التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

مذكرات آل سعود خُطت بقلمٍ بريطاني 

 تشكل السعودية في هذه الحقبة الزمنية محط أنظار الشعوب العربية والاسلامية فهناك العديد من الأسئلة والشكوك حول سياسات آل سعود واتجاهاتهم التي لاتطابق تطلعات الشعوب الاسلامية والعربية. فالسياسة السعودية لم تتغير منذ عقود طويلة ولم تتبدل رغم تغير الحضارات والثقافات ورغم ما تعانيه الشعوب العربية من ويلات وحروب مما يطرح العديد من التساؤلات عن حقيقة آل سعود وكيفية وصولهم الى السلطة وطبيعة السياسات التي يتبنونها.

 يعود استلام آل سعود الحكم الى عام ١٧٤٤ حيث قامت الدولة السعودية الأولى في الدرعية شمال غرب الرياض، وظهر في هذه الدولة محمد بن عبدالوهاب بدعوته السلفية وقام بابرام اتفاق مع محمد بن سعود سنة ١١٥٧هـ وهو ما يمثل بداية مرحلة جديدة تظهر آثارها فييومنا هذا، اذ أنه وفقا لهذا الاتفاق قام محمد بن عبدالوهاب بالإفتاء بالجهاد لمناصرة محمد بن سعود في معاركه التوسعية في مقابل قيام مقاتلي محمد بن سعود بنشر الدعوة الوهابية.

 توسع دولة آل سعود أدى لاعتناق قبيلة القواسم التي كانت تعمل بالقرصنة العقيدة الوهابية، وأصبحت أعمال السلب والقرصنة نوعًا من “الجهاد” بعد ان قرر زعيم القواسم تأدية خُمس الغنيمة إلى الحاكم الوهابي “آل سعود”، ومع مرور الأيام أصبحت مهاجمة القواسم للسفن في منطقة الخليج تشكل تهدداً للخليفة العثماني مما دفعه إلى تكليف الوالي محمد علي حاكم مصر بالقضاء على دولة آل سعود والذي نجح في مهمته.

هذه الاحداث أثارت نقمة آل سعود على محمد علي والعثمانيين فسارعوا الى طلب الدعم من بريطانيا وأقاموا معها حلفاً استطاعوا من خلاله اعادة تأسيس دولتهم الثانية والتي لم تختلف كثيرا عن الاولى في اعتمادها على مذهب عبد الوهاب، اضافة الى الدعم البريطاني الكبير الذي برز في زيارة الكولونيل لويس بيلي الموظف البريطاني الرسمي في شبه الجزيرة لدولة آل سعود الثانية في عام ١٨٦٥م .

 دولة آل سعود الثانية لم تحظى بقاعدة شعبية فقيامها كان يعتمد على الدعم البريطاني والتوسع العسكري واستغلال فتاوى عبدالوهاب مما تسبب بانهيارها ورحلت أسرة ال سعود كلها إلى الكويت لتقيم في ضيافة مبارك الصباح، وفي تلك الفترة حصل تقارب روسي الماني أقلق بريطانيا فبدأت بدعم آل سعود من جديد عبر مبارك الصباح وشجعتهم ودعمتهم للإغارة على منطقة الإحساء حيث استطاعوا احتلالها في مايو ١٩١٣، وفرحًا بالنصر أرسل آل سعود رسالة إلى بريطانيا جاء فيها:”بالنظر إلى مشاعري الودية تجاهكم أود ان تكون علاقاتي معكم كعلاقات التي بينكم وبين إسلاف” قاصدا الدولة السعودية الثانية.

 آل سعود شرعوا بخدمة بريطانيا قبل استكمال بناء دولتهم ففي عام ١٩١٤ وقع عبدالعزيز آل سعود اتفاقاً معها يقضي بقيام بريطانيا بحماية عبدالعزيز وعائلته مقابل محافظة عبدالعزيز على الرعايا الانكليز وتجارتهم في المنطقة وشراء الأسلحة من بريطانيا. لذلك تشكل بريطانيا بالنسبة لآل سعود عصب الحياة وركيزة الدولة وبدونها ينهار كل البناء السعودي، ولكن بعد أن برزت أمريكا كقوة تفوق القدرات الانجليزية لم يعد آل سعود يشعرون بالامان فسارعوا الى استجلاب الرضى والدعم الامريكي.

فرغم حداثة الرابطة التي جمعت السعودية مع أمريكا الا أنها كانت متينة. ففي اجتماع هيئة الأمم المتحدة للتصويت على قرار تقسيم فلسطين عام ١٩٤٨، ارسل الرؤساء العرب برقية إلى الملك السعودي يلحون عليه بإصدار تصريح -مجرد تصريح- يهدد فيه بقطع البترول إذا صوتت أمريكا على التقسيم واعترفت بإسرائيل. فما كان من الملك الا أن قال:”إن المصالح الأمريكية في السعودية محمية، وأن الأمريكيين هم من أهل الذمة، وإن حمايتهم، وحماية مصالحهم واجب منصوص عليه في القرآن الكريم!”

 العلاقة السعودية الأمريكية وصلت الى أن تبيع السعودية كل فلسطين وهذا ماتحدث عنه صديق الملك السعودي جون فيلبي، الذي اعتنق الوهابية بعد اسلامه، وأصبح مستشار الملك عبدالعزيز, اذ يقول في كتابه ٤٠ عاما في البحرية: “كان مستقبل فلسطين كله بالنسبة للملك أمرا من شأن بريطانيا الصديقة العزيزة المنتدبة على فلسطين, ولها أن تتصرف كما تشاء، وعلى عبدالعزيز السمع والطاعة”.

 المنافع الأمريكية محمية وكل ماهو مرتبط بأمريكا خط أحمر بالنسبة لآل سعود حتى الكيان الاسرائيلي وهذا ما أكده علي النعيمي وزير النفط السعودي في اجتماع منظّمة الدول المصدرة للبترول في فيينا عام ٢٠١٤ في قوله: “الملك يشدد دائما على العلاقات الودية بين السعودية وسائر الدول، بما في ذلك الدولة اليهودية”، مؤكداً أنه “لو أرادت إسرائيل شراء النفط ستقوم الرياض بتزويد الدولة العبرية بكميات وفيرة”.

هذه الروابط التي تجمع آل سعود مع بريطانيا وأمريكا واسرائيل قائمة على خدمة المصالح الإستعمارية لهذه الدول في المنطقة وتسيير أعمالها ومخططاتها مقابل الابقاء على آل سعود في سدة الحكم وهذا مايفسر طبيعة سلوك آل سعود ومنحى سياستهم تجاه القضايا العربية والاسلامية وتجاه متغيرات المنطقة فالسعودية لا تتحرك الا باذن هذه الدول وإرادتها فكل يوميات آل سعود خُطت بقلم بريطانيا وامريكا مما جعل تاريخ آل سعود سجلاً مليئاً بالخيانات للقضايا العربية والاسلامية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق