جيزان ونجران السعوديتان … مستقبل الحرب علي الحدود وتهديد القتال البري
تتدحرج أحداث حرب السعودية وحلفائها على اليمن باتجاهات ووقائع جديدة تفرضها الإصرار السعودي على الإستمرار في الحرب والإقدام على المزيد من القصف الجوي والبري للأراضي اليمنية، دون أفق وأهداف واضحة وتاريخ متوقع لإنهاء الحرب، الأمر الذي يفتح القتال أمام احتمالات جديدة، ليس آخرها التوغلات المحدودة للقبائل اليمنية في محافظتي نجران وجيزان السعوديتين، والرد السعودي بضرب أماكن مدنية لا تردع الطرف المقابل عن الإقدام على المزيد من الهجمات.
فقد دخلت الحرب يومها الثامن والأربعين ولم يسجل أي تغيير في استراتيجيات وتكتيكات الهجمات التي تنفذها السعودية وحلفاؤها، إذ لا جديد سوى المزيد من الضربات على أهداف مستحدثة ومحسوم أنها لن تغير في معادلات النصر والخسارة. ففي قراءة بسيطة للحروب التاريخية نفهم أن الضربات عن بعد لا تحسم أي حرب حتى لو كانت غير متكافئة القوى، باستثناء تلك التي تستخدم فيها الأسلحة المحرمة دوليا والمعدة للإبادة الجماعية، والتي قد استخدم منها فعليا في اليمن القنابل العنقودية ذات التأثير المحدود.
أما في المقلب الثاني فالطرف اليمني يبدو أنه يفهم جيدا أن الطرف المهاجم لا يتجرأ على الإقدام على الخيار البري ويعلم حجم الإستعداد اليمني للقتال على الأرض، لكن التهديد الذي يواجهه الجيش والقوات الشعبية المتمثل بالوجود الإرهابي في الشرق يؤخر استفادة اليمنيين من ورقة القوة التي بين أيديهم وهي المبادرة إلي الهجوم البري على الطرف السعودي، الأمر الذي بادرت إليه مجموعات من القبائل اليمنية كردة فعل منها على قصف الطرف المقابل.
فحدوديا لم ينفع السعودية الجدار البري العازل غير المكتمل على طول الحدود الممتدة لمسافة ١٤٧٠ كلم بينها وبين اليمن، في منع مجموعات من القبائل اليمنية المجاورة للأراضي السعودية، من الهجوم على المواقع الحدودية السعودية عبر عدة منافذ برية في قرض والبقع والديعة وعلب، فقد أقدمت مجموعات من القبائل اليمنية على قصف العديد من المواقع الحدودية السعودية وشركة نفط ومحطة للكهرباء ومطار نجران، حيث أدى الهجوم على مدينة الطوال إلى قتل مجموعة من العسكريين السعوديين وغنم كميات كبيرة من السلاح، استخدمت نفسها فيما بعد لإسقاط طائرتين مروحيتين من نوع أباتشي، كما سيطرت مجموعات أخرى على جبال جلاح والرديف الإستراتيجية في محافظة جيزان مجبرة حرس الحدود السعودي على هروب جماعي من تلك المنطقة.
وعلي صعيد آخر ظهرت الخلافات الداخلية السعودية بين وزير الدفاع محمد بن سلمان وولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف بن عبد العزيز على مسار الحرب وطريقة إدارتها، الأمر الذي أجبر السعودية على ما يشبه الهدنة المؤقتة تحت ستار الهدنة الإنسانية، لكن الواقع الميداني يدل على أفق مسدود أمام السعوديين ولا خيار قابل للتطبيق يمكن استخدامه في المعارك غير الضربات الجوية، وما يعزز تلك الخلافات ظهور طرفين في الصراع السياسي داخل السعودية، الأول يميل بشكل مطلق إلي الإدارة الأمريكية والثاني متعظ من الإتفاق الأمريكي الإيراني، لكن من المؤكد أن الطرفين متفقان وبقوة على ضرورة قمع اليمن وإخضاعه ولو بالقوة.
لكن الأحداث في الداخل اليمني تنذر السعوديين بمستقبل يمكن أن يقلب الحرب لصالح اليمنيين، فحرب أنصار الله والقوات الشعبية والجيش اليمني ضد الجماعات الإرهابية تتجه يوما بعد يوم نحو حسم المعارك لصالح اليمنيين بالرغم من التدخل الجوي السعودي لصالح الإرهابيين، وعلى ما يبدو فإن المجموعات اليمنية المقاتلة تستعد وتتحضر للإنتقال إلى الشمال نحو الحدود مع السعودية فور الإنتهاء تماما من جيوب الإرهابيين في الجنوب والشرق، وعليه فإن انتقال هذه القوة العسكرية الكبيرة نحو المواجهة مع الجيش السعودي المتراجع أمام هجمات متواضعة من قبل مجموعات قبلية يمنية، ينذر السعوديين المتخبطين داخليا بمعادلة الأرض الأكثر فعالية وتاثيرا من كل ضرباتهم الجوية والكفيلة بقلب سيناريو الحرب رأسا على عقب لصالح اليمن.
وفي الإطار فقد فصلت هذه الحرب الإعلام العالمي بين مؤيد للحرب وأكثره الممول من الطرف الشريك في الحرب إلى جانب السعودية، وآخر رافض للحرب ومع الجبهة المقاومة لها، وثالث مدعي الحياد أو متجنب للتدخل لإعتبارات الربح والخسارة السياسية والإقتصادية، وفي المجمل يبدو أن للإعلام القدرة على التغيير الميداني بعد هذا الزمان الطويل الذي استهلكته الحرب والحجم الهائل للقتل والدمار غير المجدي في الوسط اليمني.
وفي الخلاصة فغير القوة لن يمنع السعوديين ومن خلفهم الأمريكي أي شيء من إنهاء اعتداءاتهم كونها عدوانية منطلقة من ذهنية تسلطية ومذهبية لئيمة تنكر على الطرف الآخر حق الوجود والعيش بكرامة، وقدرة الصبر والتحمل لدى اليمنيين وحجم استعدادهم للمبادرة ورد الضربة بالضربة وعلى رأسها الخيار البري هو من سيحدد عمر هذه الحرب وسيناريو نهايتها المرتقب.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق