الأمة بين جاهلية جديدة ونكبة ثانية
ماجد الحاتمي /
“مايجري اليوم هو اعادة إنتاج جاهلية جديدة، أخطر بمئات المرات من جاهلية ما قبل الاسلام”، بهذه العبارات وصف قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد على الخامنئي، الحالة المأساوية التي انحدرت اليها الامة الاسلامية، إثر تعرضها لتطبيقات عملية للمشروع الامريكي الاسرائيلي التكفيري.
آخر التطبيقات العملية لهذا المشروع، والذي يكثف اكثر حقيقة هذا الوصف المؤلم، هو ما يجري اليوم في اليمن، حيث يتعرض هذا البلد العربي المسلم ومنذ نحو خمسين يوما لعدوان ظالم احرق الاخضر واليابس، واعاد هذا البلد الى خمسين عاما الى الوراء، لا لجريرة ارتكبها، الا لكون السعودية، التي تقود هذا العدوان، لم يرق لها ان ترى الشعب اليمني يسعى للتحرر من هيمنتها و وصايتها.
الحرب الجاهلية، هي الصق وصف بالعدوان الذي يشن على الشعب اليمني، بعد ان استنفرت السعودية وبدعم امريكي، كل نوازع الشر في النفوس عبر تحريضها طائفيا وغرائزيا، فاشعلت نار الفتنة، التي اذكتها وتذكيها امبراطوريتها الاعلامية الضخمة، فالتف حولها الموتورون و المرتزقة، فالقت ما قيمته 30 مليار دولار، من القنابل والصواريخ على الشعب اليمني المظلوم، فقتلت وجرحت الالاف وشردت مئات الالاف، وفرضت حظرا بريا وبحريا وجويا، على الشعب اليمني، امعانا في اذلاله وتجويعه، ولاشباع غريزة الحقد الجاهلي الاعمى.
كل الفظاعات التي ارتكبتها السعودية وحلفها الجاهلي في اليمن، كانت على مرأى ومسمع العالم المتحضر، الذي لم يرتد له جفن، بل على العكس تماما، وقف هذا العالم الظالم، كما في الجاهلية الاولى، الى جانب الجلاد ضد الضحية.
المضحك ان السعودية تحاول بالقوة العسكرية وبما تمتلك من اموال وامبراطورية اعلامية، وبما تتلقاه من دعم امريكي، ان تقنع العالم، ان عدوانها على اليمن، الذي دمر بلدا عربيا وشرد اهله، وعرّض وما زال يعرض امن واستقرار المنطقة للخطر، جاء للدفاع عن امن واستقرار اليمن والمنطقة ومواجهة “التهديدات الايرانية”!!، بينما الحقيقة ليس هناك من تهديد اخطر على المنطقة من تهديد العدوان السعودي الامريكي على اليمن، وان تداعيات هذا العدوان على اليمن والمنطقة، هي اسوء تداعيات يمكن تصورها لاكثر السيناريوهات سوء للازمة اليمنية.
كما هي الجاهلية الاولى، وقف الاستكبار الى جانب الجلاد، وراى العالم اجمع كيف اجتمع الحلف الجاهلي في كامب ديفيد في امريكا، لبحث سبل كيفية ابعاد “التهديدات الايرانية” و “تهديدات الشعب اليمني” عن السعودية!!، حيث تعهد كبيرهم ان يوفر لهم الحماية من هذه التهديدات في مقابل مئات المليارات من الدولارات، وكأن القواعد العسكرية الامريكية والغربية المنتشرة في منطقة الشرق الاوسط، والاساطيل الامريكية والغربية التي تزدحم بها بحار المنطقة والخليج الفارسي، وصفقات الاسلحة بمئات المليارات من الدولارات، ليست كافية لابعاد خطر “التهديدات الايرانية” المزعومة.
ولكن من حقنا ان نتساءل، ترى من الذي اثار الفتن الطائفية واشعل في المنطقة الحروب؟، من اين استمدت المجموعات الارهابية الفكر التكفيري؟، من اين جاء الفكر التكفيري الذي تحول الى السرطان ضرب المنطقة وشعوبها؟، من الذي هدم بيوت اليمنيين على رؤوسهم؟، من الذي هدد ويهدد وحدة اليمن ارضا وشعبا؟، من الذي زرع الفتنة الطائفية بين ابناء الشعب اليمني؟، من الذي دعم ومول وسلح المجموعات التكفيرية كالقاعدة و “داعش” في اليمن؟، من الذي يحارب الى جانب القاعدة و “داعش” في اليمن ضد الجيش اليمني و انصارالله؟، من الذي مازال يصر على استمرار القتل والدمار في سوريا؟، من الذي يرفض كل الحلول السياسية ويصر على اسقاط الحكومة في سوريا؟، من الذي يرسل ويجند و يدرب ويمول ويسلح التكفيريين في سوريا ويسميهم ثوارا ومعارضة معتدلة؟، من الذي زرع الخراب في ليبيا وحولها الى بلد فاشل؟، من الذي يصر على دعم وتمويل وتسليح التكفيريين في كل بلدان المنطقة لاضعاف جيوشها ولتمزيقها وتشتيت شعوبها، خدمة ل(اسرائيل)؟،من الذي لايرى في (اسرائيل) عدوا؟، في المقابل من الذي تسامى على جروحه وجنب المنطقة الحروب ولم يرد بالمثل عندما قامت السعودية وغيرها بتمويل وتسليح الدكتاتور العراقي صدام حسين خلال عدوانه على ايران؟، من الذي لايرى له من عدو المنطقة الا (اسرائيل)؟، من الذي وقف الى جانب حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ودفع ومازال يدفع اثمانا باهظة لمواقفه المبدئية هذه؟، من الذي كان ومازال يدعو الى حل سلمي في سوريا واليمن وليبيا؟، من الذي يحارب التكفيريين كالقاعدة و”داعش”، في المنطقة بشهادة الاعداء والاصدقاء؟، من الذي حاول بكل ما يملك من امكانيات لتقديم المساعدات الانسانية للشعب اليمني المنكوب بالتحالف الجاهلي؟
لقد كان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله مصيبا عندما قال ان الامة اليوم في نكبة جديدة تتمثل في المشروع الاميركي الاسرائيلي التكفيري، وان النكبة الجديدة أخطر من النكبة الاولى فالنكبة الاولى اضاعت فلسطين ولكن بقيت القضية الفلسطينية، بينما النكبة التكفيرية ستضيع القضية الفلسطينية ومعها دول المنطقة والامة.
رغم كل النكبات ورغم الجاهلية الجديدة التي يعاد انتاجها، تبقى الشعوب اقوى من كل المستكبرين والصهاينة والتكفيريين، وما المقاومة التي تتجلى بابهى واسمى صورها في لبنان واليمن وسوريا والعراق، ضد الجاهلية الجديدة، الا مؤشرعلى ان الشعوب لا يمكن ان تستسلم، مادامت متسلحة بالايمان والوعي والبصيرة.