ما هو تأثير الفضاء السيبيري علي الحرب غير المتماثلة في الشرق الأوسط ؟
يتضح يوما بعد يوم ان مصادر زعزعة الامن في الشرق الاوسط قد تغيرت وان المنظمات غير الحكومية هي على رأس من يقود هذا التغيير لأن قدرات هذه المنظمات قد ازدادت بشكل كبير وباتت تتسبب بحدوث ازمات وتحديات امنية كبيرة.
وللمثال على ذلك يمكن الاشارة الى ما يحدث في مصر حيث المنظمات السلفية مثل “انصار بيت المقدس” تفتك بالجيش المصري في سيناء كما يمكن الاشارة الى ما تفعله بعض المنظمات مثل تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا وانتشار هذه المنظمات في باقي مناطق الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
ومع اتساع المعارك بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية نرى ان هناك انتشاراً لاستراتيجية الحرب غير المتماثلة حيث ترك هذا النوع من الحروب تأثيرا مخربا وعميقا على الاستقرار في الشرق الاوسط خلال العقود الماضية. فالتهديدات التي كانت تصدر من جيوش الدول في السابق باتت تصدر من الجماعات غير الحكومية والارهابية التي دخلت في الحرب مع الحكومات وعقدت الاوضاع في المنطقة، وقد زادت الاستفادة من الحرب السيبيرية (الالكترونية) التي تتسع شيئا فشيئا من تعقيد الاوضاع واصبح المجال الالكتروني مجالا يكمل الحروب غير المتماثلة في الشرق الاوسط.
ان الحرب غير المتماثلة تعني معركة غير متكافئة من ناحية القدرات العسكرية، وفي هذه الحرب تسعى الجماعات المسلحة الصغيرة الى شل قدرات جيش ما او ايقاع خسائر في صفوفه دون ان تكون لهذه الجماعات القدرة على الدخول في حرب وجها لوجه. ففي حين تستخدم جيوش هذه الدول الاساليب العسكرية تستخدم هذه الجماعات المسلحة اسلوب حرب العصابات وتقوم بعمليات تخرج عن نطاق القوانين الدولية للتعويض عن عدم التكافؤ في القدرة وتستهدف هذه الجماعات المسلحة المدنيين وترتكب جرائم حرب مثلما تفعل الجماعات المسلحة في سوريا او تنظيم داعش في اكثر من دولة ومكان، وعلى العكس من ذلك تلتزم الجيوش بالقوانين الدولية لانها ترى ان الالتزام بالقوانين الدولية يعود بالنفع عليها.
ومع ازدياد نشاطات الجماعات غير الحكومية والاستفادة من الاساليب الارهابية في الشرق الاوسط يدخل الفضاء السيبيري ايضا في هذه المعركة ويصبح ساحة واسعة لنشاط الجماعات غير الحكومية والارهابية حيث يصبح التعرف على مصدر هذه الهجمات السيبيرية امرا صعبا، وتكون الحكومات عرضة للهجمات السيبيرية اكثر من الجماعات غير الحكومية لأن الحكومات لديها بنى تحتية وتكنولوجية كبيرة ولذلك فهي عرضة لخسائر اكبر في هذه الحروب.
ويعتقد الكثيرون ان وجود المنشآت السيبيرية العسكرية والامنية للحكومات هو الذي يشجع المنظمات الارهابية لشن عمليات سيبيرية تخريبية، لكن شن مثل هذه الهجمات يحتاج الى قدرات سيبيرية تفتقد الجماعات غير الحكومية اليها. إن شن الهجمات السيبيرية يحتاج الى ٣ انواع من القدرات هي:
القدرات الاستخباراتية: يجب جمع معلومات هامة عن الهدف الذي يتم مهاجمته من اجل شن هجوم دقيق ومؤثر، وهذا الأمر يحتاج الى ذكاء بشري كبير. فمن اجل قرصنة المواقع الالكترونية يجب جمع معلومات والقيام بعمليات هندسية اجتماعية لكي يصبح النفوذ الى الحواسيب الحكومية ممكنا.
القدرات التكنولوجية العالية: تشير الاحداث التي وقعت في السنوات الاخيرة إلي ان القدرات على شن هجمات سيبيرية قد ازدادت خاصة في الانترنت، ورغم ذلك فان انتاج الادوات التكنولوجية لشن هجوم على منشآت البنى التحتية للدول يحتاج الى قدرات تكنولوجية رفيعة المستوى وقدرات بشرية كبيرة.
القدرات العملياتية: ان التخطيط وقيادة العمليات التي تتسبب بنتائج هامة يستلزم وجود منشآت بنى تحتية وتنظيمية قوية مثل الاستفادة من قدرات بشرية لديها تجارب عملياتية وقدرات القيادة والتحكم والقدرة على شن عمليات سرية ومعقدة، ولذلك يبدو ان قيام الجماعات الارهابية مستقلة بشن هجمات في الفضاء السيبيري يحتاج الى وقت طويل.
لقد تحولت منطقة الشرق الاوسط في العقود الاخيرة الى مختبر للعالم لاختبار الحرب غير المتماثلة وقد امتلأت هذه المنطقة بالجماعات الارهابية والناشطين غير الحكوميين وقد وفر الفضاء السيبيري مجالا واسعا امام الارهابيين للعمل، إلا أن تأثير ذلك كان محدودا حتى الآن ولم نر نتائج كبيرة عن الهجمات السيبيرية. وان النشطاء غير الحكوميين يستخدمون الفضاء السيبيري للتعويض عن ضعفهم في الحروب لكن قدراتهم في هذا المجال تتوقف على دعم بعض الدول لهم.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق