التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, سبتمبر 16, 2024

التعامل بين الهند والصين: مصالح وحدود 

 في ظل سعيها الدؤوب لتشكيل قوةٍ دولية، تسعى الصين لإعادة رسم خارطة علاقاتها مع الدول الصديقة والخصمة، وبالتحديد في منطقتها. لكن العلاقة المتوترة بينها وبين الهند تاريخية، وقد تكون ازدادت جراء معارضة الهند للإتفاق الذي أبرمته الصين مع باكستان بشأن ممر اسلام اباد الاقتصادي. فكيف يمكن وصف هذه العلاقة المضطربة؟ وهل يمكن أن تؤجل الخلافات مرحلياً بين البلدين؟

 

قد لا تقاس علاقات الصين المتوترة مع الهند، بعلاقاتها الحميمة مع باكستان. لكن المصالح التي تجمع التنين الصيني وجاره الهندي قد تؤجل خلافاتهما حتى إشعار آخر. وهذا ما قد تجسده زيارة رئيس الوزراء الهندي للصين. وقد يكون تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الجارين الآسيويين العملاقين ووضع الخلافات بينهما جانباً إلى حين، أن تنضج ظروف حلها هو الهدف من الزيارة. حيث يتنازع الجانبان على مناطق حدودية بينهما تصل مساحتها إلى أكثر من أربعين ألف كيلومتر مربع ظلت عائقا أمام تقاربهما منذ عدة عقود. وكان الجانبان قد خاضا حرباً ضروساً في ستينيات القرن الماضي بتلك المنطقة التي لا تزال تعتبر إحدى بؤر التوتر وتنتشر على جانبيها أعداد كبيرة من قوات البلدين.

لذلك فإن الخلاف بين البلدين الآسيويين الجارين ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، وإنما يعود إلى عام ١٩٦٢، في أثناء الحرب الحدودية بين البلدين، والذي يعد أول اشتباك صريح بين الطرفين عندما هاجمت الصين الحدود الشمالية للهند، وهو خط الحدود القائم حالياً بين القطاع الشرقي، والذي أطلق عليها اسم “خط ماكماهون”. فالخلاف الدولي بين الدولتين، نشب بسبب مطالبة الصين بمقاطعتين تقعان في شمالي غرب الهند على أنها أرض صينية، وتقع أولى هاتين المنطقتين في شمال شرق مقاطعة جامو وكشمير، فيما تقع ثاني المنطقتين المختلف عليهما بين البلدين، في منطقة جبال “الهمالايا” الفاصلة بين الهند ومقاطعة التبت الصينية. وبعد أكثر من ٣٠ عاما، أي في أواسط التسعينيات، اتفقت الدولتان على اتخاذ إجراءات لبناء الثقة بينهما، وهو الأمر الذي مهد الطريق للإتفاق الذي وقعته الدولتان قبل ٤ أعوام حول المبادئ لحل النزاع الحدودي طويل الأمد بينهما. ويرى المراقبون أن هذا الاتفاق جاء على أرضية التحسن الكبير الذي شهدته العلاقات بين الهند والصين خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما في المجال الاقتصادي. لكن يعتبر أهم ما ساهم في إزالة التوتر بين البلدين، هو إقدام الهند عام ٢٠٠٣ على الاعتراف رسميا بمنطقة الحكم الذاتي في التبت كجزء من الدولة الصينية.

ولعل لهذه الصداقة المرحلية حدوداً معينة. فقد استبقت الخارجية الهندية زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي إلى بكين، بالقيام باستدعاء السفير الصيني لديها، والإعراب لها عن معارضتها الإتفاق الذي أبرمته بكين مع باكستان خلال زيارة الرئيس الصيني إلى إسلام آباد الشهر الماضي. والذي سيتم بمقتضاه مد ممر اقتصادي تصل تكلفته إلى ٤٦ مليار دولار يربط غرب الصين ببحر العرب عبر منطقة كشمير المتنازع عليها. وفي الوقت نفسه، أعلن مكتب رئيس الوزراء الهندي إلغاء اجتماع كان مقررا له الثاني من الشهر الجاري بين مودي وزعيم التبت الدالاي لاما وهو العدو اللدود لبكين. وهو الأمر الذي جاء إيجابياً، إذ يرى مراقبون أن هذا الاجتماع الملغى كان سيعصف بالتأكيد بزيارة مودي إلى بكين حال انعقاده. ويسعى رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته إلى الصين للتوقيع على نحو عشرين اتفاقية اقتصادية وثقافية تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار، وإلى زيادة حجم الاستثمارات الصينية في بلاده خاصة في مجال البنية التحتية.

وتعتبر بكين أكبر شريك تجاري لدلهي بميزان تجاري يصل إلى حوالي سبعين مليار دولار لكن كفته ترجح بنسبة كبيرة لصالح الصين. وهو خلل سيحاول مودي إصلاحه من خلال تشجيع الشركات الصينية على زيادة استثماراتها في الهند خلال المنتدى الاقتصادي الصيني الهندي الذي سيحضره في شنغهاي عاصمة المال والأعمال في ختام زيارته إلى الصين والتي تستغرق ثلاثة أيام. كما وحرص رئيس الوزراء الهندي على ألا تقتصر زيارته إلى الصين على لقائه بالقيادة والمسؤولين الصينيين فحسب بل سعى إلى مخاطبة الرأي العام الصيني بشكل مباشر من خلال افتتاح حساب شخصي له على موقع “وي بو” للتواصل الاجتماعي وهو النسخة الصينية لتويتر، ولاقت الخطوة ترحيبا لدى مستخدمي الموقع الذي استقبل آلاف التعليقات الإيجابية بعد ساعات فقط من افتتاحه. يذكر أن السنوات الأخيرة شهدت تقاربا واضحا بين الجارين العملاقين دلهي وبكين حيث جمعتهما مجموعة “البريكس” التي تضم أيضا روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، كما سارعت الهند أيضا إلى الانضمام كعضوة مؤسسة في بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية الذي اقترحته وترأسه الصين.

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق