مفاجآت الإنتخابات البریطانیة: إطاحةٌ بالسیاسات المعتمدة، وتهدیدٌ لوحدة البلاد
نعيش اليوم في زمنٍ تحكمه الكثير من المتغيرات. ولعل بعضاً منها يقع في خانة المفاجآت لما يكون لها من تأثير على بنية الأنظمة السياسية للدول. وهنا يأتي الحديث عن الإنتخابات البريطانية وما أحدثته النتائج من تغييرات في البنية الداخلية للطبقة السياسية الحاكمة في بريطانيا. وهو ما يجب الوقوف عنده وتحليله لما سيشكل من انعكاساتٍ على بريطانيا داخلياً، وكذلك على صعيد السياسة الخارجية. فماذا في نتائج الإنتخابات البريطانية؟ وكيف يمكن تحليلها سياسياً؟
أولاً: الإنتخابات ونتائجها
حقق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون انتصاراً مفاجئاً في الإنتخابات التشريعية التي قضت على زعماء ثلاثة أحزاب وهددت بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، في حين اكتسح القوميون المطالبون بالإستقلال المقاعد المخصصة لاسكتلندا. وتشير التقارير إلى أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت نحو ٦٦% وهي أعلى نسبة منذ انتخابات عام ١٩٩٧. وبالنتيجة حصل المحافظون على ٣٢٦ مقعداً، أي الأكثرية المطلقة من أصل ٦٥٠ مقعداً، في مقابل ٢٣٢ للعماليين، ما يعني خسارته ٢٦ مقعداً أغلبها في اسكتلندا، فيما حصل الحزب الوطني الأسكتلندي بزعامة نيكولا ستارغن على ٥٦ مقعداً بزيادة ٥٠ مقعداً مقارنة بانتخابات عام ٢٠١٠. وقالت زعيمة الحزب إن هذه الإنتخابات هي بمثابة نقطة تحول لحزبها الذي حصل على أغلب المقاعد من حزب العمال، حيث كان أكبر عدد سابق من المقاعد التي حصل عليها الحزب ١١ مقعداً عقب انتخابات ١٩٧٤. وحصل حزب الخضر وحزب الاستقلال على مقعد لكل منهما، في حين تعرض حزب الديمقراطيين الأحرار المشارك في الائتلاف الحكومي السابق إلى خسارة فادحة بحصوله على ثمانية مقاعد فقط، ما يعني خسارته ٤٨ مقعداً مقارنة بالانتخابات السابقة.
وقد كان من نتائج الإنتخابات خسارة العديد من الوزراء السابقين وزعماء الأحزاب لمقاعدهم، يتقدمهم زعيم حزب العمال في اسكتلندا جيم مورفي ووزير خارجية حكومة الظل دوغلاس ألكسندر ووزير الخزانة في حكومة الظل ايد بولز. كما فشل زعيم حزب الإستقلال البريطاني والنائب بالبرلمان الأوروبي نايغل فاراغ في الفوز بأول انتخابات تشريعية يترشح لها، ما دفعه إلى إعلان استقالته وفتح باب الترشح على قيادة الحزب خلال أيلول المقبل. كما وتعرض الديمقراطيون الأحرار الذين شكلوا جزءاً من الحكومة الإئتلافية السابقة، إلى ما وصفها زعيم الحزب نك كليغ بالخسارة “الأليمة والقاسية” بعدما فقد الحزب ٤٨ مقعداً كان فاز بها في إنتخابات عام ٢٠١٠. وبخسارة تلك المقاعد فشل وزير الأعمال السابق فينس كايبل ووزير الطاقة إيد ديفي في الحفاظ على مقعديهما في البرلمان إلى جانب سكرتير وزارة الخزانة داني اليكسندر الذي ترشح في إحدى المحافظات الإسكتلندية. وأمام حجم الخسائر الفادحة لم يجد كليغ أمامه سوى إعلان استقالته هو الآخر وفتح باب الترشح لقيادة الحزب وفق ما تقتضيه القوانين الداخلية للتنظيم. كما أعلن زعيم حزب العمال ايد ميليباند الذي كان آخر قائد حزب يعلن تحمله مسؤولية “النتائج السلبية” تقديم استقالته بشكل فوري من أجل “السماح لوجوه جديدة بإعادة ترتيب شؤون الحزب من الداخل” على حد تعبيره.
ثانياً: تحليل نتائج الإنتخابات
إن نتائج الإنتخابات البريطانية حددت الرابح والخاسر في المعركة، لكن مسار الأحداث المقبلة في بريطانيا سيحددها الأداء السياسي للأطراف المنتصرة. ولعل التناقضات الواضحة بين هذه الأطراف تشكل بحد ذاتها أهم التحديات المقبلة. فعلى الرغم من أن النتائج فاجأت الجميع إلا أنها وبحسب المراقبين عبرت عن الواقع السياسي الحقيقي وبالتحديد الحزب الوطني الأسكتلندي والذي يعتبر نجاحه في خرق القواعد السياسية أمراً مفاجئاً. ولعل التحديات الأكبر ستقع على عاتق رئيس الوزراء ديفيد كاميرون والذي تعهد بتجسيد كل المشاريع التي تعهد بها خلال الحملة الإنتخابية، وفي مقدمتها تنظيم إستفتاء شعبي عام ٢٠١٧ لتحديد مستقبل عضوية بريطانيا في الإتحاد الأوروبي، كما تعهد بمنح مزيد من الصلاحيات للحكومات المحلية في اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية. وفيما يلي إشارة سريعة لتحليل النتائج:
– لعل فوز ديفيد كاميرون في الإنتخابات كان ساحقا للمحافظين، لكنه حتماً سيواجه تحديات كبيرة قد تكون سبباً في إحداث تغييراتٍ جذرية في بنية بريطانيا. وإن من أهم هذه التحديات هو معركته التي سيخوضها مع حزب القوميين الأسكتلنديين محاولاً إبقاء اسكتلندا كجزءٍ من بريطانيا.
– إذ لا شك أن ولاية رئيس الوزراء المحافظ كاميرون الثانية ستكون أصعب من الأولى رغم حصوله على الغالبية في البرلمان. فبالإضافة الى التحدي لإبقاء اسكتلندا ضمن بريطانيا وعدم حصولها على الإستقلال، فإن هذا الأمر يهدد بقاء بريطانيا كجزءٍ من الإتحاد الأوروبي، وهو ما يبدو صعباً في حال استقلال اسكتلندا.
– كما سيكون لنتائج الإنتخابات أثرٌ كبير على بنية الأحزاب السياسية لا سيما الخاسرة منها. وبالتالي سيسعى حزب العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي لإعادة بناء تنظيمهما بعد الخسارة التي لحقت بهما، وأدت الى استقالة زعيميهما بعد ساعاتٍ من إعلان النتائج.
– أظهرت النتائج حجم التأييد لفكرة إستقلال أسكتلندا وهو ما أشارت له صحيفة التايمز في افتتاحيتها حيث قالت إن الناخبين قاموا من خلال الإنتخابات بإحداث ثورةٍ في اسكتلندا. وهو ما يعبر عن حجم الأرضية الكبيرة المؤيدة لفكرة منح اسكتلندا الإستقلال. وهو ما أدى بالنتيجة الى حصول القوميين المطالبين بهذا الإستقلال على ٥٦ مقعداً من ٥٩ المخصصة لأسكتلندا.
– إن وصول حزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب) واحتلاله المرتبة الثالثة بحصوله على ١٢.٦% من الأصوات، كان من المفاجآت التي ستشكل تحدياً آخر أمام كاميرون. والسبب يعود إلی أن هذا الحزب، مناهض للإتحاد الأوروبي والهجرة الجماعية.
لا شك أن هذه النتائج سيكون لها الأثر الكبير على مجريات السياسة البريطانية. وعلى الحكام في بريطانيا معرفة كيفية التعاطي مع الملفات المتعددة بطريقة مختلفة عما قبل. وعلى كاميرون أن يدرك أن نظرة العديد من البريطانيين للجزر البريطانية، الى جانب الإنتماء للإتحاد الأوروبي، نظرة مختلفة. ولا بد له من إدراك أن مصلحة البلاد أهم من مصلحة الحزب. فهل سينجح كاميرون في ذلك؟ سؤال برسم الأيام المقبلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق