قراءة موضوعية لأسرار قوة حزب الله
في ظل التغيرات الحاصلة اليوم على الصعيد الإقليمي والدولي، تسعى الأطراف السياسية الأساسية في الصراع لإستخدام كافة الوسائل من أجل النيل من الطرف الآخر. ويعتبر سلاح التشويه وبالتحديد عبر الإعلام، سلاحاً إستراتيجياً أتقن صنعه مُخرجوا هوليوود، لزرع الأفكار والتأثير على الرأي العام. ولعل أكثر من استخدم هذا السلاح في العالم العربي، كانت وسائل إعلام الدول التي تنتمي تنفيذياً للسياسة الأمريكية المجابهة لمحور المقاومة. وهو الأمر الواقع الذي يمكن لأي مراقبٍ أن يراه بمجرد متابعة ما يسمى بميديا هذه الدول حيث كان دائماً الهدف تشويه سمعة محور المقاومة. وهنا يجري الحديث اليوم عن محاولة النيل من حزب الله اللبناني من خلال كيل الإتهامات له، عبر تصويره كتنظيمٍ إرهابي تارةً، أو وصفه باليد التنفيذية للمد الشيعي الإيراني على حد تعبير هذه الأبواق الإعلامية تارة أخري. وهنا لا بد من إيضاح الحقائق للرأي العام، وذلك من منطلق المسؤولية، التي تفرضها معركة الوعي التي يؤمن بها محور المقاومة. فكيف يمكن دحض هذه المزاعم من خلال الحقائق والدلائل؟
عند الحديث عن الوقائع نعود للتاريخ وفهمه، أو يمكن القول بأنه يجب علينا تحليل التاريخ الحاصل بموضوعية. وهنا يجب تبيان التالي:
– لا بد أن حزب الله شكل من خلال تجربته نموذجاً هـاماً لنـمو دور ما يعرف باللاعبين غير الدوليين على الساحة الإقليمية والدولية. ويمكن تأكيد ذلك من خلال ارتفاع تأثير الحزب عبر تاريخ حركته، من التأثير المحلي الداخلي في لبنان الى الإقليمي فالدولي اليوم. ويمكن من خلال إستطلاع آراء الأعداء السياسيين والعسكريين للحزب، والذين ينتمون للسياسة الأمريكية، سماع تقييمهم الذي يؤكد تمكن الحزب من تحقيق الإستفادة القصوى من الموارد المتاحة له، معتمداً إستراتيجية ذكية توازن بين الواقعية والأهداف الإيديولوجية، وتقودها قيادة حكيمة ذكية، تتمتع بما يوصف بالصبر الإستراتيجي. لكن السؤال المنطقي التالي هو: من أين ينبع التأثير الإقليمي لحزب الله؟
– إن دور حزب الله في مقاومة الإحتلال والعدوان الإسرائيلي على لبنان، وتمكنه من خلال إنجازاته في هذا الإطار، من تحقيق ما يمكن تسميته بترجيحٍ في ميزان القوة، لمصلحة محور المقاومة، هو السبب الأساسي لنمو دور الحزب. مما يعني أن أصل هذه القوة واضحة المنبع والبوصلة وهي موجهةٌ ضد الكيان الاسرائيلي.
– ولا شك أن العارف بأيديولوجية حزب الله، يدرك أن الحزب يؤمن بمفهوم “الأمة الإسلامية الواحدة”، ولكنه لا يدع هذا الإيمان يتناقض مع فكرة الوطن والدولة. بل إن هذا الإيمان بالأمة الواحدة يفترض بشكلٍ تلقائيٍ الإعتقاد بوجود تجانس في المصالح وتماثل في التهديدات. لكن للحزب وبسبب كونه مقاومة، هامشاً واسعاً في التحرك فيما يخص الأسلوب والكيفية، بحيث لا تقدر الدول على فعل ذلك. وهو أحد نقاط القوة الإستراتيجية التي يمتلكها حزب الله. لكن ما الذي جلب لحزب الله العداوة؟
– ينتمي حزب الله لمحور المقاومة في الشرق الأوسط. ومن يعرف إستراتيجية حزب الله يدرك أن الحزب يتعاطى مع الصراع في المنطقة على أنه صراع محاور. وبالتالي فإن قوة أي لاعب سياسي في المنطقة تتأثر مباشرةً بالقوة النسبية للمحور الذي ينتمي إليه. لذلك لم يؤمن الحزب بأن الصراع في المنطقة هو صراعٌ بين دول، بل بين محورين فقط، محور تقوده أمريكا في سبيل الهيمنة على المنطقة وخيراتها وتحقيق أمن الكيان الإسرائيلي. وفي المقابل محور المقاومة بقيادة إيران. وهنا فإن مقاومة حزب الله للكيان الإسرائيلي، كانت السبب في عداء بعض الأنظمة العربية له، لأنها بطبيعة الحال كانت تنطوي تحت سياسة أمريكا في المنطقة. الأمر الذي دفع ببعض الأطراف المحلية للتورط في محاولات القضاء عليه، وحرب تموز ٢٠٠٦ تشهد لذلك.
– عندما فشل الأمريكيون في العراق دخلت المنطقة في الفوضى الحاصلة نتيجة الفراغ الحاصل، فقامت الأطراف الإقليمية المعادية لمحور المقاومة بالإستفادة أكثر من الحركات التكفيرية، محاولةً تأجيج الصراع المذهبي، مما رفع من حدة الصراع، لا سيما في سوريا والعراق. وهو الأمر الذي يفسر بحد ذاته سبب توسع الدور الإقليمي لحزب الله.
– ولعل الكلام الذي يقوله الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، يمكن أن يعتبر دليلاً لما يشكله الرجل من مصداقية يعترف به العدو قبل الصديق. ففي حديثه لصحيفة الأخبار اللبنانية، أكد السيد أن قرار حزب الله بالتدخل عسكرياً في السياق الإقليمي بشكل مباشر يتأثر بعدة معايير يمكن تلخيصها بالتالي: “أولاً، ضبط الأولويات، بحيث يخضع التدخل لسلم أولويات الحزب، وأولى هذه الأولويات هي حماية وتمتين وتحصين مشروع المقاومة في لبنان، ثم في المنطقة وخاصة في المشرق العربي حيث الساحة الأبرز لدور حزب الله الخارجي. هذه الأولوية تترجم من خلال محاولة منع إلحاق ضربة قاصمة بأي من أركان هذا المحور”. ثم يأتي ثانياً، “الضرورة، أي أن خيار حزب الله في العمل خارج الحدود ليس الخيار الأول المفضل له، بل إن الحزب مهتم بتركيز موارده نحو بناء توازن ردع وقوة بوجه الإسرائيلي وهي مهمة تستلزم عملاً دؤوباً ومتواصلاً، يضاف إليها حاجته المستجدة للإنخراط أيضاً في المعترك السياسي المحلي الذي لطالما فضَّل الابتعاد عنه. ولكن ما هو معيار الضرورة؟ معيار الضرورة إستراتيجي بالمقام الأول، أي أن يسهم ذلك الدور في درء مخاطر أساسية وداهمة على مشروع المقاومة بما يضمن الحفاظ على قوة رادعة لمحور المقاومة”. بعدها يضيف السيد ثالثاً، “الترشيد، أي التدخل ضمن الحدود الدنيا التي تستوجبها الحالة، من حيث المستوى والكيفية. لطالما اكتفى الحزب بأداء مهمات تدريبية، توجيهية، لوجستية ونقل خبرات، وهي مهمات تتطلب مشاركة جزء ضئيل من أجهزة وكادر الحزب. من خلال هذا المبدأ يتفادى الحزب مخاطر الإستنزاف، بالنهاية مهما بلغت قوة الحزب إلا أنه يبقى منظمة لقوتها حدود وتواجه تحديات كبرى ومستمرة”. ثم يأتي رابعاً، “المشروعية، كلما احتل الحدث الإقليمي المحدد نقطة أقرب لجوهر مشروعية الحزب، مشروعيته العقائدية، القيادية، ومشروعية برنامجه وسرديته، فإن فرص التدخل تصبح أعلى”.
من خلال سرد هذه الحقائق يمكن التأكيد على أن الواقع الحالي للدور المؤثر لحزب الله، جاء نتيجة التطورات الحاصلة من خلال مسيرته الجهادية. وبالتالي فإن محاولة النيل من الحزب من خلال الإعلام، ليس إلا دليلاً على الإفلاس السياسي الموجود للأطراف التي تنطوي تحت العباءة الأمريكية. فأمام الحقائق والوقائع، لا داعي للآراء لأن التاريخ هو الفيصل.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق