لیبیا بین فکی صراع التیارین الاسلامی والعلمانی
تواجه ليبيا فوضى عارمة خاصة بعد عام ٢٠١٣، تجعلها عرضةً للتقسيم، فلا حكومة مركزية قوية تواجه المجموعات المسلحة والتيارات المتعددة التي تتصارع للسيطرة على زمام الأمور والانفراد بليبیا، اضافة الى أن هذه التيارات تمتاز بالدعم الكبير الذي تتلقاه من أطراف أجنبية تحاول فرض سيطرتها على ليبيا، ويتوزع هذا الدعم على تيارين أساسيين يشكلان جوهر الصراع في ليبيا هما التيار العلماني والتيار الاسلامي.
فالتيار العلماني في ليبيا يتلقى دعمه من امريكا والغرب والسعودية في محاولة من هذه الدول لتشكيل دولة مماثلة لدولة السيسي تضع حداً لنفوذ الاسلاميين وانتشارهم، ويمثل هذا التيار عبدالله الثني رئيس الوزراء الحالي والذي صرح علانيةً عن الخط السياسي الذي ينتمي اليه في حوار مع صحيفة “عكاظ” السعودية حيث قال: “إن هناك تحالفا بين عدة تيارات تدعي زورا وبهتانا الإسلام وهي بعيدة عن الدين الإسلامي الحنيف،” مؤكدا ان “هناك دعما خارجيا لهذه الجماعات المتطرفة من عدة دول” وأضاف بأن هناك تنسيقاً على أعلى المستويات بين السعودية وليبيا لرسم ملامح علاقة قوية ومتينة معبراً عن تقدير الشعب الليبي للشعب السعودي تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين لتقديمهم دعماً غير محدود.
هذا ويضاف الى هذا التيار القائد العسكري خليفة حفتر صاحب عملية “كرامة ليبیا” والذي يعتبر من أبرز كبار التيار العلماني المدعوم من أطراف أجنبية. حیث ذكرت “رويترز” أن لحفتر علاقات قوية ببعض الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية، خاصة المخابرات المركزية الأمریكية (سي آي أي) التي دعمته وفق ما ذكر مركز أبحاث أمریكي.
أما الطرف الآخر والذي هو الطرف الاسلامي فيتمثل بعمر الحاسي الذي يترأس حكومة الانقاذ والذي لا ينال اعتراف عبدالله الثني الذي يعتبر أن الحاسي قد استلم رئاسة حكومة الانقاذ دون موافقة مجلس النواب، وهذا ما قاله الثني في مؤتمر صحفي أجراه عام ٢٠١٤ وأكد فيه أن قرارات المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته والذي كلف عمر الحاسي بتشكيل حكومة الانقاذ غير معترف بها، منوهاً الى أن “الاجتماع غير شرعي والإجراءات غير شرعية والحسم التشريعي الوحيد هو البرلمان”.
الحاسي والتيار الاسلامي الذي يقوده يتلقى دعماً قطرياً تركياً تجلى واضحا من خلال زيارة مبعوث رجب الطيب أردوغان الى حكومة الحاسي، الزيارة التي أثارت ضجة اعلامية كبيرة وأرادت تركيا استغلالها لتعزيز مشاريعها الاقتصادية في ليبيا والتي بلغت في عام ٢٠١٤ ما يقارب ٢٨ مليار دولار أسهمت في تنمية الاقتصاد التركي وهذا ما دفع تركيا الى محاولة ايجاد موطأ قدم لها.
العلمانيون والاسلاميون يتنافسون على فرض سيطرتهم على الأرض بالقوة العسكرية، فعبد الله الثني تمكن من خلال حفتر من استقطاب قبيلتي الصواعق والقعقاع في منطقة الزنتان شمال ليبيا الى حلفه، في حين يسعى التيار الاسلامي الى توسيع سيطرته مستفيدا من الجماعات الاسلامية التي تحارب على الأرض وعلى رأسها قوات “فجر ليبيا” والتي تضم تنظيم طالبان.
هذه الحرب السياسية والعسكرية الدائرة بين الطرفين قد تسببت بفوضى أمنية كبيرة في ليبيا وخاصةً أن النظام في ليبيا هو نظام قبلي عشائري اذ يتواجد ما يقارب ١٤٠ قبيلة في ليبيا، لثلاثين قبيلة منها دور هام في العملية السياسية، وهذا التشتت سهّل انتشار المجموعات المسلحة المتقاتلة اضافة الى الجماعات التكفيرية كداعش المتواجدة في برقة وطرابلس وفزان، کما أن غياب دولة مركزية قوية تسيطر على الأوضاع قد زاد من تفاقم الأوضاع وتدهورها.
هذه الأوضاع الراهنة لا تسير وفق رغبات وتطلعات الشعب الليبي الذي بات لا يملك أي ثقة بالأطراف السياسية الحالية كونها تعمل وبوضوح لصالح أجندات أجنبية وتسعى الى خدمة دول استعمارية غربية وعربية تحاول فرض سيطرتها على ليبيا من خلال دعم وتشكيل مجموعات مسلحة وتكفيرية متنوعة، أضف الى ذلك أن هذه التيارات والدول الداعمة لها لا يهمها من المعركة الا حصتها من ليبيا ولو على حساب وحدة الأراضي الليبية ومصالح الشعب الذي بات يعيش في ظروف حرب سياسية وعسكرية واسعة لا يصله منها الا القتل والدمار.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق