غياب سلمان: ترجمة لأزمة الثقة الخليجية الأمريكية
يعتبر الحلف الخليجي الأمريكي واحداً من أقدم الأحلاف في التاريخ السياسي المعاصر. لكن الأحداث اليوم تشير الى حجم الخلل المتواجد بين الطرفين الخليجي والأمريكي. ويمكن إختصار السبب الرئيسي بوجود تناقضٍ في المصالح اليوم، ليس من منطلق أن الأمريكي استغنى عن الدول الخليجية، كما أنه على الصعيد الآخر ليس صحيحاً القول أن الدول الخليجية لم تعد بحاجة لواشنطن. وهنا يجري الحديث عن قمة كامب ديفيد والغياب المؤكد لقادة الدول الثلاثة السعودية، البحرين وعمان، فيما يُنتظر أن تقرر الإمارات من سيمثلها. لكن الغياب السعودي هو الذي يأخذ الحيز الأكبر من الإهتمام لما له من دلالات. فكيف يمكن تفسير غياب الملك سلمان عن القمة؟ وما هي دلالاته الإستراتيجية؟
أولاً: التفسيرات المتداولة لغياب الملك سلمان:
كان من المقرر أن يصل زعماء الدول الخليجية الست، إلى واشنطن، للقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض، قبل التوجه إلى منتجع كامب ديفيد الشهير لعقد قمة بين الطرفين هناك، تتناول عدة ملفات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية. لكن ثلاث دول خليجية هي السعودية والبحرين وعمان، أعلنت الأحد، أن زعمائها سيوفدون ممثلين عنهم إلى الإجتماع، فيما لم تعلن دولة الإمارات لحد الآن عن وفدها الذي سيشارك في القمة، ليبقى زعيما الكويت وقطر، الوحيدين في القمة من الجانب الخليجي لحد الآن. لكن أكثر ما أثار التساؤلات هو القرار المفاجئ للملك السعودي سلمان وتكليف ولي عهده محمد بن نايف بحضور القمة بدلاً عنه. فيما أشار الكثير من المراقبين الى أن القرار الخليجي بعدم الحضور جاء متماشياً مع القرار السعودي. وكانت نقلت وكالة الأنباء السعودية عن وزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير مساء الأحد في ٤ مايو ٢٠١٥، أن عدم حضور سلمان وإنابته بن نايف، يأتي بسبب تصادف القمة مع فترة الهدنة الإنسانية وتكثيف العمليات الإغاثية التي تقوم بها السعودية في اليمن، إلى جانب افتتاح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وذلك انطلاقاً من حرص الملك سلمان على تحقيق الأمن والسلام في اليمن، وحرصه على سرعة تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية للشعب اليمني الشقي بحسب تعبيره. لكنه وعلى الرغم من ذلك، إعتبر مراقبون ونشطاء سياسيون تبريرات الجبير غير مقنعة تماماً، وتؤكد وجود أسباب أخرى وراء غياب سلمان عن كامب ديفيد.
ثانياً: التفسيرات الحقيقية للغياب:
إن المتتبع للأحداث الجارية ولتاريخ العلاقة بين الطرفين الخليجي والأمريكي، يمكنه تفسير الأسباب الحقيقية لغياب الملك سلمان، وما تبعه من غيابٍ لقادة البحرين وعمان. ولذلك نشير الى التالي:
– إن العلاقات الدبلوماسية بين الدول، تفرض في حد ذاتها إحترام البرتوكولات لا سيما في الزيارات الرسمية. فمعروفٌ أن حجم تمثيل الوفود يدل على أهمية الزيارة. لذلك فإن مجرد إعلان السعودية عن تمثيلها بولي العهد، يدل على أن الرياض أرادت أن تعبر عن أنها ليست في وارد التعويل الكبير على قمة كامب ديفيد، لكنها في الوقت ذاته لا تريد قطع علاقتها بل تعزيزها ولكن على الطريقة السعودية وعبر محمد بن نايف المعروف بعلاقته بواشنطن. وهنا قد يسأل البعض السؤال التالي: هل تمتلك السعودية القدرة على فرض ما تريد؟
– والجواب الواقعي هو أنه قد لا تمتلك السعودية القدرة على فرض مصلحتها بعيداً عن رؤية الطرف الأمريكي. لكن المشكلة الحاصلة بين الطرفين اليوم هي بسبب تناقض المصالح. فالسعودية تعيش حالةً من صراع الوجود وتشكل الأخطار التي من حولها، بحسب رأيها، تهديداً للكيان السعودي. فيما الطرف الأمريكي وبسبب براغماتيته المعهودة، يتعامل مع النتائج دوماً، ولا تهديد لوجوده من الأخطار التي تدعيها السعودية ودول الخليج، بل إن هذه الأخطار هي بحد ذاتها تهديدٌ للنفوذ الأمريكي في المنطقة. لكن واشنطن لديها المرونة السياسية التي لا تمنعها من السعي لإرضاء إيران مثلاً من أجل مصلحتها، ولو كانت على حساب الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية. وهو ما يدركه الخليجيون جيداً.
– وبالتالي فإنه وبالرغم من العناوين الموضوعة للزيارة، إلا أن الطرف الخليجي لم يعد يثق بأمريكا بعد توجهاتها الجديدة. ولا يحتاج ذلك للكثير من الدلائل، فقد ازدحمت وسائل الإعلام الأمريكية منذ الإعلان عن القمة، الى الحديث عن أن أوباما يسعى لإعادة الثقة بين واشنطن والدول الخليجية.
يمكن القول أن ما يجري اليوم بين الطرفين، هو أن الطرف الأمريكي يدفع ثمن براغماتيته المعروفة، والتي جعلته يدخل في سياساتٍ تهمه على المدى الإستراتيجي على حساب الدول الخليجية. وفي مقدمتها فهمه للدور المحوري لإيران، ليس عن قناعة أو رضا، بل لأن الواقع السياسي في المنطقة تغير. وفي المقابل يدفع الطرف الخليجي ثمن ولائه المطلق لأمريكا، وهو ما أدى لضرب المجتمعات العربية بالتحديد، وإدخالها في سياساتٍ أجبرها عليها حكام الأنظمة لضمان البقاء في مناصبهم. لذلك يمكن بإختصار القول أن حكام هذه الأنظمة كانوا دوماً يهدفون الى ضمان أمن كراسيهم، فهمَّشوا شعوبهم، لدرجة أنهم اليوم يعيشون صراع بقائهم الذي لم يعد أولويةً لدى الأمريكي. وهنا يأتي السؤال التالي: كيف يمكن لأوباما أن يوفِّق بين مصلحة واشنطن بالتوافق مع إيران من جهة، وبين إعطاء الدول الخليجية ضماناتٍ لإعادة الثقة؟ يبدو الأمر صعباً، لكن علينا انتظار الأيام المقبلة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق