ما هی رسائل روسیا من عرضها العسکری الأضخم فی تاریخها؟
تُعتبر العروض العسكرية وسيلة لاستعراض القوة ونقل الرسائل وتسجيل المواقف السياسية والدبلوماسية. وعادة تنظم بعض الدول عروضاً عسكرية منتظمة في مناسبات ثابتة، كفرنسا والصين وتركيا، إلا أن العرض العسكري الروسي الذي يأتي بمناسبة النصر على القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، يُعتبر من أكبر العروض العسكرية وأكثرها شهرة منذ أيام الاتحاد السوفياتي السابق.
ومنذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في سنة ٢٠٠٠، أولى أهمية خاصة للعروض العسكرية، خاصة في السنوات الست الأخيرة، حيث لوحظ اهتمام مستمر بتطوير العرض عديداً وعتاداً للعودة به إلى مستوى العروض السوفياتية، بغض النظر عن الكلفة التي بلغت نحو ٥٠ مليون دولار في عرض العام ٢٠١٠ .
وقد احتفل بوتين هذا العام بالذكرى السبعين للانتصار في الحرب العالمية الثانية إلى جانب أكثر من ٣٠ رئيس دولة وقرابة ٤٠ مسؤولاً أجنبياً تم دعوتهم لحضور العرض العسكري الروسي، وفي مقدمتهم رؤساء الصين والهند وجمهورية جنوب إفريقيا وفيتنام ومصر وزيمبابوي وكوبا.
قراءة في التوقيت
يأتي العرض العسكري الروسي هذا العام، في ظل احتدام صراع النفوذ في منطقة البلقان بين روسيا والغرب، والذي جاءت الأزمة الأوكرانية لتزيد من استعار هذا الصراع، على خلفية ضم جزيرة القرم إلى روسيا بعد انفصالها عن أوكرانيا، بموجب استفتاء اعترفت بنتائجه روسيا، في حين رفضته الدول الغربية. الأمر الذي ردت عليه الدول الأوروبية وأمريكا بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ولوحت روسيا بعقوبات مماثلة على أوروبا، فيما تتهم روسيا أمریکا بافتعال مؤامرة مع السعودية، لتخفيض أسعار النفط والتي تشكل عماد الصادرات الروسية.
ضعف المشاركة الغربية
في العام ٢٠١٠ الذي صادف الذكرى الـ ٦٥ للنصر في الحرب العالمية الثانية، تميز العرض العسكري الروسي آنذاك، بحضور غربي كبير ووازن، حيث شارك الرئيس الأمریكي باراك أوباما شخصياً، إضافة إلى الفرنسيين والإنكليز والألمان والبولونيين، إلا أن الحضور الغربي هذا العام كان متواضعاً أو معدوماً.
فموسكو وجهت دعوات إلى ثمانية وستين رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى مسؤولي الأونيسكو والأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، إلا أن عدد من الرؤساء الغربيين أعلنوا عن عدم مشاركتهم في الاحتفالات، من بينهم الرئيس الفرنسي الذي سيرسل وزير الخارجية لوضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول دون حضور العرض، تماماً كالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
أما الرئيس البولوني الذي يتمتع بلده برمزية خاصة كونه من أكثر البلدان المتضررة من الغزو النازي في الحرب العالمية الثانية، امتنع عن حضور العرض العسكري هذا العام، معتبراً أن روسيا أرادت من خلاله استعراض القوة، وأنه يتعلق بالمستقبل وليس بالماضي .
الرسائل الروسية من العرض العسكري
لا شك أن لروسيا من خلال عرضها العسكري الأضخم في تاريخها، العديد من الرسائل التي أرادت إيصالها إلى أصدقائها وخصومها في الوقت نفسه، وفيما يلي نذكر بعض منها:
استعراض القوة: أرادت روسيا من خلال العرض العسكري القول بأن تداعيات الأزمة الأوكرانية وسقوط الرئيس الأوكراني السابق الموالي لها لن يشكل خطراً عليها، كما أن هذا العرض جاء بمثابة تحذير لأي دولة ترغب في الحشد المضاد لروسيا. والتأكيد على أنها مازالت قوية عسكرياً كما هي سياسيّاً، وأنها قادرة على تنفيذ قرارها السيادي دون اعتبارات لأي قوى تحد من قدراتها.
دعاية للأسلحة الروسية: حيث استعرضت روسيا خلال عرضها العسكري العديد من الأسلحة الحديثة، والتي كان بعضها يظهر للمرة الأولى، كالمدافع الذاتية الحركة «مستا-اس» و«كواليتسيا-اس»، دبابات «ت-٩٠»، وأنظمة دفاعات جوية متوسطة المدى من طراز «بانتسير-اس١»، فضلاً عن منظومة «إس ـ٤٠٠». كما شارك في العرض العسكري نوعان من المدرعات، هما «راكوشكا بي ام دي-٤ام»، و«بي تي ار-ام دي ام»، والصواريخ الباليستية «ار اس-٢٤ يارس»، واختُتم العرض مع سلاح الطيران، باستعراض مقاتلات السوخوي «سو-٣٠» و«سو-٣٥»، وقاذفات توبوليف «تو-٢٢» «م-٣», «تو-٩٥»، و«تو-١٦٠
محاولة اعطاء انطباع عن عدم نجاعة العقوبات الأوروبية والأمريكية: حيث أرادت روسيا القول بأنها حافظت على تصعيد قواتها العسكرية والتسليحية بالرغم من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا والدول الأوروبية عليها، وكذلك انخفاض اسعار النفط العالمية.
التأكيد على التحالف الاستراتيجي مع الصين لمواجهة الأحادية القطبية الأمريكية: حيث شارك رتل من الجنود الصينيين في المناسبة في إشارة إلى عمق العلاقات مع روسيا، الأمر الذي حمل رسالة واضحة حول أهمية التنسيق العسكري الروسي الصيني لمواجهة الأحادية القطبية، والتي حذر منها الرئيس الروسي صراحة في مستهل كلمته التي ألقاها في المناسبة حيث قال: “إن العقود الأخيرة تشهد انتهاكا للمبادئ الأساسية، وأن هناك محاولات لبناء نظام أحادي القطبية وهو ما يهدد الاستقرار العالمى.”
التأكيد على دور روسيا في الانتصار على النازيين في الحرب العالمية الثانية: حيث ونتيجة للتوترات الحاصلة بين روسيا والدول الأوروبية، حاولت بعض الدول التقليل من أهمية الدور الروسي التاريخي في الانتصار في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي انتقده الرئيس الروسي خلال كلمته مشيراً إلى أن “دولاً أخرى تعيد كتابة التاريخ حاليا للتقليل من شأن دور روسيا في الانتصار في الحرب”.
تثبيت قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: حيث يرى مراقبون أن هذه الاستعراضات العسكرية من شأنها زيادة شعبية الرئيس بوتين في روسيا، وهو الرئيس الذي يتربع على عرش السلطة لأكثر من ١٤عاما ويتطلع إلى إعادة الأمجاد الضائعة للاتحاد السوفيتي السابق.
فالعرض العسكري الروسي، هو تعبير عن الطموح الروسي المتنامي، للعب دور أكثر أهمية في رسم خريطة التوازنات في العالم، والضلوع بدور مؤثر على خريطة السياسة العالمية.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق