الى اقواله الخطيرة التي اتحف بها الدين الاسلامي.
وهكذا بدأ يتخذ الفكر الوهابي مع تعديلات عليه تواكب متطلبات المهمة والهدف, فبعد استحكامه في السعودية في البلد الذي ولد فيه الاسلام وما الت إلیه قبلة المسلمين الاولى, انتقل الارهاب الفكري النظري الی الارهاب العملي الذي يعتبر ثمرة جهود كبيرة انتجت منظومة فكرية منحرفة واعطيت الفرصة لتتخذ لها مكانا عمليا في السياسة والمجتمع والجغرافيا.
فكان كل ما سبق من مراحل تمهيدا لبداية عصر اسلامي حديث يواكب عملية التسويق لاعماله الارهابية منظومات فكرية واعلامية تعي هدفها بدقة وبدأ عصر الاسلام الجهادي الذي تركز عليه القنوات العالمية الغربية كثيرا وتطلق على الذباحين الارهابيين لتقرن الجهاد بصور القتل والدم وتقطيع الرؤوس … فهذا هو الهدف البعيد المدى للارهاب.
فمع الاعلام الهادف والارهاب المتآمر والاستقطاب الذي يعتاش على التحریض والتضليل، تفاصيل نعرض فيها مرض العصر الفتاك “الارهاب” في الأجزاء القادمة فتابعونا.