زيارة الرئيس العراقي لإيران: ترسيخٌ لمبدأ التعاون الإقليمي
تعتبر زيارة الرئيس العراقي المرتقبة الى إيران، من المسائل المهمة على الصعيد الإقليمي، لما لها من دلالاتٍ فيما يخص البلدين بالتحديد، الى جانب إنعكاسات ذلك على المنطقة ككل. فبعد نجاح العراق في حربه على الإرهاب، يرى المراقبون أن الزيارة تأتي بحد ذاتها كرد فعلٍ يتضمنه التعبير عن الشكر لإيران الى جانب محاولة تعزيز ما نتج عن التعاون المشترك في ملف مكافحة الإرهاب. ولعل هذا من الأمور الواضحة والتي لا تحتاج الى كثيرٍ من التحليل. لكن الزيارة التي يمكن اعتبارها تاريخية، تتضمن الكثير من الدلالات الإستراتيجية. فماذا في تصريحات الرئيس العراقي حول الزيارة المرتقبة؟ وما هي دلالاتها السياسية بعيدة المدى؟
أولاً: الزيارة وتصريحات الرئيس العراقي:
أكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم قبيل زيارته الرسمية التي سيقوم بها هذا الاسبوع الي إيران، أن هناك تنسيقاً عالياً مع إيران في المجالات السياسية والتجارية والثقافية، واصفاً العلاقات بين البلدين بالوطيدة والمبنية علي أسس الدين والثقافة والجوار. وقال معصوم في لقاء خاص مع وكالة (ارنا) للأنباء “أن العلاقات بين ايران والعراق علاقات قديمة مبنية علي الدين والثقافة والجيرة، وهناك أكثر من ١٠٠٠ كيلومتر من الحدود بيننا، والعلاقات بين الشعبين الإيراني والعراقي كانت جيدة وقوية حتي في الفترات التي كانت فيها الأنظمة في إيران والعراق ضد الشعبين”. وأضاف “منذ بدء العملية السياسية الجديدة في العراق والعلاقات بين البلدين ممتازة في مختلف المجالات السياسية والتجارية والثقافية وهناك تنسيق عال بين البلدين في مختلف المجالات خدمة للبلدين، وهذا ما أكدناه خلال لقاءاتنا بالشخصيات السياسية في الأمم المتحدة وخارج الأمم المتحدة، من أن علاقاتنا مع إيران تنطلق من مبادئ الدين والجيرة والثقافة المشتركة، ونحن ننظر الي ايران من وجهة نظرنا وليس من وجهة نظر الآخرين”. كما وشدد الرئيس العراقي علي أن “العلاقة بين البلدين مهمة جداً وإستراتيجية مؤكداً، عندما تعرضنا للهجمات من قبل داعش كانت إيران أول دولة قدمت المساعدات الصحية والإنسانية والعسكرية للعراق، ونحن مهتمون بهذه العلاقة ونرجو أن تتطور أكثر فأكثر”. موضحاً أن “العلاقات بين البلدين موجودة علي مختلف المجالات، علاقات شعبية وعلاقات سياسية وعلاقات تجارية كما توجد علاقات عسكرية، والزيارات المتبادلة مستمرة دائماً بين المسؤولين في البلدين وفي ذات الوقت نحن نتمني أن تشهد هذه العلاقات تطوراً أكبر”.
ثانياً: الدلالات الإستراتيجية:
إن الحديث عن دولتين كإيران والعراق ومحاولة تحليل العلاقة بينهما، يحتاج للفهم العميق للجغرافيا السياسية للبلدين، الى جانب الأخذ بعين الإعتبار الجيرة التي تجمعهما. ولذلك لا بد من قراءة الأمور من منطلق وجود ما يمكن تسميته بالأمن الإقليمي المشترك الجامع بينهما، مما يجعل التنسيق الدائم بين البلدين، من الأولويات التي يجب وضعها في قائمة السياسة الخارجية للطرفين. وهنا تجدر الإشارة للتالي:
– لعل الزيارة التي ستجري تعتبر الأولى للرئيس العراقي الى إيران، وهذا ما يدل على قناعة الطرفين وبالتحديد العراقي الى محورية الدور الإيراني، وضرورة التنسيق في القضايا التي تخص البلدين على الصعيد الإقليمي بالتحديد.
– إن الوفد المرافق يدل بحد ذاته على ما قد يرجح عن الزيارة من اتفاقيات وتعاون مشترك بين الدولتين. فالوزراء الثلاثة والمقرر مرافقتهم للرئيس العراقي هم وزراء البيئة والتجارة والسياحة، وهم أصحاب الملفات التي يمكن أن تشكل ركيزة التعاون عادةً بين أي بلدين. وبالتالي فلا بد أن تخرج الزيارة بتوقيع عدد من الإتفاقيات التجارية أو تنسيق سبل إدارة التجارة بين إيران والعراق، الى جانب تعزيز التعاون البيئي فيما يخص موضوع التصحر في المناطق الجنوبية، كما أن موضوع السياحة الدينية هو من الأمور التي تجمع البلدين أيضاً.
– من الناحية الجيوسياسية تعتبر الحدود المشتركة بين البلدين من أسباب إعتبار الأمن الوطني لكل دولة، مؤثراً في أمن الدولة الأخرى. فحضور إيران الإستشاري في العراق ومساعدتها للعراقيين في ملف القضاء على الإرهاب هو من الأمور التي تعني إيران كما العراق، وبالتالي فإن التعاون الأخوي بين البلدين للقضاء على الإرهاب، سيكون من الملفات التي ستطرح حتماً لما يشكله ذلك من أهمية على الصعيد القومي. وبالتالي فقد شكَّل نجاحه فرصةً للتعاون في كافة المجالات.
– لا شك أن الأزمات الراهنة في المنطقة ستكون من الأمور المطروحة وبالتحديد موضوع الحرب على اليمن. فما يجمع إيران والعراق رفضهم للحرب ومناداتهم بالخيار السلمي الحواري، وهو الأمر الذي سيشكل في حال إعلان التوافق الرسمي عليه، بدايةً لتحالفٍ قد يمهد في المستقبل لتحالفٍ أشمل من الممكن أن يجمع الجار الثالث تركيا أيضاً، كونها من المؤمنين بمبدأ الحوار في اليمن. وهو ما قد يولد حالةً إقليمية ودوليةً ضاغطة بإتجاه الحل السلمي لملف الحرب على اليمن.
– إن توقيت الزيارة له دلالات أيضاً من ناحية تزامنه تقريباً مع قمة كامب ديفيد الأمريكية الخليجية. وهو ما يعتبر رسالة لجميع الدول وبالتحديد الإقليمية، أن العراق يؤمن بالدور الإيراني العقلاني في المنطقة، وأن أمن المنطقة يعتمد على التحاور بين أبنائها وليس الإرتهان للسياسات الأمريكية. وهو الأمر الذي يؤمن فيه الطرف العراقي أيضاً ويحاول تعزيزه من خلال الزيارة.
قد تكون زيارة الرئيس العراقي لإيران نموذجاً يمكن الإقتداء به حول كيفية تعاطي الجيران سياسياً. فبعد النموذج السعودي الذي قدمته الرياض في اليمن، وما أدى ذلك لحالةٍ من التوتر الإقليمي، تعتبر الزيارة العراقية من الواجبات التي قد يقوم بها الطرفين تجاه الأمة والإقليم بشكلٍ عام. ولعل الطاغي على المشهد السياسي اليوم هو الزيارة بشكليَّاتها، لكن الحقيقة تقول أن مضمونها سيكون الأهم والأقوى. وهو ما ستثبته الأيام المقبلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق